في كتابه “العلم والسياسة كحرفة”، يقسم عالم الاجتماع الألماني ماكس ويبر السياسة إلى قسمين: واحد يعيش “من أجل” السياسة والثاني العيش “من” السياسة. فهناك من يجعل من السياسة دخلًا دائمًا. من يعيش وهناك من يجعل من السياسة هدف حياته. ان كلمة Kleptocracy هي ترجمة لمصطلح “نظام حكم اللصوص “ويتم تعريفها في الأدبيات السياسية على أنه نظام يسهل استغلال المناصب الإدارية والسياسية من قبل من يتحكمون في مرافق الدولة، مما يسمح بالفساد وسرقة الأموال العامة والخاصة وتعبر هذه الكلمة عن نظام حكم قائم على الفساد أو اللصوصية أو سرقة المال العام. فمنذ سقوط النظام البائد في العراق عام 2003 قررت النخب السياسية التي حكمت العراق من تعزيز تقاسم السلطة التي أدت الى انشاء تركيبة عرقية وطائفية ونظامًا للمقايضة بين الفصائل المتنافسة على المناصب الحكومية العليا ومصادر المحسوبية داخل الوزارات. قبل أيام من تولي حكومة رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني السلطة، الذي يتظاهر بأنه مستقل، ولكن الحقيقة هي ان السوداني تم تنصيبه من قبل الفصائل الشيعية المدعومة من ايران، ظهرت الفضيحة سرقة القرن كما يطلق عليها. حيث كان يتم نقل مئات الآلاف من أوراق الدينار العراقي أسبوعيا عبر شوارع بغداد المزدحمة بواسطة عربات مدرعة بين عامي 2021-2022. وزُعم أن الشاحنات كانت تحمل بالأموال في وضح النهار وان هذه الأموال كانت اموال ضريبية مسروقة من بنك الرافدين الحكومي. وفقًا لوزارة المالية، يُزعم أن هذه الفضيحة هي فضيحة فساد كبيرة هزت أروقة السلطة الحاكمة وان حجم الأموال المسروقة هي 2.5 مليار دولار مأخوذة من مصلحة الضرائب في البلاد بين سبتمبر 2021 وأغسطس 2022. ويقال إن هذا المخطط الاحتيالي الأخير امتد إلى عمق شرايين الفصائل السياسية الشيعية القوية المتنافرة في العراق، والتي اتحد معظمها هذا الصيف لتسمية رئيس الوزراء السوداني. وتهيمن على الحكومة الجديدة كتل مرتبطة بإيران، تُعرف بالاطار التنسيقي، وجماعات الميليشيات التابعة لها، والتي قاتلت الموالين للمنافس مقتدى الصدر، ولقد تنافس الجانبان للسيطرة على تشكيل الحكومة الفاسدة. تقول مصادر التحقيق إن الفضيحة الأخيرة اثارت مخاوف لدى الجانبين الصدري والاطار التنسيقي خوفا من ظهور حجم الاحتيال والتعرف على الأشخاص المتورطين من كلى الجانبين. وان الفضيحة تدور حول اشخاص متنفذين تابعين للاطار التنسيقي والتيار الصدري من الذين يعملون لدى مصلحة الضرائب والبنك المركزي ووزارة المالية. وكشفت التحقيقات أيضا أن خمس شركات تلقت حوالي 250 شيكًا بين سبتمبر 2021 وأغسطس 2022 التي قامت بدورها بسحب أموال من حسابات مختلفة من بنك الرافدين وكانت هذه الأرصدة المصرفية تحت إشراف مصلحة الضرائب التي تم حجزها في حساب الضمان والمخصصة لدفع الالتزامات السنوية. يقول وزير المالية السابق علي علاوي إنه أبلغ مكتب الكاظمي بالخطة في نوفمبر 2021 وأمر بوقف المدفوعات من الحسابات دون موافقته، لكن المدفوعات استمرت لمدة عام حتى بعد