19 ديسمبر، 2024 12:04 ص

سدخان وشيش خان ومنصور خان….!

سدخان وشيش خان ومنصور خان….!

في عام 1977 باشرت الحكومة العراقية بأجراء تعداد سكاني ، وجندت لهذا جميع موظفي الدولة وحين شعرت أنهم لن يكفوا استعانت بطلبة الاعدادية ليشغلوا وظيفة عداد ولمدة يومين بعد ان ادخلتهم دورات لتعليم ملئ استمارة التعداد ، وكنت من بين الذين تطوعوا لهذا العمل الممتع وكانت رقعتي الجغرافية قضاء الجبايش والقرى المائية المحيطة بها ومعظم ساكنيها من المعدان حيث الهمني التجوال بين هذه القرى التي اشاهدها لأول مرة في حياتي متنقلاً بالزورق ، الهمني الاحساس الجميل بسحر المكان ورغبتي للغور في عالمه واساطيره وبيئته المائية الساحرة.

كنا ضيوفا عند رجل من اهالي المعدان يدعى ( سد خان ) وكان كريما وطيب القلب ونقي السريرة وكل حياته هو قطيع جواميسه والسفر بين الممرات المائية بين غابات القصب يرعى القطيع صباحا ويجيء به في المساء الى حضيرته وفي الليل تداهمه اغفاءة التعب بعد أن تقوم زوجته بحلبِ الجواميس فيما هو ينتظر صباحا جديدا مثل الذي سبقه.

عائلته متكونة من ثلاثة أبناء وبنت ، ولديه اخوين يجاورانه في العيش مع ستة عوائل من اقربائهم ليكونوا قرية مائية تنأى بعيدا عن الحضارة وليس لهم وسائط نقل معه المدينة سوى السفر بالقارب حين يجبرهم مرض ما على أن يعجزوا على الذهاب مع دوابهم .

لم يثيرني أسم الرجل ولم يلتفت انتباهي حين ملأت له وعائلته استمارة التعداد ، لكني انتبهت الى موسيقى ايقاع أسمه واسماء اخويه ( شيش خان ومنصور خان ) حين اكملت ملئ استمارات سكان قرية القصب الصغيرة المسماة ( أم شعثة ) وهذا الاسم يطلق على البنت التي يصعب تمشيط شعرها ومرات يطلق على هذا الشعر ( الكفشة) ، لكن الاشعث هنا يطلق على الشعر الغير مرتب والذي لا يعتني صاحبه بغسله وتنظيفه.

وعندما سألتهم في جلسة السفر التي استضافنا فيها سدخان واخوته :أن اسماءهم ليست عربية . والاغرب ان بعض اطفالهم يحملون ملامح سمراء وزرقة باهتة في عيونهم لأسألهم ان كانوا هم من أصل هندي او ترك.؟

ضحك سدخان :وقال نعم اننا نمتلك أصولا غير عربية من جهة الأب وإلا لماذا اطلق آباؤنا علينا هذه الاسماء.

فجدي الله يرحمه هو من اطلق علينا هذه الاسماء ، وكما مكتوب عندك إن اسمه ميجر .

قلت : ميجر هي رتبة في الجيش الانكليزي.

قال : لا اعرف ولكني سمعت منه حكاية تقول ان قائدا من الترك مر من هنا بمراكبه وكانت أم جدي ( نوعه ) التي يضرب المثل بجمالها بين قرى المعدان ، كانت وقتها تسرح بقطيع الجواميس حين رأها قائد الترك واتذكر انه قال اسمه صفوت خان باشا قد رأى جدتي نوعه وفتن بسحرها ، فأوقف مراكبه ودعاها لتذهب معه الى بلاد الترك فرفضت وجدي رفض ايضا فاضطر ان يتزوجها ويقيم في قريتنا اسبوعين ثم غادر على امل أن يعود بين الحين والاخر ، لكنه لم يعود ولم يسمعوا اخباره وسمعوا بعد ذلك انه قتل في معركة مع آل بو صالح.

حبلت جدتي وانجبت ذكرا اسمه ( ميجر ) الذي هو جدي ، الذي اجبر أبي على ان نحمل هذه الاسماء  ، وها انت تكتبها في هذه الاوراق ولا نعرف لماذا تكتبها ……..!