18 ديسمبر، 2024 7:12 م

غالبا عندما اكون متعبا وبحاجة إلى الراحة لا ابحث عن مكان معين أو مقهى مشهورة لترسو سفينتي على ارائكها إنما يكفيني مكان ارتاح فيه لدقائق ثم اغادره وظهر امس لم أكن متعبا فقط إنما جائع أيضا لذا دلفت إلى مقصف كما يحب المتفرنجون ان يطلقوا على ما نسميه نحن العامة ( مطعم ) من دون أن أنظر إلى اليافطة المعلقة عند بابه الزجاجي وفي الداخل وجدت المكان هاديء ومبرد ونظيف ووزعت طاولاته بشيء من ذوق مع قلة من الرواد وكان جلوسي قريبا من كهل يبدو متصابيا ذا صلعة براقة وفودين تم طلائهما بالاسود وسروال جينز قصير وقميص ( تي شيرت ) مزركش وربع لحية سوداء تشاركه مجلسه امرأة خمسينية اختفت ملامحها الأصلية تحت اصباغ مكياجها الثقيل وفيها مسحة جمال وتبدو للناظر مثل بائعة هوى قديمة خسرت راس مالها في حروب طويلة مع الزمن فبارت بضاعتها وتسرب زبائنها كتسرب وعود السياسيين هنا وقد يكون هذا الكهل هو كل حصيلتها وماتبقى لها في دنياها التي ادبرت عنها فتمسكت به كما يتمسك الطامح بكرسي حكم ولكي تحتفظ به كانت تظهر إعجابها بما يتحدث به مرة بايماءة من رأسها وأخرى بابتسامة وكان يرد هو على إعجابها مرة بتمرير ظهر سبابته والوسطى على خدها كما يفعل الممثلون في الافلام الرومانسية ومرات بابتسامة واحيانا يلتفت يمينا او يسارا ثم يقرص خدها او شفتها السفلى على عجل من دون رفض او انتشاء ظاهر عليها . بعد انتهاء طعامي وذهابي لغسل يدي قررت تغيير مكاني إلى نفس الطاولة لاكون قريبا منهما بحيث أستطيع سماع حديثهما بوضوح وعندما جاءني النادل بكوب الشاي اخذت بتحريك الملعقة على طريقة الجواسيس الذين يظهرون في المسلسلات العربية وينصتون باهتمام مبالغ فيه وكان حديثهم وصل إلى شاطيء الانتخابات المقبلة والتي يشتد الحديث عنها هذه الأيام ويتحمس لها ساسة اكل عليهم الدهر وشرب واخرون يرومون دخول اللعبة بقوة في حين ينقسم الناس حيالها إلى أكثر من ثلاثة أقسام الأول لا يعنيه أمرها من بعيد او قريب والقسم الثاني متحمس لخوضها املأ في تغيير حتى لو كان موهوما اما الثالث فهو يرفضها بشدة ويدعو إلى مقاطعتها او حتى محاربتها ان اضطر إلى ذلك وكان الكهل المتصابي من القسم الثاني وشرح لها باطناب عن الأهداف المرجوة من هذه الانتخابات والآمال المعلقة عليها وحرضها على المشاركة فيها فابتسمت له بخبث غانية وسحبت من علبة سجائره لفافة واشعلها لها وبعد أن جذبت نفسا طويلا ونفثت الدخان حتى خيم على سماء الطاولة قالت : يا عزيزي العهر هو العهر مهما اختلفت أنواعه وسواء مارسه رجال او نساء وكما تعرف او لا تعرف اني مارست عهر الجسد منذ يفاعتي ومر على هذا الجسد عشرات العهار ان لم يكن المئات او حتى أكثر وكنت في البداية مخدوعة ثم تحول إلى احتياج بعدها أصبح مهنة واكتنزت من خلاله تجربة حياتية عظيمة تجلت في القدرة على إيقاع الآخرين في شباكي وتفريغ ما في جيوبهم لكن عندما تقدم بي الزمن وظهرت التجاعيد التي يصعب إخفائها وترهل الجسد ودخل المهنة أخريات مخدوعات باجساد بضة أصبحت انا فائضة لا فائدة منها سوى في سد شاغر او إملاء فراغ غائبة لامر ما حتى رسوت على شاطيء الإهمال كبارجة شاركت في أربع حروب كونية وتنتظر تاجر خردة مثل حضرتك وما جرى لي ينطبق تماما على العملية السياسية برمتها من انتخابات ومرشحين وناخبين ورافضين ومتحمسين إذ يخدع الجميع في البداية ثم يتحول ذلك إلى احتياج بعدها يصبح مهنة وعندما نتمسك بها يركلنا الزمن خارجها مع اننا جميعا نعي تماما اننا نمارس عهر معلن مهما غلفناه بما يناسبنا من تسميات او اظهرنا عكس مانخفي او حاولنا تبديل فراش عهرنا او مظهرنا بين حين وحين .
هنا شعرت بحاجتي للقيء ومغادرة المكان فتماسكت ظاهريا ونهضت متعكزا على اوجاعي وغادرت الانتخابات . .