21 نوفمبر، 2024 8:47 م
Search
Close this search box.

سر فشل السياسة الخارجية العراقية

سر فشل السياسة الخارجية العراقية

تغير اخيرا الكادر الحكومي باكمله وجاءت وجوه جديدة او بدلت مواقعها فاستبشرنا بها خيرا وبدأ موسم الزيارات الخارجية الفلكية العدد للعواصم المجاورة والدولية الذي يصاحب كل حكومة جديدة وحضور المؤتمرات بانواعها وصار الكل وخلال 4 اشهر يعدد ماقام به من سفرات ولقاءات وكأن النجاح يقاس بعددها. ولكن على ارض الواقع لم يتحقق اي نجاح ملموس يذكر, وحتى الخرق الدبلوماسي العظيم الذي وعدنا به وتتباهى بانجازه كل الدوائر الخارجية, الا وهو افتتاح السفارة السعودية في بغداد, لم يتحقق بعد.

قد يكون الطموح الشخصي لاي منا زيارة اكثر عدد من الدول ولقاء كل رؤساء ووزراء وسفراء العالم واخذ صور معهم ولكن سياسة البلد الخارجية  لاتبنى هكذا. اذ يكفي بناء علاقات متينة وحقيقية مع عدد محدود من الدول لرعاية مصالح العراق وشعبه وسمعته وعندها ستتقرب الينا باقي دول العالم وهي التي ستاتينا طواعية. وربما ايران هي خير مثال على الجهد الخارجي المركز مقارنة بالتشتت العراقي الضائع.

والسبب العملي الرئيسي لفشل السياسة الخارجية العراقية العتيد حتى مع قدوم حكومة العبادي هو اعتماد نفس خطة اللعب للحكومات السابقة وتعدد مصادر القرار والتصريح والاجندة وبالتالي ضياع كل الجهود وتضاربها, والتي لااتوقع ان تحقق اي انجاز ملموس في المستقبل المنظور الا اذا تم اصلاح الخلل بتوحيد الجهود والوفود ورفع مستوى الخطاب والارتقاء بالاداء العراقي.

لو حللنا طريقة اللعب العراقية الخارجية سنرى هناك خطتان معتمدتان لاغير. الاولى مع الدول الاقليمية منقوصة الديمقراطية والتي لاتبتلع التعددية العراقية, ونرى فيها انفتاح عراقي وسيول من الزيارات واللقاءات عديمة الجدوى وباتجاه واحد. وهي لاتناقش القضايا الحساسة الاساسية وانما للمجاملات فقط (بوس عمك بوس خالك). تبتدا من خلال السفير فوزير الخارجية فرئيس مجلس النواب مع تشكيلة نيابية ثم رئيس الوزراء. ولاتقف عند هذا الحد. اذ يلي ذلك زيارة رئيس الجمهورية ثم نوابه كل على حدة ثم وفود الاقليم واحيانا حتى المحافظين ورؤساء المجالس المحلية وكل يغني على ليلاه وليس على ليلى قيس. وقد تكررت هذه اللعبة الفاشلة بنفس الاسلوب مع السعودية والاردن والكويت ولبنان وقطر والامارات وايران وتركيا ومصر.

ولتفصيل خطة او سيناريو التحرك الاقليمي المكرر هذا تلعب السفارات ولازالت دورها كهيئات مستقلة في ابراجها العاجية وباسلوب المحاصصة الداخلي وبلاتنسيق كاف مع باقي الاطراف. تليها مرحلة الوزراء ورئيسهم وهي مجاملاتية ودبلوماسية شعارها تفعيل الهيئات والاتفاقات الثنائية المشتركة اللاطائل منها ولاتتطرق للحزازيات واسس الخلاف وهدفها تسجيل نقاط سريعة. لكن انعدام الثقة والتحامل المتبادل لاتخفيهما الابتسامات والملاطفات في المؤتمرات الصحفية المشتركة. ويتخلل ذلك زيارة للدكتور سليم الجبوري الاكثر اتزانا بكل الطاقم القيادي المتصدر, لكن الكوكتيل النيابي المرافق له ينكأ كل الجروح بلا تنسيق ولاصلاحيات ولاتخويل قبل ان يتم الدخول بنقاشات ومساومات جانبية وشخصية تسفه كل البلد وكل الجهود بأعين المضيفين. يلي ذلك زيارات نواب الرئيس او رؤساء الاقليم او المحافظين ليقلدوا وينصبوا علنا وسرا على حكومتهم وشخوصها ويتهموها بالطفولية والجهل والتخبط والتخلف بما يصيب المضيفين بالدهشة المتوقعة. فتعود الامور للسفارات والرسائل المتبادلة اي الى نقطة البدء ثانية. وهكذا دواليك!

