نشر وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، كتاب “سعادة السفير” عكس فيه نظرة شخصية يؤمن فيها بأن لبلاده مهمة تبليغية صعبة، لكنها ممكنة وليست مستحيلة.
وبهذا الراي لخص ظريف المهمة الرسالية لايران بعد ثورة 1979 متسائلا: هل بمستطاع ايران.. وهي ليست عضوا دائما في مجلس الامن.. ان تطرح شعار الثورة: لا شرقية ولا غربية.. دولة إسلامية”؟ مجيبا: ايران.. عبر دبلوماسيتها المرنة.. تحاول ذلك.
لكنني أرى أن الدبلوماسية الايرانية ليست مرنة، فالثورة الوليدة قطعت علاقاتها بالعالم، محتجزة موظفي السفارة الامريكية.. رهائن، خلاف القوانين الدبلوماسية؟ وبدأت تصدير التشيع، من العراق، عازمة على سريانه الى دول الخليج ثم تنظيم مسيرة راجلة الى تل أبيب، لو لا الحرب العراقية، التي قطعت عليها طريق نشر الاسلام وتحرير فلسطين، وهي حرب قامت بتكليف سعودي لصدام حسين، إستجابة لإيعاز أمريكي إسرائيلي؟ ام الإصرار على الإستمرار بالمشروع النووي الذي جر حصارا امريكيا على ايران، نزل بالعملة الى تضخم مريع ووضعها على حافة حرب عسكرية غير مأمونة العواقب على الوجود الإيراني…
جانب الكتاب الواقع الميداني بإضفاء مرونة على الدبلوماسية الايرانية، التي ما زالت صلبة في بلورة شعار: “لا شرقية ولا غربية.. دولة إسلامية”.
بغض النظر عن الهدى الايراني والضلال الصدامي، وحق اي شعب بإمتلاك منظومة نووية سلمية، فإن إيران أصرت على إستمرار الحرب ضد صدام ثمان سنوات وما زالت تخصب اليورانيوم، متحدية العالم.. إذن لا مرونة، كما ورد في الكتاب.
السؤال الآخر: من أين جاء التكليف الرسالي لإيران، كي تحمل بيرق التشيع، مثلما حمله “الأخوان المسلمون و”القاعدة” و”داعش” في الجانب السني؟ كل من شاء طرح نفسه على الارض، بديلا عن الرب في السماء، عاث قتلا بالناس! بينما الله أرجأ عقوبة الخطائين الى الآخرة.. إذا فعلا ثمة عقوبة لمن يعيش حريته خارج إشتراطات الدين من دون إضرار بأحد.
“سعادة السفير” كتاب يغطي ثلاث مراحل: “الحرب العراقية الايرانية” و”استنساخ الثورة” و”التداعيات النووية المعروفة” متمخضا عن نصائح من ظريف، الى الدبلوماسيين، إستنتجها من جوهر تجربته، في العمل الدبلوماسي على إعتبارها مهنة الدفاع عن مصالح الوطن في الخارج.
أين الآخر.. مساحة التعرض التي تشتغل عليها الدبلوماسية الإيرانية؟ لا وجود فيها الا للرؤية الفارسية المبنية على مصلحة الحكومة الايرانية، فالعقلية الشاهنشاهية المتجذرة منذ صراع عيلام وبابل، ما زالت تنبض وثابة.. تتدفق في الفكر الفارسي، بتمظهراته كافة.. الوثنية والزرادشتية والاسلامية قبل التشيع الصفوي 25 ايار 1524 والتشيع الثوري 16 كانون الثاني 1989.
والاحتكام الى مصالحها من دون تبادل المنفعة مع الآخر، نعيشه الآن في علاقة عراق ما بعد 9 نيسان 2003 مع ايران.
المذكرات تغني المكتبة والثقافتين السياسية والادبية، وهي إلتفاتة قيمة تستعرض حرص ظريف على ان يعكس صراعا تعانيه ايران منذ نجاح ثورة 1979 بالاطاحة بالشاه، متمثلا بأزمة العلاقات الدولية المتوترة مع الولايات المتحدة.. سياسيا وعسكريا ودوليا.
وهذا كلام يجافي “المرونة الدبلوماسية” التي اشار لها الكتاب؛ إذ لا تجتمع مرونة مع توتر، في اية حال من الاحوال.
كما تطرق الى “توتر سياسي وعسكري ودولي” في تمرد ايران على المنظومة الدولية؛ ما لا يبقي تمردا ثلاثيا: عسكري وسياسي ودولي، إنما ثنائي: سياسي وعسكري، على ارضية قاعدتها “المنظومة الدولية” كي نكون دقيقين في استخدام المصطلحات لايصال فكرة واضحة لا لبس أو ترهلات فيها، تأخذنا الى محمولات أبعد من الموضوع.
لأن ثنائية “مرونة / توتر” وثلاثية “سياسي / عسكري / دولي” إزاء “منظومة دولية” يحدث إختلالا بنائيا في الفكرة.
أصاب ظريف في تشخيص الصراع على السلطة، طيلة اربعة عقود، وأجاد بعرض هذا الصراع، فالحلبة نصبت وهرب منها ابو الحسن بني صدر.. اول رئيس لإيران وآخر مدني.. غير ديني يتسلم السلطة، ولم يطيق المكوث في الهاون الاسلامي يسحقه، فغادر رئاسة الجمهورية الاسلامية الايرانية، لاجئا الى جهة تؤمنه! وإختفى…
يتأكد عدم مرونة الدبلوماسية الايرانية، من كشف الكتاب لـ “عدم التعقل في التعاطي مع الآخر”.
قارئ “سعادة السفير” سيفهم طروحاته بيسر ويثني على عقلية ظريف وحسن إختياره سفيرا لإيران في الامم المتحدة وإستيزاره للخارجية.. فالكتاب إنموذج جديد من انماط السيرة، هي السيرة الفكرية، مندغمة بمراحل حياة المؤلف وعمله الدبلوماسي، إذ هاجر عن بلده مغتربا خارجه، بعمر الستة عشر عاما، وعاد بعد الثورة ليتدرج وظيفيا… أنضجته المراحل، وهذا مهم جدا في خلق وعي سياسي ناتج عن خبرة تراكمت مبكرا.. غضا تصلب عوده في الولاء الوطني.
وزير خارجية الجمهورية الاسلامية الإيرانية محمد جواد ظريف، هو الرجل الذي تحتاجه ايران في هذه المرحلة التي تشهد صراعا دوليا بينها وأعدائها، يضعها على حافة حرب عسكرية أخرى، ستنجر إليها إن لم تحسن الدبلوماسية الحيلولة دونها.
تتجلى القيمة التاريخية للكتاب من المفصل الذي يشغله ظريف، فطروحات “سعادة السفير” لا تضع علاجا لأخطاء يعتبرها حقا شاهنشاهيا لبلاد فارس على “الاميين” وبهذا ينقطع الحوار بين إيران والعالم؛ لأنها تلتقي مع الفكر الإسرائيلي بعدم الايمان بوجود للآخر.. لا أحد… إني لأفتح عيني حين أفتحها.. على كثير ولكن لا أرى أحدا، كما قال دعبل الخزاعي.
والكتاب نشر يوم 1 كانون الثاني 2017 ترجمة وتحقيق محمد العطار، عن مركز “أوال” للدراسات والتوثيق، وهو سيرة مهنية لرجل يتأمل ذاته بحيادية تنطلق من دولة تحتاج من يؤشر لها حسنات سياستها ومساوئها، مستفيدا من دراسته وعمله في أمريكا.