23 ديسمبر، 2024 2:31 ص

ستون عاماً على تأسيس حزب الدعوة الإسلامية

ستون عاماً على تأسيس حزب الدعوة الإسلامية

المكان: النجف الأشرف. الزمان: آب 1957
أرى ـ ابتداءً ـ أن حزب الدعوة الإسلامية لا يستطيع كتابة تاريخه التفصيلي الرسمي؛ بالرغم من بعض المحاولات؛ لا سيما التي جرت في ثمانينات العقد الماضي؛ لأن هذه التفاصيل لم ولن تحظ بإجماع من بقي حياً من المؤسسين والرواد الأوائل، أو من كتب منهم مذكراته ورؤاه. وقد عشت تفاصيل هذا الخلاف و أنا أناقش كثيراً منهم بشأن المعلومات التي يكشفون عنها. وبإطلالة سريعة على ماكتبه ـ مثالاً ـ السيد حسن شبر والشهيد عز الدين سليم والشيخ علي الكوراني والسيد طالب الرفاعي والسيد محمد باقر الحكيم والسيد محمد مهدي الحكيم والشيخ عبد الهادي الفضلي والسيد هاشم الموسوي؛ سنقف على مايربك الباحث غير المتخصص أو حتى كثيراً من الدعاة القدامى أنفسهم.
وقد بحثت هذه الإشكالية وأسبابها، وناقشتها بالتفصيل في الفصل الأول من كتابي “جدليات الدعوة”، وخرجت بمقاربات منهجية ومعيارية؛ أزعم أنها تنفع الحزب فيما لو أراد كتابة تاريخه.
وبناء على تلك المقاربات المنهجية؛ بدا لي أن مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية والمحيطين بالتأسيس ورواده الأوائل لا يمكن أن يكونوا دقيقين في كتابة تاريخ الحزب من خلال معايشتهم الشخصية وذكرياتهم؛ لأنهم سيسقطوا أدوارهم ومعايشاتهم وآراءهم على تاريخ الحزب، ويميلوا اليها عن قصد أو بدونه.
لا شك أن من حقهم كتابة مذكراتهم ليستفيد منها الباحث كمادة خام عندما يريد دراسة تاريخ الدعوة وتوثيقه. ولكن من الخطأ الكبير أن يعتمد القارئ أو المهتم أو الباحث على راوٍ واحد من المؤسسين أو الدعاة الأوائل، ثم يبنى عليها ما يُعده حقائق؛ بل لابد من دراسة جميع الروايات، وتمحيصها ومناقشتها منهجياً، وضربها ببعض، ودراسة بيئة الرواة وسيرتهم ودوافعهم، وقواعد الجرح والتعديل، وحينها يمكن الخروج بنتائج أكثر قرباً من الحقيقة.
ولاتزال هذه نصيحتي للباحثين وطلبة الماجستير والدكتوراه الذين يكتبون عن حزب الدعوة؛ لا سيما الذين أشرف على رسائلهم أو أدعمهم علمياً. وقد التزمت شخصياً بهذه المنهجية، وأزعم أنها أوصلتني الى نتائج جديدة ودقيقة.

