18 ديسمبر، 2024 11:45 م

مرة أخرى أعود إلى المعارك الطاحونية التي أشرت إليها بمقالي السابق المعنون: “جريمة العلماني في العراق” وأتساءل؛ ما الذي يسعى إليه من يشيع بين الناس بأن موجة الملحدين تتنامى في العراق، وأن هناك من يدعمها بغرض القضاء على الإسلام؟ هل يريد تهيئة الجو لموجة تصفيات ضد من “يتَّهمهم” أنهم رموز لهذه الموجة ومحركون لها؟ ثم هل مر على هذا البلد، أو على غيره من البلدان، زمن لم يتواجد فيه الدينيون والملحدون مع بعضهم البعض؟ وهل أدى تواجدهم سويَّاً إلى القضاء على الدين أو تهديد حريَّة معتنقيه؟

لو كانت هناك فرصة للقضاء على دين ما، لتمكن الملحدون من القضاء على المسيحية في البلدان الغربية، خاصَّة والظروف مواتية هناك، لكن الحقيقة التي يؤكدها علماء الاجتماع والانثروبولوجيا، ويشهد بصدقها التاريخ تقول: بأن ليست هناك قوَّة على الأرض، ومهما كانت جبّارة، تستطيع أن تمحو أي دين ومهما كان صغيراً، فضلا عن ذلك الذي يعتنقه ملايين البشر.

لا أحد يمكن أن يؤذي الأديان أكثر ممن يتاجر بها أو يسرق ويقتل تحت غطائها، وكان الأولى بمن يثير هذه البلابل أن يتفرَّغ لتقديم نموذج جيد عن دينه من خلال خدمة الناس وانقاذهم من الأمية والفقر والمرض والجوع والتشرد والشعور بالخذلان.

أين هي موجة الإلحاد التي تخيفون الناس منها ومظاهر الحياة في جميع محافظات البلد دينية أكثر مما يوصي به الدين أو يقتضيه؟ أين هي موجة الإلحاد التي تخيفون الناس منها إذا كان عدد المشاركين بالزيارات المليونيَّة يزداد سنة بعد سنة؟ أين هي موجة الإلحاد والأحزاب “الملحدة” تخاف حتى من رفع شعار العلمانية فضلاً عن الإلحاد؟ لا بل هي تسعى لكسب ودِّكم والتحالف معكم لظنها أن لا فرصة للحفاظ على مصالحها دون هذا التحالف؟

الدين بخير يا سادتي، وليس هناك خطر عليه أكثر منكم. الناس مؤمنون، لكن السؤال: هل هم متعلمون وأصحاء ومترفون؟ الجوامع بخير يا سادتي وأعدادها تتكاثر باضطراد، لكن هل المدارس بخير؟ ألا تتفقون معي بأن لدينا فائضاً بالجوامع عن حاجة الناس ونقصاً بالمدارس عن حاجة الأطفال؟

من الذي سرق أموال البلد تحت غطاء الدين، أنتم أم الملحدون؟ من حوله إلى إقطاعات موزعة على الطوائف والقوميات والأحزاب؟ من سهَّل دخول الإرهاب إليه؟ بل من هرَّب قادة الإرهاب من معتقلاتهم وأعطاهم فرصة إعادة تنظيم صفوفهم للهجوم على أبناء الدين الذي تؤمنون به، أنتم أم الملحدون؟

إذا كنتم معنيين حقاً بالقضاء على الإلحاد في العراق فطبِّقوا تعاليم دينكم بشرف، كفوا عن السرقة، تحملوا مسؤولياتكم بصدق، كافحوا الإرهاب كما يليق بالفرسان، شيدوا المدن التي تحتضن المراقد التي تقدسون، ولا تتركوا هذه المراقد محاطة بالنفايات والأنقاض والخرائب في مشهد يحزن أعداءها قبل اصدقائها.

أخيراً هل تعرفون ما الفرق بينكم وبين الالحاد؟ أنا اخبركم الفرق، الإلحاد مجرد ند للدين، هو منافس ضعيف له، أما أنتم فمرضه الخبيث، أنتم سرطان ينخر في جسد الدين الذي تعتنقون.

نقلا عن العالم الجديد