الكشف عن الاحتيال. ولم يرد مكتب رئيس الوزراء أي “مراسلات رسمية” من علاوي بخصوص الاحتيال، بحسب مساعد كبير سابق للكاظمي. وفقًا للحكومة، زعمت الكيانات أنها تعمل نيابة عن منظمات أكبر، بما في ذلك عدد من عمالقة شركات النفط الكبار. وفقًا لأربعة أشخاص على دراية بالتحقيق، انه تم إنشاء ثلاث شركات في الشهر السابق لبدء الخطة. وبحسب الوزارة، تم سحب 3.7 تريليون دينار عراقي (2.5 مليار دولار) من حسابات الرافدين – ما يقرب من 2.81 بالمئة من ميزانية البلاد لعام 2021. بعد ذلك، تم استخدام بعض الأموال النقدية لشراء العملة الأمريكية في “مزاد الدولار” اليومي للبنك المركزي العراقي- وهي عملية يقدم فيها البنك المركزي دولارات إلى بنك تجاري مقابل دينار عراقي. ووفقًا لثلاثة أشخاص مطلعين على الصناعة المصرفية في العراق، انه كان يجب على البنك المركزي وبنك الرافدين الكشف عن مخطط الاحتيال بسهولة لأن الزيادة في الدولارات المشتراة في المزاد كانت أكثر من المعتاد والكميات التي تم أخذها كانت ضخمة جدًا. وأضاف المصدر أن الشاحنات المصفحة التي تكفلت بنقل الكميات اليومية من النقد كان من السهولة الكشف عنها، ولكن غض النظر عن عمليات نقل الأموال المسروقة بشكل مستمر يشير إلى تورط الأجهزة الأمنية الحكومية. حتى بالمعايير العراقية، هذا سخيف، لأنه ببساطة لا يوجد أي احتمال بأن مثل هذه السحوبات الكبيرة قد مرت دون أن يلاحظها أحد. وقامت المحكمة العليا بإصدار أوامر بمنع من السفر خارج البلاد بحق عدد من المشتبه بهم ولقد تم القبض على احدهم وهو يحاول الفرار بطائرته الخاصة ويعرف باسم نور زهير جاسم، الذي يقال عنه انه كان يتميز بعلاقات خاصة بمساعدي الكاظمي والصدر وقادة الإطار التنسيق، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وهادي العامري، وهذا بالإضافة إلى ذلك، يقوم المحققون بفحص أدوار كبار المسؤولين في البنك المركزي ووزارة المالية. ووفقًا للمحللين، انه يتم استخدام التحقيق بالفعل لتسوية النزاعات السياسية القائمة بين الأحزاب والفصائل المسلحة لغرض السيطرة الكاملة على العراق. وهذا دليل على ان الفاسدون والأقوياء ينجحون باستخدام سلطتهم لاستهداف من هم أضعف منهم وغالبًا ما تكون آليات مكافحة الفساد هي الأداة السياسية المستخدمة في استهداف وتسقيط الخصوم السياسية. ان النظام القائم في العراق هو نظام مليء بالفساد والمصالح الخاصة، وأن الذي سوف يحدث بخصوص هذه الفضيحة هو ان التحقيقات سوف تؤدي الى سقوط بعض رؤساء على البنوك ومن ثم سوف ستختفي القضية بهدوء وكأن شيء لم يكن ويبدو أن هذه هي الاستراتيجية المتبعة للنخبة السياسية العراقية والتي كانت ومازالت غارقة ببحر الفساد والنهب والسلب. في نهاية المطاف، لن جميع الكتل السياسية الحاكمة هو الحاضن الأول والرئيسي للفساد المستشري في مفاصل الدولة العراقية للعديد وان جميع الخصوم السياسية كانت ومازالت على استعداد لمواصلة التواطؤ من أجل المنفعة المالية والسلطة وان الفساد في العراق سببه هو النظام السياسي السائد.