زرتُ الإسبوع الماضي حديقة الحيوان في صوفيا, حيثُ كنت أفكر في زيارتها منذ فترة ليست بالقصيرة
رغم تحفظي في الأمر إلا إنني قررتُ الذهاب إليها .
كان الجو صيفي , وأنا متشوقة لرؤية الحيوانات مع حزني عليها وهي في الأقفاص .
لم أتوقع أن معظمها كان مختبيء أو إن الأقفاص فارغة, ففكرت لو أن الحكومة أو إن الأقفاص فارغة
ففكرتُ لو أن الحكومة إستغلت مساحة حديقة الحيوان ببناء شيء مفيد للأطفال كمدينة ألعاب لكان أفضل
علاوة على ذلك فذكرياتي عن حديقة الحيوان تمتد لأيام الطفولة, وبالكاد اتذكر الزرافة في حديقة
الحيوان في الزوراء في بغداد. كانت تتبعنا بنظراتها الحزينة إينما ذهبنا, وقد عللت أمي ذلك لشعور
الزرافة بالوحدة واحساسها بإنسانيتنا. كما روت لي أمي عن الشابين العراقيين اللذين كانا واقفين أمام
قفص القرود, أحدهما ممسكاً بمرآة صغيرة والآخر بقطعة حلوى وقتها كنتُ صغيرة, فقط اتذكر إنهما
كانا مرتدين بدلة رسمية وإنهما كانا واقفين أمام قفص القرود , المثير في الأمر أن القرد فضل
أخذ المرآة على قطعة الحلوى .
مررتُ بأقفاص كثيرة في حديقة حيوان صوفيا, قبل ان أرى حيوانات فعلية وحية تُرزق . فـتأسفتُ
على العشرة ليفات التي أعطيتها عند باب الدخول لأني لم أجد ما كنتُ أتوقعه من انواع مختلفة من
الحيوانات .
بالكاد رأيت بعضاً منها, لأنها كانت مختبئة من حرارة الشمس والتي كانت خارجة في حديقة قفصها
وجدتُ صعوبة في التعرف عليها, لأن لونها كان مقارب للون الطبيعة من التربة والأشجار .
مشيتُ مسافة ليست بالقليلة, حتى وجدتُ مجموعة من الذئاب الهزيلة تدور في دائرة بينما ذئب آخر كان
يقف جانباً يتفرج على مجموعته وفي نفس الوقت يرمق المارة بنظرة جانبية, يبدو إنه كان قائدهم. ثم
إستمريتُ في السير أماماً وتجاوزت عدد من الأقفاص الفارغة . فأشفقتُ على الحيوانات التي كانت
بداخلها, وحرمانها من فضاء حريتها, أين هي ياترى ؟ هل تم نقلها مُجدداً إلى موطنها أم إنها ماتت ؟
اسئلة كثيرة دارت في ذهني, بينما كانت تمر أمامي وجوه ناس غير سعيدة بإستثناء تلك التي كانت
بصحبة أطفالها .كنتُ تواقة لمشاهدة الأسود والنمور, فلم ارى غير نمر أبيض واحد وكان بائس الحال
ممدد في غفوة على منصة عُليا خشبية ومولي ظهره للزائرين , شعرتُ بتعبه وكآبته, وفهد أسود اللون لايقل حاله سوءاً عن نظيره النمر الأبيض .
رأيتُ الكآبة تطغي على وجوه معظم الحيوانات . يبدو أن البلغار لا يريدون لبعض الناس أن يروا رمز
بلدهم الأسد محصور بين اربع جدران ينظر للناس بيئس من خلال قضبان حديدية .
في قاعتين مغلقتين الأولى مليئة بالأفاعي المختلفة الأنواع والطول واللون والفئران المختلفة الأحجام .
والرائحة الكريهة تعم المكان, كان هناك تمساحٌ واحدٌ تعيس في حوض ماء مغمور الجسد وعينان
طافيتان فوق الماء , تنتظران مصير قدرهما .
أشفقتُ على جميع هذه الحيوانات وبدت وكأنها مُعلبة في علبٍ زجاجية صغيرة بالكاد تتنفس
, فما كان منها إلا أن ضغطت على نفسها حتى تتكيف في هذا الوضع المزري . أما في القاعة
الثانية فوجدتُ فيها الزواحف الصغيرة الحجم في نفس العلب الزجاجية . فأدهشني لونها الذي يشبه
تماماً خضرة الأشجار حولها .
. ثم شاهدتُ الغزلان وكانت على وشك الدخول إلى بيتها إلا إنني أجدتُ تقليد صوت الرشا وهو صغير
الغزال .فجاءني ذكر غزال شاب .وشعرتُ إنه إطمئن إليّ فوراً, فتشجعتُ لإطعامه ببعض الأغصان
الطرية لنباتاتٍ كانت بجانب السياج . فجاءني طفلان ولد وبنت يريدان مني أن يطعمان الغزال أيضاً .
بعدها شاهدتُ قرد واحد من بين الأقفاص كلها في قاعة مغلقة كبيرة وكانت أرضية القفص وسخة جداً
يحاول إلتقاط بعض بقايا الطعام .
