23 ديسمبر، 2024 6:17 ص

“سرسريّة”.. أيّام زمان

“سرسريّة”.. أيّام زمان

السرسريّة جمع لمفردة سرسري, عافانا وعافا الله القارئ الكريم ..و”السرسري” مفردة تركيّة الأصل تُطلق على صاحب السلوك الرديء, وتطلق على وجه الخصوص على اللصّ ,كما جاء في المعجم ..وهذه المفردة أصبحت شعبيّة وكأنّها باتت من العامّيّة ,خاصّة في العاميّتين العراقيّة والسوريّة ككثير من المفردات أودعها عندنا العثمانيّون ..ففي العراق “مثلًا” لازال العراقيّون يستخدمون هذه المفردة “ساعة الغضب” مثلما تستخدم أحيانًا “للتدليع” !.. ما يدلّ على عمق إرث من المتضادّات الّتي ضربت أحاسيس العراقي منذ القدم, وهنّ “المتضادّات” بالتالي من شكّلن المزاج العراقي الغريب في طريقة التخاطب في بعض الأحيان..

بعد السقوط مباشرة نخى أحد الأصدقاء صديقًا له ليذهب معه للبحث “عن رفاة أخاه المعدوم” بمقبرة “محمد سكران” بمنطقة الراشدية من ريف بغداد.. قضوا النهار كله يبحثون  بين أسماء الموتى المغدورين أو المنقوشة على شواهد القبور ,وفي النهاية عند الغروب لم يعثروا على الأخ المغدور بعدما أنهكهم التعب وتأخر عليهم الوقت ,فقرّرا العودة لبيوتهم بعد أن دخلت الشمس نطاق المغيب.. استقلّا سيّارة “كيّا”، سارت بهم مسافة دقائق ,وفي الطريق التقطت السائق في طريقه بعض الركّاب “السرسريّة” ,بان ذلك من طريقة صعودهم السيّارة ومن طريقة جلوسهم وتحديقهم في وجوه الركّاب.. ما أن سارت بهم السيّارة بدقيقة واحدة إلى اثنتين ,والطريق لا زال مهجورًا  ,أخرج كلّ واحد من هؤلاء “الركّاب الجدد” مسدّسًا كان يخبّئه “والأسلحة آنذاك كانت منتشرة في الشوارع” وأشهروها بوجه الركّاب، وأمروهم قائلين: “ذُبّوا فلوسكم” !.. يقول الصديق: “إحنه صرنه خوش ولد” ,مثلما نقول بالعراقي ,و”حبّابين”, فأخرجنا ,وجميع الركّاب ,ما نحمل من نقود، بما فينا سائق السيّارة بكلّ ما ادّخر من ذلك اليوم.. وبينما انشغل “اللّصوص” بجمع المبالغ الّتي حصلوها منّا ,وإذا بأحد الركّاب الجالسين في المقعد الخلفي من السيّارة “كشنات حوض الوره” مثلما نقول بالعراقي ,أخذ يبكي بكاءً مرًّا ,خاصّةً ومظهره يدلّ على سوء حاله .. فاستفسر “السرسريّة” بدهشة, وباللهجة العراقيّة بالطبع : لك انت ليش تبجي ؟

أجابهم : آني تعنيت لأخوي بالراشدية علمود أتدّاين منه فلوس إيجار بيتي ، وأنتوا أخذتوها منّي ..

صفنوا بوجهه “أي تأمّلوه”، و”كسر خاطرهم” أي انعطفت قلوبهم ترثي حاله ، فسألوه : “شگد إيجار بيتك ؟

فقال: 150 ألف..

حسبوا 150 الف وأعطوها له.. فبادروا هم يسألونه: وين بيتكم ؟

أجابهم : بأبو دشير

عندك كروة ” يعني لديك أجرة

أجابهم : لا ؛ما عندي

حسبوا له مقدار فلوس الأجرة الى تلك المنطقة النائية وأعطوها إليه!..

هذا ما ود على لسان من كان من بين الركّاب وهو إنسان بسيط المعرفة حديثه كان باللهجة العراقيّة..

