تعوّد الكثير من الكتاب من غير العراقيين في ثقافة النقد عن مشاريع الدولة , ان يكتبوا المقالات النقدية البناءة التي تسلط ضوء الإنتقادات بحرية على مقتطفات من انجازات حكوماتها التي تفضي الى المشاكل تحت نظام ثنائي أومتعدد الأحزاب , وإن كانت تلك الإنتقادات بعفوية الفهم من البعض عما تفعله حكوماتهم في برامجها التي قدمتها سواء في اثناء الإنتخابات او بعد الفوز بها ,
وان الحجة في كتابة هذا النوع من النقد هي ان اي انجاز للحكومة في اي مرحلة تأريخية من عمرها , يعد بمثابةالمقياس في تقييم رصانة سيادة الدولة وحرية عمل الحكومةودرجة النزاهة التي رافقت عملية البناء بعدالة مع تطلعات المجتمع والدولة , وهذا بالتالي يدل على سطوع الوطنية والقدرة على التبصّر في ادارتها للمجتمع والدولة رغم تعدد تلك الأحزاب .
اما بالسياسة التي تكرّس مفهوم القرآن ” ليبلوكم فيما آتاكم “ وتبتعد عن تطلعات المجتمع وعن ايقاع المفاهيم الأخرى بالقرآن قولآ وفعلآ وخاصة في ادارة الدولة والمجتمع, فذلك امر بغيض ويحطّ من قدر الطبقات الفقيرة ويكون على طريقة تقترن بالحكم الإقطاعي , على سبيل المثال ,الذي يقدم الخدمة للطبقات الحاكمة والمتسلطة على المجتمع فحسب , بدلآ من تقديمها الى طبقات الشعب بشكل عادل وعام , وذلك , لاشك , يعرقل تطور نموها الإجتماعيوالإقتصادي , ويؤدي الى سقوط الحكم الإقطاعي غير مأسوفٍ عليه ,
إذ في حالات الإنفلات الأمني والفوضى وعدم انصياع هذا النمط من الحكم , يتجسد دور الطبقات السفلى من المجتمعفي قيادة باقي المجتمعات , ولكن بالأساليب الإرهابية ذات المدى الزمني القصير عادةً ثأرآ وانتقامآ من نظامه السابق وسياسته المصابة بأمراض القمع والتهميش والتهجير والتغييب القسري , وفقدان العدالة الإجتماعية , وعدالة المشاريع التنموية المقامة في مدن وحرمان اخرى في اطارالوطن الواحد , ويتم ذلك الثأر والإنتقام إعتمادآ على الأفراد المصابين انفسهم من جراء تلك الأمراض وخاصة في الطبقات التي لاينتمي اليها ذلك النمط من الحكم .
عند تحليل حركة السلطة الحاكمة في اي دولة كانت مع حركة المجتمع المبني تحت ظل سياسة تخدم الطبقات الحاكمة او المتسلطة على المجتمع , نجد ان جوهر نتائجهذه السياسة يكرّس بشكل عام على المحافظة على مصالحها الشخصية بالدرجة الأولى , وخاصة عندما تتم عمليات القضاء على الإرهاب وتعود السلطة الحاكمة نفسهاالى حكم البلاد ثانية بالتحالفات السياسية الجديدة التي تجسد ذلك المفهوم القرآني ثانية وبشكل اكثر حزمآ وتعسف , من دون احياء للحركة العلمية والثقافية والصناعية الموجودة فعلآ والمرتبطة بحياة الشعب ومصالحه المادية والإنسانية , بل تبتعد عنها احيانآ بدوافع سياسة خارجية وداخلية متشابكة تحث على الاستمرار بموجودية عوامله المؤدية الى التدمير الذي تقودة بالخفاء القوى والمرجعيات السياسية الأجنبية الإستعمارية ,
فيتحول اصحاب خدمة الطبقات الحاكمة أو المتسلطة مع مرور ايامها الى اصحاب بنوك ورؤوس اموال واقتصاديون كبار , على حساب البنية الطبقية الاصلية للمجتمع ,التيسبب لها الإرهاب زعزعة في اوضاعها السابقة ليبدأ دور الفاسدين في السيطرة على مفاصل البنى التحتية الرئيسية للدولة والمجتمع عن طريق الدسائس والترهيب والرشوة والتلفيقات الساذجة , فتضطر الحكومة تحت ظل هذه السلوكيات الفردية , مرة الى حل الحكومة بطرق عديدةوتشكيل حكومة اخرى لا تتورع عن القيام بالأساليب نفسها التي قامت بها سابقتها .. وهلم جرا , ومرة بالأسقواء بقواها الأمنية مشاكلة انظمة سيقطت تحت اقدام الشعب , وعفا عن ذكرهم الزمن .
