19 ديسمبر، 2024 1:13 ص

سحقا لدنيا قتلت عليا ..

سحقا لدنيا قتلت عليا ..

وضعتني أمي ..صارخة ً (يا علي) ، مثل كل أمرأةٍ في شدةٍ من بلادي ، فخرجت من  رحم ٍ حالكٍ ، الى دنياٍ اشدُ حلكة ٍ ، فلم أتبين عيوني ، ولم اطلقْ صرخة ً ، لكني سمعتُ استغاثة َ أمي (بعليِّ) ، فخطف بصري برقٌ ، يشبه شراييني ، فعلمت ان لي عينان ، إذ ذاك .. صرختُ  !.فخرجتُ ، الى وجرِ ذئابٍ ، سجن ٍ بلا أسوار ٍ اسمه الدنيا ، أوحشُ من غابة ِ (حيُ ابنُ يقظان ٍ) ، لم ترضعْـني ذئبة ٌ، فاشتهت لحميَ الذئابُ ، فقيّدتني ..، وخلعتْ عليّ ثوبَ عُبودية ٍ ، أوثقُ من القماط ِ ، حيث عسكرةِ الطفولةِ  ، وغسلُ الادمغةِ بالاوساخ ِ ، منعتني حتى من سدل ِ أجفاني ، عن مشهدِ عنفٍ ، وفنونُ التنكيل ِ ، والوانُ الساديةِ ، بمن تسوّلُ له نفسُه ، من الأحرارِ.
 كانت كلَ الدنيا بلون (الكاكي) ، فأصابتني بعمى الالوان ِ ، وبثـّتْ على رأسي ، قَمْلا سلطويا ، يُحصي عليّ انفاسي ، ويرقـُبُ حركاتي .. وسكناتي ، ففاشية (الامويين) لا زالت في الحكم ِ ، استبدلوا تلافيفَ دماغيَ ، بالاسلاك الشائكةِ ، وسلكت طريقي مرغَما ، مكافحا صدئها ووخزَها ، كالماء ، لا يشذّ عن ساقيةٍ ، وكبرت ، وكبرمعي سؤالٌ، عن لغز ِ الموت ، وشواهدِ القبور ِ ، ودنيا لا يقينَ فيها ، الا ساعة ً لا محالة َ ستحينُ ، وأجتررت  ثقافةً سقيمة  ، فُرضَتْ عليّ – كغلظة  طعام ِ المسجونين ، ملأتْ عقولـَنا ، بفارغ ِ الكلام ، فشببنا بُـلـَهاءً ، لولا طرْقـة ٌ على بابِ علي ٍ ، لولا الخلسة ُ كالسرّاق ِ ، بخير ِ جليس ٍ ممنوع ٍ ، في الزمان ِ ، وتقاذفتنا أتونُ حروب ٍ مجانية ٍ ، حيث حرق ِ الاخضر ِ واليابس ِ ، وتبديد الثروات ِوالاخلاق ، ودماءٍ تـُهرَقُ على الارض ِ ، بدلا من مداد ٍ ، يسيلُ على قرطاس ِ .
     فلم أكن سوّيا كأقراني ، أزحتُ قَصص (سوبرمان) و(الوطواط)  المؤجرةِ ، جانبا ، لألتهمَ أشعارَ (مظفر النوّاب) ، الملتهبة الممنوعة ِ ،  ويذَكّرني نخيلُ بلادي ، بالصّلب على الجذوع ِ.. لا بخير ِ الثمَرْ ، ودجلة ُ والفراتُ ، بالدم ِ ايامَ التترْ ، وأعيادُ الميلاد ِ ، بخطواتٍ حثيثةٍ الى القبرْ ، ونفط ُ بلادي ، بمسِّ (سقرْ) ! ، وكاد التيهُ  يأخذني ، الى الطرقات ِ المظلمةِ ، وأوحال ِ اليأس ِ والهزيمةِ ، والمزالق ِ العميقةِ ، ومستنقعاتِ المجتمع السفلية ِ ، ومقاهي الكلماتِ البذيئة ِ ، فأخذ بيدي (عليّ ٌ) !، مؤنبا اياي : (ويحك .. لقد افنيتُ نفسي وبنيّ.. لأجلكم) ، فاستحييت ُ حد البكاء ، وأقسمت الا أعودَ ، فأُغضِبَ عرّابي !. حروف ثلاث ، فيها سرُ الأكوان ِ ، فيها جوابٌ لكل سؤال ٍ ، فيها اليقينُ .. كلُ اليقين ِ ، سلاحٌ سريٌ ماض ٍ ، بوجه الشر ، بوجه الفقر ، بوجه الظلم والظلام ، بوجه الشك ، فأستعبدني .. بملء ارادتي ، سلـّمتُ له مفاتيحَ ذاتي ، متوسلا .. !.. ، فكم من مصلوبٍ كان جرمُهُ ، أن رفضَ البراءة َ منكَ ! ، ولو خُيرتُ بين صاحبَي السجن ِ ، لآثرتُ ان أكونَ (مَن تأكل الطيرُمن رأسه) ، على ان اسقي الطغاة َ (خمرا) ، فحتى (الكواكبَ) خانت (يوسفا) ، في دنيا وئدتنا قبل الميلاد ، اذ قتلتْ (عليا) !.
