18 نوفمبر، 2024 4:21 ص
Search
Close this search box.

سخافة التهمة وسذاجة الاتهام الصفوي للشيعة العراقيين

سخافة التهمة وسذاجة الاتهام الصفوي للشيعة العراقيين

لعلَّ لخوف الصفويين من تأثر شعوبهم بسلطان الإمبراطورية العثمانية السائدة آنذاك ،كان له الأثر في تحوّل الحكـّام الصفويين الإيرانيين من المذهب الحنفي إلى المذهب الجعفري،سيّما وأنَّ الإمام أبو حنيفة النعمان (رض)أجاز تولي إمرة المسلمين لغير الهاشمي العربي، وهذا ما جعل العثمانيين يؤكدون على الإعتقاد بهذا المذهب لأغراضهم السياسية التي سادت الأمّة الإسلامية خلال فترة حكمهم الطويلة.
ولعلـّه أيضاً ؛ إنَّ الإيرانيين كافة.. سنـّة وشيعة يعظـِّمون آل بيت رسول الله المصطفى محمد(ص) حتى قبل التحوّل المذهبي الصفوي لإيران أهلتهم لتقبـّل هكذا تحوّل مذهبي ينسب إلى آل البيت (ع)، وهي نزعة موجودة آنذاك عند العثمانيين أيضاً، ومشاهدهم توثـّق هذا الإعتقاد، من خلال النقوش على سقوف مسجد صوفيا بإسطنبول،الذي ضمَّ مع أسماء الخلفاء الراشدين (رض) أسماء آل البيت .. الحسن والحسين(ع).
والحالة هذه؛ يذكر المؤرخون أنَّ إيران كانت تعتقد بمذهب السنـّة ، ولم يكن فيها سوى أربع مدن شيعية هي: آوه، قاشان، سبزوان، قم. وعقب تتويج إسماعيل الصفوي ملكاً على إيران أعلن المذهب الشيعي مذهباً رسميا للدولة ، ولأنَّ الناس على دين ملوكهم ، فقد غيـّر الإيرانيون مذهبهم ، وتوجهت أنظار إسماعيل إلى منطقة جبل عامل في لبنان التي كانت آنذاك أحد معاقل الشيعة، وفيها الكثير من علمائهم. يقول الباحثون : “رأى مؤسس الدولة الصفوية – الشاه إسماعيل– أنـّه من العسير عليه أن يوفر للناس حقيقة المعتقد وترسيخ مبادئه في نفوسهم، ووجد أيضاً أنَّ الكتب غير متوفرة، فعمد إلى ملء الفراغ من خلال استحضار علماء الشيعة من جبل عامل. وقد غادر هؤلاء العلماء إلى إيران بدعوة وبغير دعوة. ومال علماء الشيعة من جبل عامل للتوجه إلى إيران سعياً لنشر مذهب آل البيت (ع) كواجب شرعي آنَ قيام الأرضيّة المناسبة لانتشاره ، بغض النظر عن السياسات الأساسية للحكومة هناك، فهي لم تكن دولة دينية تحكم بصفة الخلافة الإسلامية على غرار الخلافة العثمانية، بحيث يستوجب الموقف الفقهي والشرعي لهؤلاء العلماء بأنْ يحددوا الولاية على الحكومة الإسلامية للأمّة من عدمها،للمسلم الحاكم العربي القرشي الهاشمي من غيره، وهكذا استمرت هجرة العلماء العامليين منذ ذلك الحين، وحتى سقوط الحكم الصفوي. 
لم يستطع علماء الشيعة في جبل عامل التمنـّع عن الذهاب إلى إيران، فنصرة المذهب ودعمه وترسيخ دعائمه في إيران احتل لديهم مكانة كبيرة، ولعلَّ هنالك أسباباً أخرى دفعتهم للهجرة إلى إيران، إذ “كان المهاجرون عموماً يجدون في إيران ظروفاً مواتية، والذين تجاوبوا مع الحكومة الصفوية وتضامنوا معها، كانوا يحصلون على عطايا وهدايا، على شكل أملاك وأموال نقدية وعينية”. ومن الأسباب التي شجعت علماء جبل عامل بلبنان للتوجه إلى إيران المكانة الكبيرة التي حصلوا عليها: وقد وصل احترام الملوك من الصفويين للعلماء والفقهاء العامليين – خصوصاً – إلى حد أنهم فوضوا إليهم كافة المهام القضائية في البلاد، ومنحوهم السلطات والصلاحيات اللازمة، بتفويضهم لاستنباط الأحكام الشرعية التي تسود التابعين لهذا المذهب الجديد الحاكم لإيران . ويقدر مؤلف كتاب “هجرة علماء الشيعة” عدد علماء جبل عامل الذين هاجروا إلى إيران في العهد الصفوي بـ (97) عالماً، لم يعد منهم إلى جبل عامل سوى سبعة فقط.
