كانت العاصفة ، و كان الدخان يتصاعد في الافق المعتم لحياة ما قبل التاريخ ، في زمن ليس بعيد ، كنت اسمع تبريرات كل اغلاط الاخرين معلقة على اساس رجل واحد وضع الاسس القوية لمفاهيمه المنحرفة و الشاذة :
اعتداء القوي على الضعيف ، حرمان الانسان من حق يعود له بالتاكيد بالقوة و العنف ، مضاجعة في الظلام لسيدة مضى على زواجها نصف عام ، طفل يولد في المستشفى الحكومي و يلقى على قارعة الطريق ، شيخ هرم يداعب الاعضاء التناسلية لحفيدته ، رجل يقف على باب المسجد او الضريح يتسول ثمن زجاجة الخمر ،
رجال و نساء و شيوخ و اطفال تهب راكضة متسابقة للحصول على غنيمة من مخزن او مخفر شرطة او دائرة حكومية او بار او جامع او سرداب ، امراة تجر كيس القمح في الشارع ،،،،!
كل ذلك كان مبرر و جاهز العذر ، ، المارد يريد هذا ، ، !
هذه العاصفة لم يمض على سكونها الف عام ، سكنت حين استثارت ، و القت احمالها و اوزارها من اللؤم و الزيف و النفاق و التزوير و الثارات الساكنة منذ زمن المغول أو منذ العصر الاموي 0
حين سكنت العاصفة صارت الكارثة اكبر و اوسع ، كل مخلفاتها تتحدث عن الفضيلة و الخير و الحب و الوفاق و الاتفاق و الاعتصام في حبل الله من الجميع ، لقد ولى زمن الطائفية ، لا فرق بين الشيعة و السنة الان و بعد هدوء العاصفة ، ، ! الفرق بسيط جدا ، حادث انتحار عابر يتسبب في مصرع كم مئة من المسلمين ، من قال انهم مسلمون ؟ – انهم شيعة – 0
ها ها ها ، اعذروني فقد تذكرت اول سؤال وجهه لي امام الجامع في الاردن في خضم التعارف حيث الاسبوع الاول لي هناك هاربا من بلد العاصفة ، قال لي هذا الشيخ الذي يصلي وراءه المئات من الناس : ( انت شيوعي ام مسلم ؟ ) لم افهم معنى سؤاله بادئ الامر ، و سالت نفسي ما علاقة الشيوعية بالاسلام ؟ ، ضحكت كثيرا حين اجابني الاستاذ الدكتور علي عباس علوان حينها قال : انه يقصد
( انت شيعي ام سني ؟؟؟ ) 0
قابلته في اليوم التالي و قلت له انا شيعي و من نسب رسول الله ، انتفض و استنكر و قال ( رسول الله لن ينجب ) قلت له : و كيف انجب ملككم الهاشمي ؟؟؟ الذي تنادونه يا ابن الرسول ؟ و حين قلت له ان اسمي حميد ، قال : ان من سماك حميد فهو مشرك ، لان الحميد اسم من اسماء الله و كان المفروض ان يسميك ” عبد الحميد ” ، قلت له : و ( النور) ايضا اسم من اسماء الله ، لماذا لا تغيرون اسم ملكتكم ( نور ) الى عبدة النور مثلا ، بعدها بيومين لفقوا لي تهمة مخالفة الاقامة و اودعوني في السجن ، لولا ان المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الامم المتحدة تدخلت في اخلاء سبيلي و الاسراع بتسفيري الى استراليا .