فأعتزلتـُهُم .. ، متسربلا في الأفاق ِ مثلُ (مريم ) ، الا انني لن اعودَ اليهم ، وبين جنبيّ قلبٌ ، ينبضُ بولايةِ (عليّ) ، ليُكلمَهُم في المهدِ ، ويسفههم .. فسيذبحونني ، فقد سَنّوا شريعة َ قطع ِالروؤس ِ ، مُنذ (الحسين ِ) وما زالوا ، وسألني كل من صادفني ، من الحيارى والهائمين : أتائِهٌ انت؟ ، فمللتُ الأجابة َ: انتم التائهون .. لا أنا ، فمعي بوصلة ٌ علوية ٌ.. ، لكن طريقـَها  وعرٌ ، فقد اوغلوا بتمهيدها ، بالمساميرِ والصلبان ِ ، منذ قرون ، وصرخت بهم : مم تهربون ؟ ، أجابوا: من وباء ٍ اسمه (السامري) ، لقد تكاثر بالانشطار ِ ، وعَمَّ (خوارُ العجول ِ الذهبيةِ)  الآفاق ِ وأروقة الحُكم ، وضاقتْ الأرضُ بأصنام ٍ حيةٍ ، بلسان خبيثٍ ويدٍ عابثةٍ ،  واتخذوا كتاب َ الله ِ مهجورا ، الا يافطة ً على رمح ٍ ، كرزيّة يوم التحكيم ، ايقونة ً على الصدورِ ، والجدران والرفوفِ ، وموطئا للبصمات ِ ، ولليمين الكاذبِ ، او ربما هدفا لسهام ِ أمير المؤمنين …. (الوليد) !!.فقلت : اين الحقُ ؟ ، قالوا :أغتاله (ابن ملجَم) ، بضربةٍ على موضع ِ سجودِه ، وتلقى (معاوية ُ) ذاتَ الضربة ، ولكن .. على سافلتهِ..، فتنجّسَ الموتُ منه ، ولعُهرِ الحياةِ .. فقد عاش..! ، فشرفتكَ المنية ُ.. وأخزَتهم .صِحت’: اين الصدقُ ؟ ، قالوا : وئدوه تحت رمال (الربذة) ، على مقولته (علي قائد البررة .. قاتِلُ الفَجَرة) ، قلت : لا بد من الثورة ، فبَكوا دما ..بكاء مذنبٍ  ، قالوا : ذ ُبـِحتْ من الوريد للوريد ولكن عجباً ، أنجبت عملاقا ، رأسه في مصر وبدنه في العراق ، ينتفض كالمارد ، ليدوس بالنعل (يزيدا ) كلما ’بعثْ ، فقلت أما من مغيث؟ ، قالوا : انطلتْ علينا فرية ٌ ، في (ان لله جنودا من عسل ٍ) ، فلم يفتك بأعداء الله  ، لكنه فتك (بالاشتر) ! .
أرادوا تلويث ساحتك ، فوجدوها انصعُ بياضا من الثلج ِ ، كنتَ باسما ..حنونا ، تبعثُ الأملَ في الفقراء ، فعيونُهم ترنو اليك ، فقالوا عنك (ذو دعابة)! ، أنت يا غزيرَ الدمعة ِ !، انتَ يا كثيرَ العبْرة ِ !، ونقـّبوا..وحفروا..ودسّوا، فكفـَروا (أبا طالبٍ ) ، وجعلوا من (ابي سفيان) قديسا ! ، وصار ابطالُنا وقادتُنا الفاتحينَ ، من كشفَ مؤخرته بالامس ، فينتهزُ خَجَلَكَ ايها الحييّ َ، لينجوَ بجلدهِ ، فرارا من سيفِك  !.
 محبتـُـك غريبة مولاي ، فكلُ محبةٍ تسلبُ اللبَ ، ومحبتك تشحذ العقول ، وتغور في الأبدان ، لم اسمع بمحبة تنتقل بالوراثة ، الا محبتـُك ، انه فضل والديّ الاول ِ.يا طودا من رجولةٍ مع حنان ، ايها الملك الزاهد  ، ايها العالِم َ المتوقدِ شعلة ً، يا بطلَ المناظرات ِ الفكريةِ ، ايها الحكيم المتفجّر شررا ، ايها المارد الرحيم ، ايها الفارس المتواضع ، بقدح سيفه انارَ لنا الآفاق ِ، فكلُ السيوفِ دموية ٌ ، وسيفك شمسٌ وقلمٌ ، وما ذو الفقار ..الا مِنجلا ..، يطعم المستضعفين عدلا وقِسطا وخبزا.

