21 ديسمبر، 2024 8:13 م

سرقة القرن… مسلسل عراقي لاتنتهي فصوله

سرقة القرن… مسلسل عراقي لاتنتهي فصوله

نضرب كفاً بكف ونحن نرى الواقع السياسي في العراق كيف أصبح في قاعٍ صفصف، كيف نداوي جرحاً يزداد غوراً في بلد كان عظيماً في كل شيء وأصبح متهاوياً ومتهالكاً في أي شيء، حتى في قصص الأفلام الهندية لا تجد قصة مشابهة لما يحدث في العراق.

هل سمعتم بحكاية سرقة القرن التي “داخ” الشعب من تفسير أحداثها وبطولات فُسادّها؟.

هل رأيتم حجم المال المنهوب وعادت بكم الذاكرة إلى حكايات علي بابا والأربعين حرامي؟.

أكثر من ملياري دولار ونصف قد تبخرت من الأمانات الضريبية وإستقرت في جيوب أشباح لا نعرف عنهم سوى أنهم أشباح بشرية.

المؤكد أن المبلغ يفوق المُعلن بأضعاف تكشفها الفضائح يومياً ولكن خوفاً على المواطن العراقي من الصدمة “والجلطة القلبية والدماغية” فقد تم تهوين المبلغ.

لغاية الآن لايوجد جديد في الحكاية التي تناولها الشارع العراقي وكأنها حكاية من الحكايات التي تروى للأطفال قبل نومهم، لكن المضحك في هذه الملحمة هو ظهور بطل سرقة القرن والمتهم الأول على إحدى القنوات الفضائية من داخل قصره الوارف الذي يشابه قصور الملوك والسلاطين وهو جالس يُنظّر ويهدد بكشف أسماء المتورطين أو الذين طالبوه بجزء من الغنيمة.

لا نعتب على هذا المتهم بهذه القضية بل على الإعلام الذي أصبح شريكاً مكشوفاً لنصرة الفساد من حيث يعلم أو لا يعلم، ذلك الإعلام الذي يجعل من السارق والفاسد بطلاً قومياً أمام الجمهور وهو يشاهد عبر شاشة الفضائية كيف يسرد البطل حكايته في السرقة وحتى يبرر الفعل، لِمَ لا ففي بلد مثل العراق كل شيء مستباح حتى الشرف والنزاهة.

في هذه الحكاية التي أبطالها وزراء وبرلمانيين وحاشية سلطة ومستشارين وإعلاميين وألوان مختلفة من العناوين الوظيفية والمسميات الذين إشتركوا في مهمة سرقة القرن التي يبدو أن لها بداية لكن خاتمتها ستكون طويلة الأمد أو مثل أجزاء المسلسلات التي لا تنتهي فصولها.

نعم ظهر بطل السرقة من على شاشة إحدى الفضائيات العراقية وهو يهدد ويتوعد بكشف كل الأسماء التي ساومته أو إبتزته من أجل الحصول على حصتها من الغنيمة.

كان الرجل يتحدث بكل الثقة التي توحي إليه الصورة بعيداً عن أي توتر أو إرباك قد يحيط بمتهم وهو يتحدث عن تجربته في السرقة.

كان نور زهير المتهم بسرقة القرن واثقاً من نفسه وهو يطالب بمحاكمة علنية لكشف كل الأوراق فيما إذا دخل إلى المحكمة في بغداد.

تأجلت محاكمته إلى يوم السابع والعشرين من شهر آب/أغسطس لعدم حضوره الجلسة بعد أن تم إلقاء القبض عليه خلال محاولته الهرب خارج البلاد عن طريق مطار بغداد الدولي عبر طائرة خاصة.

إطلاق سراحه تم بعد إبرام صفقة مع الحكومة لإعادة الأموال المسروقة إلى خزينتها وفق جدول زمني.

شخصياً أتمنى أن تكشف هذه المحاكمة “إن حدثت” خفايا وأسرار هذه السرقة وأسماء المتورطين وإن كنت على يقين بأن ذلك لن يحدث وسيتم إسكات ذلك الصوت إما بالترهيب أو الترغيب، وأخشى أن يتكرر سيناريو رئيس الوقف السني الأسبق سعد كمبش الذي أُغتيل في سجنه وقبل محاكمته بعد أن وصلت الأمور إلى طريق كشف المستور في قضايا فساد إتُهم بها مع شركاء له، أو تتكرر حوادث إغتيال االفاشنيستات أو بلوغرات تم إلقاء القبض عليهنّ وتصفيتهنّ داخل السجون بعد أن هددنّ بخفايا وأسرار قد تُسقط العملية السياسية.

سرقة القرن التي وصلت إلى عشرة مليار دولار أي مايعادل موازنة إحدى دول الجوار لتتجاوز الرقم المُعلن والذي تتخوف بعض الأوساط السياسية في العراق من إعلان أسماء المشتركين في السرقة التي يعني البوح بها إنهيار المعبد على كهنته، لكن الأغرب هو التلويح بوجود دول إقليمية تشترك في تلك السرقة والتي لاتريد كشف أسرارها، ومن هنا تأتي الصعوبة في محاكمة المتهمين بسرقة القرن، وما محاولات تحديد مواعيد للمحاكمة إلا إسلوب في تذويب القضية التي هي أصلاً ذائبة وغائبة في عقول العراقيين الذين تضج عقولهم بقصص وحكايات عن الفساد التي لا تنتهي يضاف لها حجم المعاناة والألم من صعوبة الحياة، فهل تبقى مساحة فارغة في العقل لحكاية مثل سرقة القرن؟.

سرقة القرن بشخوصها وأبطالها ومبالغها فضحت عورة النظام السياسي وتآكله من الداخل، حيث يتشابك الفساد مع السياسة ويا لها من صفقة خاسرة يدفع العراقيين أثمانها.