19 ديسمبر، 2024 12:39 ص

سرقة المال العام حلال.. عرض الأزياء حرام!

سرقة المال العام حلال.. عرض الأزياء حرام!

أن تكون صاحب فندق في الديوانية أو البصرة أو سواهما، وتؤجّر قاعة فندقك لمنظمة تنظّم عرضاً للازياء، فأنت ومنظمو العرض والعارضون جميعاً خارجون على الدين والمِلّة، وتُصنّفون في زمرة الملحدين والفاجرين الذين يجب أن يقام عليهم الحدّ.
بدلاً من هذا اسعَ، يا صاحب الفندق ويا منظّم عرض الأزياء، لأن تكون محافظاً أو رئيس مجلس محافظة أو عضو مجلس محافظة أو مديراً عاماً لمؤسسة حكومية، واسرق من المال العام ما تشاء.. لا أحد في هذي الحال سيُخرجك من الدين والملّة، ولا أحد سيرميك بتهمة الإلحاد والفجور، بل ستكون محلّ الحفاوة والتكريم حيثما تغدو وتروح . سيخصّصون لك السيارات المدرّعة وسيفرشون لك الارض بالسجاد الأحمر وستُمنح جواز سفر خاصاً يمكنك به الهرب من البلاد وقت الضيق، وسيكون الجميع في خدمتك وخدمة عائلتك وأقاربك حتى الدرجة العاشرة وفي خدمة أفراد حاشيتك الذين لن يجرؤ أيّ ضابط في الشرطة أو الجيش على التحرش بهم خشية العقاب الحازم والصارم.
إذا كنتَ صاحب فندق وأجّرت قاعته لتنظيم عرض للأزياء، الكلّ – المحافظ ونائبه ورجل الدين ومسؤول الحزب الإسلامي الحاكم وسواهم – سيشتمونك باسم الغيرة على الدين والمنافحة عن القيم والأخلاق والآداب العامة، لكنّكَ إذا كنتَ محافظاً أو ما شابه، للديوانية أو بابل أو البصرة أو سواها، واستحوذت على تخصيصات الموازنة العامة لمستشفيات أو مدارس أو مشاريع ماء وكهرباء وصرف صحي وزراعة، فأقصى ما يمكن أن ينالك هو أن تُحال إلى النزاهة فلا تثبت السرقة عليك “لعدم كفاية الأدلّة”، وحتى لو كانت الأدلّة كالشمس لا تُحجب بغربال وجرى الحكم عليك بالحبس، فسرعان ما يجري العفو عنك بوصفك شاباً غريراً قليل الخبرة والحيلة مثلاً! أو أن يُطبَّق في حقك قانون العفو العام، وفي هذه الحال ستجد أبواب المحافظة أو مجلس المحافظة أو المؤسسة الحكومية مفتوحة على مصاريعها أمامك من جديد، وستحظى بالتكريم الذي كنتَ تناله من قبل، وستعود آمراً ناهياً وسيُمكنك أن تمدّ يديك أطول هذه المرة الى خزينة المحافظة أو المؤسسة، بل سيشجعونك على الترشّح الى الانتخابات البرلمانية لتفوز بمقعد في مجلس النواب فتتمتّع بالحصانة، وليضرب موظفو النزاهة والقضاة الذين أثبتوا أنك من أكبر حراميّة المال العام رؤوسهم بالجدران الكونكريت التي تحيط بمكتبك!
نعم هذا أقصى ما سيحصل لك، لأنّ قانون الدولة العراقية والمؤسسة الدينية العراقية لا يعتبر سرقة المال العام جريمة مخلّة بالشرف يُحظر على مرتكبها تولّي حتى أبسط وظيفة في الدولة .. فقط عندما تنظّم عرضاً للأزياء أو تؤجّر قاعة فندقك لعرضٍ كهذا تكون قد ارتكبتَ إحدى الكبائر، فسرقة المال العام، حتى بمئات ملايين الدولارات، هي من الصغائر!
إنها دولة القانون، يا عزيزي منظِّم عرض الأزياء ويا عزيزي صاحب الفندق الذي يُنظِّم عرض الازياء على قاعته… اسرق المال العام على راحتك، لكن إيّاك وعرض الأزياء.
مفهوم؟!
ها قد أُعذرَ مَنْ أنذر ..