ولكن في ثقافة النقد عن الصواب والخطأ , نجد ان الكتاب العراقيين والمثقفين على حد سواء مع البعض من عامة الناس تحت ظل الإحتلال الأمريكي الذي لايزال يسيطر على البلاد وخاصة في مجال الثروة النفطية واثمان النفط المصدر الذي تحتفظ به الحكومة الأمريكية في بنوكها , يكشفون جهرآ وبحرية عن تلك الأساليب السياسية ولكنبشكل يفتقر الى المعلومة الدقيقة لتكون دليلآ ملموسآ على الدولة بغية تعيين القيمة الحقيقية لأي اجراء حكومي يمس مصالح الشعب ,
والأمثلة على ذلك كثيرة جدآ وخاصة عند العودة الى مشاريع الدولة ومنها , مشروع الأنبوب النفطي الذي تقرر مدّه من البصرة الى العقبة والجدل الذي صاحبه منذ فكرة انشائه الى اليوم , والأسباب التي صنعت حالة النفور والنبذ منهذا المشروع الذي لم يستوعب الإنفعالات والخيبة لدى الشعب من تدهور سعر الصرف ولا من زيادة اسعار البنزين وتصاعد فكرة الجبايات في الدوائر ومشاكل اطماع الدول بالأراضي العراقية وتجاوزاتها العلنية , ولامن صورة الغلاء العام في اسعار المواد الغذائية ,
ليحقق طموح الشعب , إذ بهذا المشروع الذي حجبتالحكومة العراقية عن البعض مما ينطوي عليه من شروط وجدوى إقتصادية , تضعها في موضع النقد اللاذع من قبل قطاعات مختلفة من الشعب , فالسيد مصطفى سندوالسيد عامر عبد الجبار وآخرين من الساسة العراقيين قد وجهوا في وقت سابق انتقاداتهم حول المشروع ومبررات انشائه التي تفضي الى ضمور الفائدة الإقتصادية , ليدل على نوع من التخبّط والفشل في المسار السياسي للحكومة الذي يصنع عدم الإستقرار السياسي , بل ويدفع الهدف منالمشروع الى صنع الخصومات بين المكونات السياسية والى عاقبة تضر بالعملية الديمقراطية برمتها .
فالنقاد يرون ان الحكومة في جانب ضمور الفائدة الإقتصادية , لم تفضل الدفاع عن المشروع , كأن يخرج احد اركانها امام الشعب ليشرح لهم على الخارطة تفاصيلجداول الكميات المراد نصبها بالمشروع ليتوثق بالذاكرة الشعبية من ناحية ومسالكه بين المدن ولم تعتبر , على سبيل المثال , ان من ينتقد المشروع لايستند على حقائق موضوعية عنه ويعلم ان مشاريع الدولة ليست جميعها معلنة التفاصيل , إذ من هذه الحقائق من تقع ضمن اتفاقات سرية ذات اهداف امنية من ناحية اخرى ,
ولكن في كل الأحوال , هذا لايعني من وجهة نظر الشعب العراقي الذي يرى ان التطور يجب ان يرتبط بالإستقلالبعيدآ عن التبعية للغرب والمرجعيات السياسية المرتبطة به ولا ينبغي للحكومة ان تغض الطرف عن درجة الغليان الشعبيوعن قبول قيم النقد والحوار سواء كان ضد الفساد بشكل عام أو ضد المشروع , لكي لا تصنع مسببات اخرى تزيد من تفتت المجتمع جراء حرية التعاقد مع المحظور الذي يتقاطع قانونآ وشرعآ مع الإستقلال والسيادة في خضم التحولات السلبية الكبيرة التي رافقت بنية المجتمع العراقيمنذ مايقارب ربع قرن من السنين الى الحد الذي لايتحمل اكثر من ذلك التحول ,
وخاصة من جراء التظاهرات القادمة والأزمات التي واجهها النقد سواء على الأرض او من خلل وسائل الإعلام , فعلى الحكومة , ايضآ , ان تعي ان لها محكمة اتحادية عليا يمكن ان تبحث معها جوهر البنية القانونية والقيمة السياسية والإقتصادية لأي مشروع اقتصادي كبير تروم التعاقد عليه في مرحلة إدارة البناء والتعمير المكلفه بها , وماهي مخاطره على السيادة الوطنية والإقتصاد الوطني بالأمثلة الملموسة , أو على الأقل تبحث معها عن ثقافة النقد ان كان يصب في مصلحة الدولة والشعب أم ينطوي على شيء آخر لكي تعمل في حدوده الموضوعية .