اما مع الدول الغربية والديمقراطية وامريكا فخطة اللعب مفروضة على العراق بالكامل وهم من يتحكم بمفاتيحها لقلة ثقتهم بقادتنا. فابتداء لايستطيع ساستنا ودبلوماسيينا دعوة انفسهم لها, كما يفعلون اقليميا واسيويا, وانما يدعون بالاسم ولدقائق محددة وحسب الحاجة ليبلغوا ما مطلوب منهم ولايسمحون لهم بتشتيت الحديث ولا التفلسف بالنظريات ولا طرح الرغبات والطلبات الشخصية. وبالمحصلة فانها زيارات فاشلة عراقيا لم ولن تحقق اي اختراق ولو بسيط.

ومن حيث تدني الخطاب فان اولويات السياسة الخارجية العراقية المعلنة رسميا والمكررة علينا يوميا هي الانفتاح على العالم وحل المشاكل الثنائية العالقة وعدم التدخل بشؤون الاخرين ومحاربة الارهاب والوقوف ضد المحاور الاقليمية والحفاظ على سيادة العراق بما يعني عدم السماح بدخول قوات اجنبية على ارضه. هذه الاولويات النظرية لاجديد ولامبدع فيها. فهي نفسها اولويات العهد المالكي بل وربما حتى الصدامي. ومن المعيب تكرارها.

 اولوياتنا الخارجية يجب ان تكون: طلب المساعدات الاقتصادية والعسكرية وحتى المساندة البرية وفتح اسواق جديدة للنفط فانتاجنا منه سيتضاعف خلال سنوات ولانعرف لمن سنصدره والمحافظة على استقرار اسعاره ودعم احياء الاوبك, ودعوة الدول للمساهمة في اعمار العراق والاستثمار بكل مشاريع الخدمة التحتية والفوقية والمصانع والتقنية العالية والصناعات الثقيلة والنفطية والصحية ودعم التبادل التجاري والسياحي الديني وغير الديني وتبادل البعثات الدراسية مع العالم ولكل المراحل الجامعية واستقدام الجامعات والخبرات الاجنبية ومراكز الابحاث والتبادل الثقافي والفني بكل انواعه وتسهيل السفر والانتقال على المواطنين العراقيين ورفع المعوقات ومتابعة قضايا ومشاكل المغتربين وتبسيط استصدار الوثائق, وملاحقة اموال الفساد المهربة من العراق, وكذلك دعم قضايا حقوق الانسان والديمقراطية ونزع التسلح وحفظ البيئة ومكافحة كل مصادر التطرف والارهاب والمساهمة الفاعلة عالميا في اقتراح وتنضيج الاتفاقات والمعاهدات الدولية والاقليمية بكل هذه المجالات.

واتحدى اي سياسي عراقي حكومي ناقش السعوديين مثلا حول انتاجهم النفطي وتاثير ذلك على قوت المواطن العراقي او طرح موضوع حقوق الانسان السعودي ودور حكومتهم في محاربة مشايخ التطرف السلفيين وسيل الفتاوى الارهابية. كما لم نر حتى الان اي مشروع قرار او اتفاقية في الامم المتحدة يطرحها او يتبناها العراق وبعثته اليها ليثبت حضوره وتفوقه الدولي كما تفعل دول صغيرة مثل ميانمار ولبنان والاردن, ولانجد للعراق حضورا في رئاسات الهيئات الدولية الكبرى.

اذن مع تعدد الخطابات وتدني مستواها وتشعب الطلبات وكبر حجم الوفود وتعددها وعدم التنسيق بينها وطرح القضايا الشخصية والحزبية ولانعدام الود القلبي والثقة الملموسة والصداقة الحقيقية وللخلفية الطائفية للكثير منهم فان محصلة الرسالة التي تستخلصها دول العالم ان لاشيء تغير في العراق والافضل تجميد العلاقات بنفس المستوى حتى تاتي وجوه جديدة اكثر نضجا وتفتحا, لتظل السياسة العراقية الخارجية تراوح مكانها.

أحدث المقالات