العاصفة كانت قبل ” سنوات الحريق ” التي تنبأ بها الروائي الكبير الاستاذ حمزة الحسن ، هذا الصديق الذي عرفته في عاصفة خاصة كانت تثار و تعصف ثم تسكن لتهب من جديد في اعصاب حمزة ، الذي حمل في حقيبته رسائل كانت تصله حين زارني الى الاردن خلال تموز/ عام 2002م ، ضكت ايضا حين قرات ما كان يكتب لحمزة ذلك الصعلوك خازن العاصفة – ان أجيزت التسمية – لان خازن العاصفة اشد قسوة من خازن النار يوم تقوم القيامة و نكون كلنا هناك طالبي لجوء لن يمنح لاحد منا ابدا ، و قهقهت حين عرفت انه مناضل و اديب كما يدعي 0
ذلك المارد الذي كان يعلق الجميع على اكتافه اخطاءهم الموروثة من الزمن القديم ، الرجل هذا بعيدا عن مكان عيشي اليوم ، هذا المكان الذي وصلته مضحيا بالكثير ، طالبا الحرية و الديموقراطية و العدل الانساني قبل السلطوي ، الناس هنا تختلف عن الناس هناك ، و حتى الطيور و الاشجار و الكلاب ، الطيور هنا امنه مستقرة ليست مذعورة و لا مستفزة ، لا تطير حين يمر خلال تجمها اي بشر ، و الكلاب ودودة جدا ، و الاشجار كريمة و صلبة و خضراء يانعة ، الابتسامة العريضة بدلا من حادث انتحار بطولي ، الشرطة في خدمة الشعب لن اجد لها اية يافطة على اي مخفر للشرطة هنا ، لكني حين اضعت الطريق في سيارتي وجدت فورا رجل شرطة يتطوع في ايصالي الى باب بيتي بعد ان اعطيته العنوان
( الحقيقة كانت امراة تقود سيارة الشرطة و تجوب الشوارع بحثا عن شخص بحاجة الى اية مساعدة ) 0
و لكن : هنا ايضا وجدت نفر من اولئك الذين رمتهم العاصفة في بقاع الدنيا ، اعتقدت ان للمكان تاثيراً مباشراً على سلوكياتهم الان و انهم بالتاكيد تعلموا شيئا ما من هؤلاء الناس ، وجدت ان الطبع يغلب التطبع ، ، قيل و قال ، نميمة ، شغب ، تجارة باسم الدين ، ادعياء ، مغالات ، مكاتب لتزوير شهادات التخرج و اجازات السوق و غيرها ، و ( تقارير ) ، تقارير ،،، تقارير هنا ايضا ، ، !
سكنت العاصفة كما يقولون و هرب المارد الجبار ملك الجان الذي لن يستطع احد في بقاع المعمورة معارضة ما يقول او يريد ، و صمت التطبيل و التزمير و توقفت دبكات النشامى على هوسات المهوال المداح ، و سكنت قباب صدور خالاتنا و عماتنا و نساءنا بعد ان اعياهن الاهتزاز اثناء الرقص كل مرة يمر بها المارد او يزور قرية هنا و هناك ،، ! لكن عاصفة النفوس لن تسكن بعد ، و سوف لن تسكن الى الابد ، لان الداء في داخل النفس البشرية ذاتها ، و ليس في قوة المارد ، كان اهلنا ينتظرون المساء و ظهور القمر ليشاهدوا وجه الزعيم و سدارته في قرص القمر ، و المعلم الذي سلب ” يوميتي ” ايام الابتدائية و كنت جائعا جدا و اعد الدقائق كي ينتهي الدرس لاشتري ( لفة عمبة ) من عربة البائع الواقفة على باب المدرسة ، لكن المدرس أخذها مني بدل صورة الزعيم التي يتوجب على كل طالب منا ان يضعها على سترته في المدرسة , التقارير التي كنا نتبادلها فيما بيننا ، تلك التقارير التي كان يكتبها الابن على ابيه و الزوجة على زوجها و بالعكس طبعا ، لم انس ذلك الاب المقدام الذي قتل ابنه لتغيبه عن معاركة المسلمين في ايران ، لم انس ابدا كيف كان يجلس مزهوا فخورا في حضرة المارد ، و كيف كان يقشعر سعادة للمسات المارد على ظهرة الهزل الحقير ، قال له (( عفيــه )) فابتسم فخورا 0
أو تلك المراة الريفية التي زارها المارد و سماها الخنساء الثانية ، تلك المراة قدمت ثلاثة قتلى في معاركة مسلمي ايران ، قال لها القائد انت “خنساء” بفقدان اولادك ، ردت عليه باسمة فرحة ( فدوة القندرتك سيدي ) أكيد هم ” فدوة لقندرته ” و لو كانوا ذوي قيمة اكبر من قندرة القائد لما قالت ذلك ، و ليس في هبوب العاصفة تلك ، و ليس ايضا في قوة و بطش المارد الجبار ، ذلك الطنطل الذي كان يخيف كل الناس ، علمونا ان نخاف منذ القماط و حتى السعلوة و الطنطل ، علمونا كي نسكت ، يهددوننا بالشرطي او ( الواوي ) حين نبكي في الصغر ” تسكت لو اصيحلك الواوي ” و حين يبكي طفلنا تنادي أمه بصوت عال ” تعال يالطنطل اكل حمودي ” فيسكت حمودي رعبا و خوفا من أن يلتهمه الطنطل ، و حين كبر حمودي و اصبح رجلا صار يتصور ان كل قوي في هذه الدنيا
( طنطل ) و يخافه حد السكوت و البكاء وحد الموت من الرعب احيانا ، هكذا علمته امه ، و حين تسال حمودي الكبير عن سبب خوفه يقول لك على الفور انا لا اخاف و لكن ( التقية واجبة ) ما هي التقية ؟ ؟ 0
و لماذا لا نتقي الله في بعضنا قبل ان نتقي بطش الاقوياء ؟؟؟؟
* شاعر و كاتب مقيم في استراليا