علمآ ان الأنبوب النفطي الموصوف بالإعلام ينظر اليه بالدراسة المسيسة كمسمار جحا او حصان طروادةللمشتركين به من الخارج العراقي ومن التابعين للسياسة الأمريكية المتمثلة بالشركات الأجنبية المرتبطة به , وخاصة عندما تسقط ملكيته عن العراق كما يشاع . وعلى هذا النحو الذي ذكرناه فإن بذور مشروع انبوب البصرة – العقبة الذي بذرته الحكومات السابقة ينبغي ان تحصد ثمارها الحكومة الحالية لتحقيق موردآ اقتصاديآ على المدى القريب والبعيد , فضلآ عن حتمية ان يعبر عن نضوجها برآسة السيد السوداني بشكل خاص , ونظرتها السديدة الى إصلاحالبلاد من الناحية الإقتصادية , وفق شعار بسيط مفاده ان ثروة الشعب للشعب بشكل مطلق .
اما ان يكون المشروع بالفائدة الإقتصادية والمواصفاتالفنية التي طرحتها وسائل الإعلام , قزمآ عقيمآ يكرّس الوضع المتردي الذي نواجه شياطينه الفاسدة في كل مكان , فذلك يعني علنآ وصراحة ان السياسة الأمريكية من وراء ذلك المشروع كما كانت وراء الشياطين , وقد طرحت المشروعاجباريآ ليتناسب طرديآ مع توجهاتها الإستعمارية الساعية الى تدمير الثروة النفطية العراقية التي تمت على يد جولات التراخيص التي اسست ثقافة تبنّي مشاريع اخرى على شاكلتها وجعل عوائدها بيد اطراف لاتمت بصلة مع طموحات الشعب العراقي . وهذه التوجهات ليست خافية على الحكومة , بل معروفة , لذلك لا يوجد امام الحكومةعملآ لها يستلّ مسببات الغليان الشعبي وهذا النقد حول المشروع ,
إلا ان تبين أولآ الفرق بين توجه القرآن الى الإنسان والحياة على الأرض وتوجه الحكومة الى الوطن والشعب , فتبين إما البلاء المقصود من وراء انشاء المشروع , وإما تكشف عن اهدافه الإقتصادية التي صممت سواء ببصيرة عراقيةوتحليل علمي رصين ومقاييس ذات جدوى اقتصادية تخدمالسيادة الوطنية بالدرجة الأولى والفرد العراقي والمجتمعمنذ بدء النهضة بالجانب الصناعي والنفطي والاقتصادي ليرى الشعب سطوع الوطنية المشار اليها آنفآ فيه ليحتسبها النقاد سمة للسياسي العراقي في عملية ادارة الدولة , أو تم تصميمه من قبل مرجعيات ومناهج سياسية غير عراقية لخدمة مصالحها وخدمة طبقات سياسية حزبية اومحلية او قوى اجنبية اخرى , تعارض تمامآ تطلعات الشعب .