هنا من حقّنا أن نسأل نحن الشعب المسحوق عن بكرة أبيه بسبب فساد “ساسة” المنطقة الخضراء “اللصوص” ,الملياردريّة أو المليونيريّة منهم: ماذا ستطلقون أنتم على أولئك “السرسريّة” ..؟

“سرسريّة”.. أيّام زمان
السرسريّة جمع لمفردة سرسري, عافانا وعافا الله القارئ الكريم ..و”السرسري” مفردة تركيّة الأصل تُطلق على صاحب السلوك الرديء, وتطلق على وجه الخصوص على اللصّ ,كما جاء في المعجم ..وهذه المفردة أصبحت شعبيّة وكأنّها باتت من العامّيّة ,خاصّة في العاميّتين العراقيّة والسوريّة ككثير من المفردات أودعها عندنا العثمانيّون ..ففي العراق “مثلًا” لازال العراقيّون يستخدمون هذه المفردة “ساعة الغضب” مثلما تستخدم أحيانًا “للتدليع” !.. ما يدلّ على عمق إرث من المتضادّات الّتي ضربت أحاسيس العراقي منذ القدم, وهنّ “المتضادّات” بالتالي من شكّلن المزاج العراقي الغريب في طريقة التخاطب في بعض الأحيان..

بعد السقوط مباشرة نخى أحد الأصدقاء صديقًا له ليذهب معه للبحث “عن رفاة أخاه المعدوم” بمقبرة “محمد سكران” بمنطقة الراشدية من ريف بغداد.. قضوا النهار كله يبحثون  بين أسماء الموتى المغدورين أو المنقوشة على شواهد القبور ,وفي النهاية عند الغروب لم يعثروا على الأخ المغدور بعدما أنهكهم التعب وتأخر عليهم الوقت ,فقرّرا العودة لبيوتهم بعد أن دخلت الشمس نطاق المغيب.. استقلّا سيّارة “كيّا”، سارت بهم مسافة دقائق ,وفي الطريق التقطت السائق في طريقه بعض الركّاب “السرسريّة” ,بان ذلك من طريقة صعودهم السيّارة ومن طريقة جلوسهم وتحديقهم في وجوه الركّاب.. ما أن سارت بهم السيّارة بدقيقة واحدة إلى اثنتين ,والطريق لا زال مهجورًا  ,أخرج كلّ واحد من هؤلاء “الركّاب الجدد” مسدّسًا كان يخبّئه “والأسلحة آنذاك كانت منتشرة في الشوارع” وأشهروها بوجه الركّاب، وأمروهم قائلين: “ذُبّوا فلوسكم” !.. يقول الصديق: “إحنه صرنه خوش ولد” ,مثلما نقول بالعراقي ,و”حبّابين”, فأخرجنا ,وجميع الركّاب ,ما نحمل من نقود، بما فينا سائق السيّارة بكلّ ما ادّخر من ذلك اليوم.. وبينما انشغل “اللّصوص” بجمع المبالغ الّتي حصلوها منّا ,وإذا بأحد الركّاب الجالسين في المقعد الخلفي من السيّارة “كشنات حوض الوره” مثلما نقول بالعراقي ,أخذ يبكي بكاءً مرًّا ,خاصّةً ومظهره يدلّ على سوء حاله .. فاستفسر “السرسريّة” بدهشة, وباللهجة العراقيّة بالطبع : لك انت ليش تبجي ؟

أجابهم : آني تعنيت لأخوي بالراشدية علمود أتدّاين منه فلوس إيجار بيتي ، وأنتوا أخذتوها منّي ..

صفنوا بوجهه “أي تأمّلوه”، و”كسر خاطرهم” أي انعطفت قلوبهم ترثي حاله ، فسألوه : “شگد إيجار بيتك ؟

فقال: 150 ألف..

حسبوا 150 الف وأعطوها له.. فبادروا هم يسألونه: وين بيتكم ؟

أجابهم : بأبو دشير

عندك كروة ” يعني لديك أجرة

أجابهم : لا ؛ما عندي

حسبوا له مقدار فلوس الأجرة الى تلك المنطقة النائية وأعطوها إليه!..

هذا ما ود على لسان من كان من بين الركّاب وهو إنسان بسيط المعرفة حديثه كان باللهجة العراقيّة..

هنا من حقّنا أن نسأل نحن الشعب المسحوق عن بكرة أبيه بسبب فساد “ساسة” المنطقة الخضراء “اللصوص” ,الملياردريّة أو المليونيريّة منهم: ماذا ستطلقون أنتم على أولئك “السرسريّة” ..؟