واخيراً رأيتُ الفيل وكان شاباً , حاولت تقليد صوته فوجدته فرحاً لذلك, كان واقفاً على بوابة مبناه
وفتحت ذراعيّ فإذا به يحرك أذناه الكبيرتان طرباً .
وشاهدتُ فيل آخر ولكن يبدو إنه مسن لأن ظهره كان منحني , كأنه كان يحمل السياح على ظهره طوال سنين كثيرة على غرار الطريقة الهندية. دار سؤال في بالي على الفور, كيف يعبد بعض الهنود الفيل !
في الفيس بوك, دار حوار سريع بيني وبين شخص هندي, ليقول لي إنهم يعبدون أي شيء لها روح .
فأجبته أنا أُثمن خلائق الله ولكني أؤمن بإله واحد هو رب العالمين . فحاول إقناعي بصورة إمرأة شابة
مرسومة على ما يبدو آلهه من إحدى آلهاتهم , فقلتُ له لماذا لا تتخذوا مدام كيوري عالمة الفيزياء
والكيمياء والحائزة على جائزة نوبل آلهة لكم !؟ أم لأنها أقل جمالاً من تلك المرسومة !؟
بعد أكثر من ساعة, دبت الحياة في حديقة الحيوان أكثر, حيث توافد الناس وصار الجو الطف عند
إقتراب الساعة من العصر .
وقبل مغادرتي لحديقة الحيوانات في صوفيا, وجدتُ بناية صغيرة مستطيلة الشكل, عندما دخلتها, كانت
الأقفاص فارغة إلا إنني رأيت على الحائط رسومات مستوحاة من نظرية دارون حيث تبدأ من القرد
وتنتهي بإمرأة شابة عارية, بينما رسم دارون يتوسطها ! مُبينين أن الإنسان أصله قرد! العديد من
البلغار يؤمنون بهذه النظرية. ولو كان الإنسان أصله قرد فلماذا لايتحول أحد القرود الآن إلى إنسان,
أم ان دارون يعتقد بأن هناك فصيلة نادرة من القرود التي لربما هي الأقرب للإنسان قد تحولت إلى
إنسان ولم يعد لها وجود. لو كان الأمر كذلك فلماذا لا تتحول أحدُ الخراف بالصوف الكثيف الموجودة
في العراق إلى متحور بصوف أخف, رحمةً بها من حرارة صيف العراق . على مايبدو أن دارون
كان يستقبح شكله وجاء إستنتاجه بناء على ذلك .
واخيراً شاهدتُ النسور ورغم هزالها لكأنها كانت الأفضل من بين الجميع لأنها كانت عدة عوائل في
أعشاش صخرية قريبة من بعضها, ولكنها محرومة من الطيران الفعلي وهي في تلك البناية الطويلة
والمُسيجة .
منظر الحيوانات كان يُرثى له وهي هزيلة تعيش بعيداً عن عالمها في البرية , أشفقتُ كثيراً على الفيلة
وهي بهذه الضخامة تعيش في سجن من الحيطان الكونكريتية وعندما تخرج تجد العشب اليابس وبعض الماء الرشاش من فوهة خرطوم ماء.
يؤسفني جداً حبس الحيوانات في اقفاص ومساحات ضيقة, فقد خُلقت لتعيش في الطبيعة وتستمتع بحريتها
والأجمل مشاهدتها وهي في بيئتها بين الأشجار والأعشاب في قطعانها سعيدة بصغارها وهي تلهو مع مع بعض أمام أعينها .
ألا يبدو إنه منذ الأزل الإنسان مع الحيوان يكافحان مع بعض من أجل حريته فالحيوان يعاني من قسوة
الإنسان ويكافح من أجل بقائه, والإنسان خاضع تحت عبودية تفكيره السلبي, وسلطة الشيطان التي تُقيد
حرية تفكيره وتوسوس له بالإطماع دوماً .
فحدائق الحيوان موت بطيء للحيوان والطيور على حد سواء التي ولدت لتعيش بين أحضان الطبيعة
والسماء .وما الحوادث الناتجة من قتل المدربين أو المتفرجين كباراً أم صغاراً على يد بعض الحيوانات
المفترسة أو حيتان الأوركا إلا دليل على تمردها لهذا العالم المغلق و السيرك أيضاً .
أطالب بإغلاق وهدم جميع حدائق الحيوان في العالم التي هي بحق مجزرة لكائنات حية خلقت لتكون
حرة كما الإنسان ولد ليكون حراً .
وأدعو المهتمين بهذا العالم المثير عالم الحيوان والطيور بالسفر حيث أوطانها والإستمتاع برؤيتها في
بيئتها الحقيقية مع قطعانها مع وجوب الحذر لأنها حيوانات برية . وسيكون سبب آخر جميل للقاء
والتعرف على أصحاب البلد عن كثب والتعايش معهم .
مرة قالت لي إحدى قريباتي في بلغاريا, في الحياة القادمة أتمنى أن أكون قطة, سألتها لماذا ؟
فأجابتني حتى يعتنوا بي أهل البيت, بالضبط كما أعتني بقطتي بيانكا !
فأجبتها ضاحكة, هذا إذا قادتك الصدفة إلى أيدي ناس طيبة .