معايير اعتماد زمان التأسيس ومكانه وشخوص المؤسسين
الرواية الرسمية التي يتبناها حزب الدعوة الإسلامية بشأن تاريخ تأسيسه؛ تنص على أن تاريخ التأسيس هو 17 ربيع الأول 1377 هـ، والذي يصادف 12 تشرين الأول 1957. وقد استندت الرواية على معيار جلسة القسم في كربلاء، وفق ما كان يؤكد عليه المرحوم الحاج محمد صالح الأديب أحد مؤسسي الحزب. وهو معيار لا أظنه صحيحاً. وتبعاً لذلك يكون المعيار الرسمي في اعتماد شخوص المؤسسين ليس صحيحاً أيضاً. واللافت هنا أن الرواية الرسمية تقول بأن من المؤسسين ثمانية، ولا أعرف كيف تم احتسابهم؛ فإذا كان المعيار هو من حضر اجتماع أداء القسم في كربلاء؛ فإن عددهم كان سبعة، وليس بينهم السيد طالب الرفاعي و الدكتور جابر العطا والسيد حسن شبر، وإذا كان المعيار هو من حضر اجتماع النجف التأسيسي؛ فإن عددهم كان ثمانية بالفعل، ولكن ليس بينهم محمد صالح الاديب.
وبرغم أني كنت مقتنعاً بالمعيارين الرسميين خلال تاليف كتاب “سنوات الجمر” في نهاية ثمانينات القرن الماضي، وكتابة سلسلة دراساتي: “حزب الدعوة الإسلامية: من الشروق الى السطوع” في العام 2010. ولكن دراستي النقدية الأخيرة “جدليات الدعوة” الصادرة في العام 2016؛ جعلتني أعتمد معيارين مختلفين عن الرواية الرسمية للحزب، وأراهما معيارين دقيقين وصحيحين:
المعيار الأول الذي اعتمدتُه في تاريخ التأسيس هو انعقاد الإجتماع التأسيسي النهائي في النجف في آب من العام 1957 في بيت السيد الشهيد محمد باقر الصدر.
والمعيار الثاني الذي اعتمدتُه في تثبيت شخوص المؤسسين، هو من حضر أحد اجتماعي التأسيس النهائي في النجف في آب 1957، وأداء القسم في كربلاء في تشرين الثاني من العام نفسه.
يرى السيد محمد مهدي الحكيم أن فكرة تأسيس حزب إسلامي طرحت خلال العام 1956، واستمرت التحركات والاجتماعات التحضيرية أكثر من سنة، وتم في النهاية الاتفاق على شكل العمل وطبيعة تحركه. وكانت أول قضية طرحت على طاولة البحث (قبل التأسيس) هي: «مشروعية قيام الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة»؛ فكتب آية الله السيد محمد باقر الصدر (وهو الفقيه الوحيد بين مؤسسي الحراك الجديد) دراسة فقهية برهن فيها على شرعية قيام الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة، وكانت هذه الدراسة أول نشرة حزبية تتبناها «الدعوة».
وقد استمرت مداولات تأسيس حزب الدعوة بين أصحاب الفكرة وأقرانهم الذين انفتحوا عليهم حتى أواسط العام 1957. وخلال الفترة من تموز وحتى أيلول من العام 1957 عقد أكثر من اجتماع تأسيسي تحضيري في النجف الأشرف؛ معظمها في بيت السيد محمد باقر الصدر. وكان آخرها هو الاجتماع التأسيسي النهائي الذي عقد في بيته، خلال شهر آب من العام 1957، وحضره ثماني شخصيات: السيد محمد باقر الصدر، والسيد محمد مهدي الحكيم، وعبد الصاحب دخيل، ومحمد صادق القاموسي، والسيد مرتضى العسكري، والسيد طالب الرفاعي، والسيد حسن شبر، والدكتور جابر العطا.
وبعد شهرين تقريباً، وتحديداً في 12 تشرين الأول من العام 1957؛ عقد اجتماع أداء القسم في دار إقامة المرجع الديني السيد محسن الحكيم في كربلاء؛ بحضور سبع شخصيات: السيد محمد باقر الصدر، السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، محمد صادق القاموسي، السيد مرتضى العسكري، السيد محمد باقر الحكيم ومحمد صالح الأديب، وغياب ثلاثة ممن حضروا اجتماع النجف التأسيسي: السيد طالب الرفاعي، والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا.
وفي هذا الصدد يقول السيد حسن شبر أحد المؤسسين الأحياء: ((الجلسة التي تم فيها أداء القسم في بيت السيد محسن الحكيم في كربلاء بتاريخ 12 تشرين الأول من العام 1957 كانت فقط لأداء القسم بالالتزام بمبادئ الحزب والعمل تحت خيمته والمحافظة على سريته. أما تأسيس الحزب فقد سبق جلسة أداء القسم بشهرين؛ أي في آب من العام 1957؛ خلال الجلسة الأخيرة التي عقدناها في بيت السيد محمد باقر الصدر في النجف الأشرف، وحضرتها أنا [السيد حسن شبر] والسيد محمد باقر الصدر نفسه والسيد محمد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل وجابر عطا والسيد مرتضى العسكري والسيد طالب الرفاعي ومحمد صادق القاموسي. وتم فيها مناقشة كل التفاصيل، بما فيها الاتفاق على أن تكون الجلسة اللاحقة لأداء القسم. أما فيما يخص تسمية الحزب فقد سمي بـ «الدعوة الأسلامية» في بداية العام 1958؛ أي بعد شهرين من أدائنا القسم)).
وعليه؛ فإن حزب الدعوة الإسلامية تأسس في النجف الأشرف في آب من العام 1957، وأن اجتماع النجف الأشرف في بيت السيد محمد باقر الصدر هو الاجتماع التأسيسي النهائي، وأن اجتماع أداء القسم في كربلاء في بيت السيد محسن الحكيم هو أول اجتماع رسمي للحزب، وأن من حضر أحد الاجتماعين يُعدّ من المؤسسين.

