الحب هو الوحيد حتى في حالة الفشل والخسائر لن تندم عليه وتعيش ذكرياته بسحر نادر ودموع عذبة بريئة تعاتب الأقدار !
مصعوقاً بطوفان مشاعري خطفني التيه ، السرحان ، أُنتزعتُ عن العالم الصاخب حولي ، جبت الطرقات والأماكن ، أطاردها بينما كانت حاضرة في كل جزء من كياني ، أطاحت بي لحظة عشوائية لم أكن أنتظرها ، تجمد نظري فوق وجهها الذي توارت أجزاء منه خلف شعرها المتناثر أغلبه على كتفيها العرضين ، بينما كان احد المصاعد الكهربائية لإحدى الدوائر الحكومية يهبط بنا ، إضطربت ، إشتعل شيئا ما في داخلي ، هتافات ونداءات آتية من عالم الروح سمعتها وشعرت بها تتوهج ، رجفة تلوة أخرى إعترتني مصحوبة بحنين ورغبة في البكاء ، ما الذي وجدته فيها ؟.. سؤال لم أعرف إجابته حتى بعد 37 عاما مضت على ذلك الحدث اللازمني الذي أعيشه حاضرا متجددا .. عذوبة الحنين الى الماضي الجميل هو كل ما يتبقى لتعساء الحاضر !
وحدي أرتطم بمغاليق دهشة وغموض التجربة الأولى التي ستبقى هي الأعنف ، صُقعت بمعجزة من عصر الأساطير ، قبل حوالي سنة من رؤيتها ، كتبت قصة قصيرة بطلتها المتخيلة إمرأة مكتنزة الجسد من دون ترهل بخصر رفيع ، لون بشرتها حنطي ، بشعر طويل ، ترتدي قميص أزرق ، تسكن منطقة الباب الشرقي ببغداد .. وحدثت المعجزة وإلتقيتها عند المصعد الكهربائي وكانت تتطابق حرفيا مع بطلة القصة ، وحالة إستشفاف المستقبل هذه ليست غريبة على من يملك طاقات باراسايكولوجية من أمثالي .. فينوس إلهة الحب تخلت عني لم تمدني بالعون وكأنني لست أحد المجانين الذين يصرخون في غابة أسرارها .. تركتني مفجوعاً بأقداري أرمم حطامي وأحاول إغلاق أوجاع جروح الروح الملتاعة في غياهب الأشواق ، سأكتشف لاحقا ان الوجود كله عدم .. فكيف نطلب العدالة ممن أصله عدم !
منذ اللحظة الأولى لم تحتمل جنوني ..صدتني بعنف ، وكان ذلك التصرف عادلاً منها ، وأنا المعتدي ، في الحب يتنحى العقل والمنطق وندخل في داخل شيفرة كونية تهبط علينا أمواجها ونسير وفق مسار قهري خارج نظامنا البشري … وفي الحب أيضا يتخذ العذاب طعما غير مألوف ، بل سحرياً .. بعض العزاء لي حصل حينما عرفت انها قرأت الرسائل الأربعة الموجهة لها التي نشرتها في إحدى الصحف مع قصة قصيرة عنها … إختنقت من الفرحة وتوقف قلبي .. عيناها قرأت كلماتي المنشورة ..وكنت أدور مذبوحا أتردد على مكان عملها ..أنظر بتوله وعبادة الى كل شيء داسته بأقدامها أو لمسته .. السلالم والمصاعد ومقبض باب مكتبها ، كم رغبت ان أهوي على مقبض ذلك الباب الذي تلامسه يدها لتقبيله ..لجأتُ الى التواري فوق سطح الدائرة التي نعمل فيها سوية ، وفي الشوارع الفارغة كي يمكنني الصراخ والبكاء وألتوحد مع حضورها المتلألأ في سماء الروح … منتشيا بعذاباتي ودموعي ، وبراكين أشواقي .
كدت ان أدمر حياتها يوم ذهبت الى كلية القانون أنتظر رؤيتها من بعيد حيث كانت تدرس في القسم المسائي، تم إعتقالي من قبل عناصر أمنية مدنية وإقتيادي الى داخل الكلية ، تبين ان في تلك الفترة كان قصي صدام حسين طالبا في الكلية وأحد حمايته شك بتحركاتي .. يقال الحب يصنع المعجزات ، لكني إًصبت بالإنهيار بسرعة عندما طالبوني بمبرر يفسر وجودي قرب الكلية ، أخبرتهم بالسبب وذكرت لهم إسمها ، وأطلق سراحي ، وعشت لحظات هي الأصعب في حياتي من حيث الشعور بالحماقة والذنب والعجز وأنا أراقب كل يوم ملامح وجهها ، حيويتها ، ضحكتها المعتادة للتأكد من عدم تعرضها للمضايقات من الأجهزة الأمنية ، ومرت الحادثة بسلام عليها .
المرة الوحيدة التي سلمت عليها وصافحتها حينما إنتهى عملي وغادرت الدائرة وذهبت لوداعها بعد ان كان قد مضى على زواجها عدة أشهر ، لاأعرف كيف نجوت من التعثر والسقوط على الأرض امامها وأنا أمسك يدها ، صافحت يداً آتية من سماوات الملائكة ، وإقتربت من روحي كانت نصفي الثاني ، بل كانت أنا ، وكانت المعنى الغائب عن حياتي ، هل أحببتها .. أم أحببت رغباتي المتجسدة فيها ؟ سر أخفاه الكون عنا وترك العشاق يغرقون في غموض طلاسمه ، كأنه صوت ناي حزين ترنم بفجيعة الفراق خرجت من غرفتها وأنا أنحب باكيا في داخلي ، والروح تنزف حسرة عليها وعلى عمر كتبت له الأقدار درجة الدرك الأتعس من سوء الحظ .. سحقني غيابها عن حياتي ، كم نحن البشر متشابكون مع بعضنا البعض رغماً عن أنانيتنا !
أنشأت حسابي الشخصي على الفيسبوك منذ 15 عاما من أجلها .. على وقع حشرجات كلمات الرجاء وأنين الوجع .. مترنماً بآيات الشوق ومؤدياً طقوس الخرافة الجالبة للأمنيات .. ومتعلقا بخيوط أوهام العثور عليها رفعت نظري متضرعاً راجيا قوى لامرئية تدعي السيطرة على حركة الأقدار .. دعيني أعثر عليها .. دعيها تعثر عليّ .. إجمعيني بها على تخوم نهاية العمر ، أراها وأستعيد ذكرى تلك المطاردات في شوارع بغداد ، وذلك البركان من مشاعر الحب الذي زلزلني .. أريد ان أعتذر لها عن كل شيء .. عن جنوني الذي لم أكن مسؤولا عنه .. وعن حبي غير التقليدي الخرافي لها .. وعن كوني كنت المفاجأة الأشد غرابة في حياتها .. أريد الإعتذار فيما إذا سببت لها خيبة الأمل في الرجال من بعدي في حال شعرت بالفارق بين الروتين والجنون ، و لم يصادفها من هو بمستوى جنون حبي !