ايها الناسكَ الجبار ، ايها الفقيرَ الكريم ، ايها الثائرَالسرمدي ، يا رُعبَ الطغاة ِ الازلي ، أيها الباسمَ  بوجه الموت ، أيها الباكي بين يدي الله ، ايها الحليم الفاتك ، أيها الجائعَ دوما ، لتطعم الجياعَ عسلا ، يا ملتفعا بأسماله ، لتُلبس الفقراء حريرا ، ايها الواضحَ كالماء ِ الزلال ِ، يا بئرَ الاسرار ِالسحيق ِ .. حقا من انت مولاي ؟ ، أي بشرٍ تجتمع فيه المتناقضاتُ ، أي رجل تسلك فيه الاضدادُ نهجا واحدا ، مكملة ً بعضَها  ، مؤتلفةً دون تصارع أو مناحرةٍ ، فقد جَندلْتَ الجبابرة والطغاة ، لتحرص على رزقِ نملة ، خَشيَتْ من فتكِ جنودِ (سليمان) ، فأمِنَتْ منك ! ، وطرحتَ لأجل ذلك ، مُلكَ الاقاليم السبعةِ  ، راضيا .. بقبضة قمح ٍ تقضُمُها ! ، تطيحُ بالروؤس في الوغى ، كأنَكَ تُشذبُ نخلاً ، وأراك جاثيا على ركبتيك باكيا ، أمام غلام ٍ يتيم ٍ جائع ٍ ! ، واذا غَضبتَ ، تترفعُ عن السيف ، تأنَفُ من الحديد ، فتطرحُهُ جانبا ، وتقلعُ الفرسانَ من ظهورِ جيادهم ، لتصفعْ بهم وجهَ الارض بيدين مجردتين ، قاطعا حبلَ حيواتهم ، فحتى (الموت) تهيب منك ،فطرق عليك الباب ،مستئذنا !. اتذكر بلاياك – مولايَ-  عند كل نازلةٍ  تنزل بي ، فتهونُ علىّ مصائبي ، اتذكرعدلَك كلما شعرتُ بالحيف اتذكر رزاياك كلما حزنت ، ودنيانا مثل سلسلة ٍ ، ما بين حزن وحيف ٍ، كالانفاس …، فكيف انساك ؟!. مولاياتدري ما يعتريني..حين الِجُ حضرَتـكْ ؟ ، حيثُ تُحجَبُ اصواتُ المبتهلين ، وهمهمة ُ الزائرين ، وتضرّع ُ المنكوبين عن أذنيّ ، ويتوقف الزمن ..، وتحتار النواميسُ ..، وتعجزُ كلُ قوانين الارض ِ ، عن فرض سلطانها ، على بدني وهمومي ، وكأنني على الارض ، وما انا على الارض ، وحيثُ الفُ سببٍ وسببٍ ، يصيب غددي الدمعيةِ .. بالجنون ِ ، فأطلُقُ لها العنانْ ، واترك حبل شكواي لك على غاربها ،وتغمرني الهيبة ُ ، وايـّة ُ هيبةٍ  ، أي وجهٍ ذلك الذي كرّمه الله .. ، انْ تولدْ بجوف ِ الكعبة ِ ، وتستشهد في محراب ٍ ..
في أقدسِ مسجدٍ .. ، وما بين هذا وذاك ..، سطّرتَ اسفاركَ بحروف شفافةٍ ، وصُلبة ٍ كالماس ِ ، فلم تتبينْها العقولُ السميكة َ ، وعجزتْ كلُ ازاميلَهم ومعاولَهم عن مسحِها ، وكاد النهجُ يضيع ُ  ، فلوّنها نجلـُك الشهيدُ بالدم، فهكذا تقرأ الناسُ الكلماتْ !. كلما توسدت ضريحك ، اجدني ممسكا بأسمالك بكلتا يديّ ، مثل غريق ٍ يتشبثُ بمنقذٍ ، انشب اناملي فيها ،اجذبها جذبا ، لن افلتـْها ولو قـُطّعتْ اصابعي ، أجعل رأسي يتخلل صدرَك ، صدرَك الذي حمل همَ الأنسان ِ، كل ِ انسان ، لتجتمع في فمي صرخاتُ كل المظلومين ، تصم كلَ الاذان .. الا اذنَك ، يا ذا الاذن الواعية ، اكون ارثا هادرا .. لدموع ِ كل المستضعفين ، تغرقُ الجميعَ الا انت ، يا من تنحدرُعنه كلُ السيول . أغثنا مولاي ، فأن كان نعلُـكَ المخصوفِ ، أحبّ ُ اليك من أمارَتِنا ، فما زال شعارُ حكوماتـَنا (تلاقفوها) …، وصار الههم ..، ذلك الذي يحلف به (ابو سفيان) ! ، فلا زلنا – مولاي-  ، فيئا يُنتهبُ من كل جهة ٍ، وهدفا يرمى من كل صوبٍ ، ويُعصى اللهُ ، فنجاملُ طغاتـَنا خوفا .. ونرضى  ، فكيف نجرؤ على الدعاء ، ما ذنبَنا يا ربّْ ؟ الا سُحقا لدنيا طلّقتَها ، فقتلتك !.