23 ديسمبر، 2024 10:17 ص

قرأت يوم أمس مقولة جميلة أعجبتني في الفيس بوك نشرتها الزميلة وسن الساعدي.. تقول: السرج المصنوع من الذهب لا يجعل الحمار حصاناً!!
ذكرتني هذه المقولة بما سبق أن تناولته في عمودي هذا مراراً عن واقع الصحافة اليوم بعد تفشّي ثقافة (الكوبي بيست) في أوساطها.. الصحافة اليوم لم تعد مهنة المتاعب كما كانت تسمى سابقا, في ظل هذا الكم الهائل من المجانية واليسر في الحصول على المعلومة والخبر من مصادره الكثيرة المتوزّعة عبر الفضاء المفتوح لشبكة المعلومات العالمية (الانترنت) التي تمد الإعلاميين ولاسيما الجدد منهم بما يحتاجونه من أخبار وتقارير وتحقيقات صحفية وغيرها من المعلومات الأخرى! عملية إصدار (صحيفة) لم تعد بالأمر الصعب إن توفر المموّل طبعاً فبإمكان شخص أو شخصين إصدارها بالاعتماد على تقنية (الكوبي – بيست) ! وهنا ستكون الضحية بالـتأكيد معايير المهنية الواجب توفر الحدود الدنيا منها في أي صحيفة كي لا تجنح إلى منزلقات غير محمودة العواقب تسيء الى مفهوم الصحافة!..
أعرف شخصياً بعض الجهات او الأشخاص تكلف مصممين يعملون في المطابع بعملية اصدار صحيفة تحريراً وتصميماً من خلال نبش الوكالات والمواقع الالكترونية واستخراج ما تيسر منها تبعا لمستوى وعي المصمم -المتقمص دور المحرر الناسخ-! هكذا بكل بساطة يتكفل (اخونا بالله) المصمم العامل في المطبعة بإصدار (صحيفة) من الألف الى الياء.. مع التحفظ الشديد على عبارتي التحرير والتصميم فالأفندي لا يقوم هنا سوى بعملية استنساخ ما عنَّ له من الأخبار والمعلومات من الانترنت وغالبا ما يكون ذلك الاستنساخ هجينا مشوها كما انه لا يمارس من مهارة التصميم سوى اجادته لنظام الكوريل او الانديزاين!.
معايير المهنية التي يفترض موجوديتها كإطار رصين لمن يعمل في الحقل الإعلامي لم تعد ذات شأن في هذا المجال! بعض العاملين المستوعبين لمهارات الصحافة دخلوا على الخط لحاجتهم الماسة الى العمل وانخرطوا في مجالات هم غير مقتنعين بخطها، غير إن ضيق ذات اليد، كان لها فعلها المؤثر في هذا العمل او الاضطرار!.. فإذا استثنينا الصحف الرصينة المعروفة بخطها الثابت والتي تعمل بشكل مؤسسي وحرفي نجد الكثير من الصحف اليوم تفتقر إلى المصداقية، والدقة، وتميل الى التهويل والمبالغة، وتعتمد على الإشاعات أو الأخبار المفبركة وهي تعنى بنشر أخبار الفضائح والجريمة والجنس والإثارة وتحريف الكلام عن مواضعه بغية الإثارة وإن كانت على حساب الآخرين وهدم مروءتهم او تشويه صورتهم وهكذا نمت عندنا الصحافة الشعبوية التي تعرف في العالم باسم الصحافة الصفراء التي اسسها الاعلامي الامريكي وليم راندولف هيرست (1863- 1951). حين انتهج أسلوباً فضائحياً في نشر أخباره وتقاريره التي كان ينشرها في صحيفته التي كانت تطبع على أوراق صفراء زهيدة الثمن وأضحت لها السوق الرائجة لتكون بداية موجة الصحافة الصفراء التي تسمى في أوروبا بصحف التابوليوت
. ………………………………
في العراق.. قليلة هي الصحف البيضاء رغم انها تطبع في أجود أنواع الورق الأبيض!.