ومهما يكن من أمر؛ والحالة هذه؛ فإيران الحكم الصفوي تحوّلت من الإعتقاد بالمذهب السنـّي الحنفي إلى المذهب الشيعي الإمامي،وقد ساعد علماء الشيعة من جنوب لبنان الحكومة الصفوية على تثقيف الإيرانيين بالمذهب الجديد، وهو مذهب آل بيت رسول الله محمد (ص)، وهي ليست مشكلة خطيرة في العقيدة الإسلامية،فمذهب آل البيت مأخوذ بتسميته ((المذهب الجعفري))عن الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع)أوّل فتى في الإسلام .. زوج فاطمة الزهراء(ع) بضعة الرسول الأعظم (ص)،وهو مذهبٌ سابقٌ تاريخياً للمذاهب الإسلامية السنـّية الأربعة .. الحنبلية والشافعية والمالكية والحنفية، وهو مذهب يدعو إلى الإسلام وسنـّة رسول الله ومنهج علي، فهو مذهبٌ إسلاميٌّ سنـّيٌّ قبل المذاهب السنـّية الأخرى ـ باعتبار السنـّة النبوية الشريفة، كل ما قاله وما فعله وما رآه وسكت عليه النبيُّ محمد(ص)، الذي لا يظنه مسلمٌ قط ُّ، أنَّ عليّاً وأولاده .. وهم أولاد بنت جدّهم..وأبيهم الإلهي والعقائدي ، وما لا يظنه مسلمٌ قط ُّ أنْ يخالفوا سنـّته صلوات الله تعالى عليه ، فما هو قبح علماء الشيعة لو تعاونوا مع هذا الحاكم الإيراني السنـّي لو شاء لأسبابه السياسية أو غير السياسية من أن يتحول عن الآراء الفقهية للأئمة الأربعة (رض) الذين تلو علياً (ع) وهو الصحابي والخليفة الراشد وصهر الرسول وابن عمه وكاتب وحي الله والذائد عنه و الفاديه يوم الهجرة الشريفة .
ومع هذا؛ فليس العراقيون من دعاهم الشاه إسماعيل الصفوي لعملية التغيير المذهبي تلك،وليس العراقيون مَنْ حوّلهم حاكمهم الصفوي إلى شيعة ،بل؛ إنَّ سنـّة إيران الذين تحوّلوا من المذهب الحنفي السني إلى المذهب الجعفري الشيعي ، فهم المسلمون الشيعة الصفويون إذن؛ وهو شأنُ شعبٍ يختار ما يختار حاكمه برضاء أو بمحاباة ،كما ألمحنا آنفاً ـ مع ما أسلفنا ذكره من عدم العمل القبيح في المسعى لعلماء شيعة لبنان بعملية التغيير تلك !ـ
وبما أنَّ مذهب التشيّع في العراق سبق تشيع إيران،وتشيع لبنان سبق تشيع إيران ، بدليل الدعوة لهم للمشاركة في عملية التغيير المذهبي تلك ، فلماذا إذن؛ يُتهم الشيعة في العراق وفي لبنان بالصفويين، وهم شيعة قبل التشيع الصفوي في إيران ؟!!
هنالك سذاجة قاتلة للتفكير في العقليات اللإسلامية في المجتمع الإسلامي، تبرز بوضوح من خلال الفهم الخاطئ للنظرة الساذجة للشيعة في العراق، وكأنهم نسوا بأنَّ علياً(ع) لعلـّه ؛وجد العراقيين تربة ً خصبة ً لنشر منهجه فيه،فنقل الخلافة الإسلامية من المدينة المنورة إلى الكوفة في العراق. وهذا ما يؤكد أيضاً؛ بأنَّ التشيّعَ موجودٌ قبل الحكم الصفوي بمئات السنين، فالتحول الصفوي عن المذهب الحنفي إلى المذهب الجعفري في إيران كان عام(907هج ـ 1503م) ، وتاريخ بيعة الأمّة الإسلامية بالمدينة المنورة لحكم الإمام علي (ع) كان (35هج ـ 656 م) حكمَ خمس سنوات وثلاثة أشهر. اشتهر علي (ع)عند المسلمين بالفصاحة والحكمة، فينسب له الكثير من الأشعار والأقوال المأثورة. كما يُعدّ رمزاً للشجاعة والقوّة ويتّصف بالعدل والزُهد حسب الروايات الواردة في كتب الحديث والتاريخ. كما يُعتبر من أكبر علماء الدين في عصره علماً وفقهاً. إنْ لم يكن أكبرهم على الإطلاق كما يعتقد الشيعة وبعض السنـّة والصوفيّة.فهو بحقٍّ خليفة رسول الله المصطفى صلوات الله تعالى عليه وعلى آله الأئمة الأطهار عليهم أفضل السلام ولهم أتم التسليم، وهذا ما يشرّف شيعة العراق ـ وهم عراقيون لا صفويون ـ بأنْ يكونوا على منهج رسول الله(ص) ومنهج آل بيته (ع) العرب المسلمين الهاشميين القرشيين المكيين المدنيين ، مع أنَّ ميزان التفاضل في الإسلام هو التقوى !

أحدث المقالات