تجنب الكثير من الكتاب الخوض في كل ما يخص السجناء السياسين تقديراً منهم لهذه الشريحة المضحية من ابناء الوطن . الأ أن بعض الفاسدين في المفاصل الرئيسية من مؤسسات الدولة العراقية لم تترك السجناء السياسيين من دون أن تدخل عليهم فئه كبيرة ممن لم يكونوا يوماً سياسين ولا حتى سجناء ! .
بعد سقوط النظام السابق تأسست دائرة أسمها دائرة السجناء السياسيين ،حددت مهامها برعاية من تعرضوا الى السجن في العهد السابق (الاحياء منهم والمتوفين وعوائلهم) وحين بدأ العمل في هذه الدائرة تدخلت السياسية بسيرتها وحرفتها عن غاياتها النبيلة. ففي البداية جرى الترويج لمعاملات السجناء السياسين ممن ينتمون الى الاحزاب الأسلامية ،في حين أهمل الأخرون الذين عذبوا وأهينوا وقضوا سنيناً في طوامير النظام السابق، و تعرضت عوائلهم الى أيذاء شديد وحرموا من حقوقهم كافة . وقد تعاملت السلطات في العهد السابق مع معارضيها والسجناء السياسين وعوائلهم بوحشية وشراسة لا حدود لها .وكان الانصاف يقتضي أن يعامل السجين السياسي وعائلته ،أيا كان اتجاهه بما يستحق من تقدير واحترام واعطائه كل حقوقه وتعويض عائلته عن سنوات الضيم والعذاب التي عاشتها في ظل ظروف حياتيه جائرة . غير أن من تولوا مسؤولية دائرة السجناء السياسيين كانوا يكيلون بمكيالين ، فمن جهة اعطوا سجناء الاحزاب الاسلامية حقوقهم كاملة وزيادة .وهذا لا اعتراض عليه ،بينما بخلوا على السجناء السياسين الاخرين وحرموا عوائلهم من حقهم في حياة حرة كريمة . كان السجين السياسي ( أن كان شيوعياً ) يواجه من بعض المسؤولين في دائرة السجين السياسي بازدراء وتوضع الف عقبة وعقبة أمام أنجاز معاملته. واذا كان بعثياً يسارياً معارضاً للنظام السابق فيقال له أو لعائلته: ( نحن مالنا ومالكم .. انتم اختلفتم مع رفاقكم الحكام على الكراسي) ! في حين أن هؤلاء الذين قيل لهم هذا الكلام كانوا يعانون الأمرين داخل السجون ، وفوق هذا فكثير منهم كان يحارب النظام في الشمال ، وكانت الاحزاب السلامية مؤتلفه معهم في تنظيمات جبهوية معادية للنظام السابق. وكان متصدروا دائرة السجناء السياسين يقولون للمعارضين من سجناء النظام السابق من غير الاسلامين بأنكم محكومون على وفق جرائم جنائية. وقد تناسوا أن النظام ذاك كان يصدر أحكام الاعدام بحق المعارضين والسجن المؤبد والمؤقت على جميع المعارضين على وفق مواد قانون العقوبات العراقي وبقضايا جنائية ! المهم .
أنتهت السنوات الاولى وحصل الكثير من السجناء السياسين الاسلامين على حقوقهم وحرم الكثير من هم من الاحزاب العلمانية أو مجرد وطنية . ثم جاءت سنوات حكم المالكي الذي استمرت لاكثر من ثمانية أعوام .. وهنا شهدت دائرة السجناء السياسين توافد الالاف ممن لم يتعرضوا الى السجن أو حتى التوقيف ! فكان الكثير منهم يأتي الى الدائرة المذكورة وتنجز معاملته بسرعة لسببين : الأول هو أنه من اقارب قيادات في الحزب الحاكم .. والثاني هو أنه دفع رشئ للمسؤولين الكبار ليحصل على حقوق السجين السياسي وامتيازاته . ومن بين الالاف من هؤلاء مايثير السخرية ، أذ أن سجيناً سياسياً يتقاضى اليوم حوالي المليوني ديناء شهرياً وكل مافعله هو أنه في يوم ماكان سكراناً فتبول قرب صورة للقائد الضرورة من دون أن يدري وسجن وقتها ومن حسن حظه ان عثر عليه أحد اقارب مسؤول في مابعد السقوط فحوله الى سجين سياسي وحصل له على تقاعد ومزايا كثيره !
ثم تطورت الامور بحيث صار الحاكم السابق – بعد السقوط – يمنح كل من يؤيده أو يعمل لصالحه في الانتخبات النيابية مكافأة (سجين سياسي).وقد نال هذه المكرمة عشرات الالاف ممن لا علاقة لهم بالسياسة ولو يسجنوا بسببها. كل هذا يجعل المراقب السياسي يتساءل : كيف تصفون النظام السابق الدكتاتورية والاستبداد اذا كان قد ابقى هذا العدد الهائل من السجناء من معارضية احياءً يرزقون ؟!
ماندعو اليه أن تكلف لجان لاجراء تحقيق في قضايا السجناء المنسوبين زوراً الى السياسة والمعارضة. انصافاً للسجناء السياسين الحقيقين. وحماية لاموال العراقين الكثيرة التي تهب الى غير مستحقيها !