مؤسسو حزب الدعوة الإسلامية العشرة والمحيطون بالتأسيس العشرة
مؤسسو حزب الدعوة الإسلامية العشرة؛ على وفق معطيات وجودهم في مرحلة التأسيس في العام 1957، وحضورهم أحد اجتماعي النجف الأشرف وكربلاء؛ هم: السيد محمد باقر الصدر: عالم دين ومفكر عراقي، كان عمره حينها 22 عاماً، السيد محمد مهدي الحكيم: عالم دين عراقي، 22 عاماً، السيد مرتضى العسكري: عالم دين من أصل إيراني، 43 عاماً، عبد الصاحب دخيل: تاجر عراقي، 27 عاماً، السيد طالب الرفاعي: عالم دين عراقي، 26 عاماً، محمد صادق القاموسي: كاتب وشاعر عراقي، 35 عاماً، السيد محمد باقر الحكيم: عالم دين عراقي، 18 عاماً، السيد حسن شبر: محامي عراقي، 29 عاماً، جابر العطا: طبيب عراقي، 29 عاماً، محمد صالح الأديب: مهندس عراقي، 25 عاماً.
إلى جانب المؤسسين العشرة؛ كان هناك عشر شخصيات محيطة بالمؤسسين، وكانوا مكملين لعملية التأسيس؛ خلال العامين 1957 و 1958؛ هم: السيد محمد حسين فضل الله: عالم دين ومفكر لبناني، كان عمره حينها 23 عاماً، الشيخ محمد مهدي شمس الدين: عالم دين ومفكر لبناني، 22 عاماً، السيد محمد بحر العلوم: عالم دين وأكاديمي عراقي، 31 عاماً، الشيخ مهدي السماوي: عالم دين عراقي، 23 عاماً، الشيخ عبد الهادي الفضلي: عالم دين وأكاديمي من أصل أحسائي، 23 عاماً، محمد هادي السبيتي: مهندس ومفكر من أصل لبناني، 29 عاماً، السيد عدنان البكاء: عالم دين وأكاديمي عراقي، 20 عاماً، الشيخ مفيد الفقيه: عالم دين لبناني، 22 عاماً، الشيخ عارف البصري: عالم دين عراقي، 21 عاماً، الشيخ كاظم الحلفي: عالم دين عراقي، 21 عاماً.
و قد بُني حزب الدعوة الإسلامية بهؤلاء العشرين. ولكن تأثير بعض الذين أكملوا عملية التأسيس فاق دور بعض المؤسسين في بلورة فكرة الحزب وبناء فكره وهيكله؛ كالشهيد محمد هادي السبيتي و الشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ عارف البصري.
ولذلك إذا وضعنا من كان دوره الأهم من المؤسسين إلى جانب من كان دوره متفوقاً من المحيطين بالتأسيس؛ فسنخرج بعشر شخصيات كانت الأكثر تأثيراً في تثبيت دعائم حزب الدعوة وتشييد أسسه وقيادة مسيرته الأولى؛ هم: السيد محمد باقر الصدر، السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، السيد مرتضى العسكري، السيد حسن شبر، محمد صالح الأديب، السيد محمد حسين فضل الله، الشيخ عبد الهادي الفضلي، محمد هادي السبيتي، الشيخ عارف البصري.