22 ديسمبر، 2024 7:31 م

ستراتيجية الرعب بين ايران واميركا وحلفائهاالخليجيين – 2

ستراتيجية الرعب بين ايران واميركا وحلفائهاالخليجيين – 2

الستراتيجية الايرانية : ترى ايران في نفسها دولة قائدة طبيعية في المنطقة ، كانت هذه هي تطلعاتها منذ عهد الشاه واستمر في العهد الثوري وان اختلفت المنطلقات والاهداف . القادة الايرانيون لطالما صرحوا أن لايران رسالة وان بروزها كدولة اقليمية كبرى ولاعب دولي امر اساس لتحقيق هذه الرسالة ويدعمها في ذلك ثقلها السكاني والجيوسياسي وكقائدة للمذهب الشيعي في العالم الاسلامي …هذا التوجه يصطدم بالموقف الايراني الخليجي العربي العامل على الحد من خدم العراق بنجاح هذا الاسلوب خلال معركة الخليج الاولالقومي. لذا عملت ايران على استغلال الفرصة التي وفرها الغزو الاميركي لافغانستان وبالاخص غزو العراق وغباء الادارة الاميركية في ادارة ملف العراق مابعد الاحتلال لتتمدد ستراتيجيا في المنطقة واقامة نحالفات قوية مع حلفائها في العراق ولبنان وسوريا وفلسطين وليمتد نفوذها من افغانستان الى شمال افريقيا وحتى مع دول في اميركا اللاتينية مثل فنزويلا وكوبا …ناهيك عن تعزيز حضورها المسستتر والعلني داخل دول الخليج نفسها.
  هذا التمدد الستراتيجي والمذهبي  اصاب دول الخليج وحلفائها العرب واميركا بالطبع بالخوف مما جعل الاولى تزيد من وتيرة تسليحها ومحاولة تقويض أمن حلفاء ايران التقليديين في سوريا والعراق ولبنان وغزة …لذا تشعر ايران انها محل تهديد حقيقي لأمنها القومي خاصة من الحضور العسكري الاميركي القوي في الخليج وحوالي المنطقة .
التمدد الستراتيجي الايراني ومجابهة التهدي الاميركي اذن بحاجة الى قوة عسكرية لدرئه وردعه…ولما كانت ايران واعية لتخلفها العسكري التقليدي مقابل اميركا وحلفائها الخليجيين ، فقد عملت على موازنة هذا النقص بوسائل واساليب غير تقليدية . بناءا على ذلك اخذت ايران بتطوير وسائل واساليب قتال خاصة تم دمجها بعقيدة قتال غير نظامية . اساس هذه العقيدة بناء قوات مسلحة بهجين من الاسلحة الرئيسية والصغيرة مدربة وقادرة على اباع اساليب حرب غير نظامية تتجنب المواجهة مع القوات المعادية المتفوقة عليها نوعيا عن طريق القدرة على الحاق خسائر غير محتملة بها وبحلفائها الخليجيين وفي حالة تصعيد النزاع فبامكانها استخدام وسائل ردع قوية ( الصواريخ ) .
   مع ان هذه الاسلحة والتكتيكات غير قادرة على احراز نصر حاسم في صراع مباشر لكن تجعل مواجهتها صعبا خاصة ان استخدامها السريع في بيئة الخليج ضد قوات تقليدية كبيرة لا يعطي الاخيرة وقت انذار كافي للرد . معالم هذه العقيدة القتالية غير النظامية هي  :
1.اسلحة متنوعة من منظومات صواريخ مضادة للسفن جوية وساحلية وبحرية بمديات طويلة قادرة على اصابة حركة الملاحة بالشلل وتهديد السفن الحربية الكبيرة المعادية ….فالهدف الرئيس لايران هو اعاقة حركة الملاحة وخاصة النفط ليشكل ذلك عامل ضغط عالمي لوقف اي هجوم عليها .
2.غلق الخليج العربي بواسطة الهجمات من القوارب الصغيرة على الناقلات وبث الالغام الطافية ( استخدم العراق هذا الاسلوب بنجاح خلال معركة الخليج الثانية ) ، وبقع الزيت .
3. الهجمات بواسطة المراكب الصغيرة المسلحة بالمدافع والصواريخ قصيرة المدة وانزال مجموعات التخريب ضد الاهداف الساحلية الحيوية على الساحل العربي .
4.استخدام الضربات الجوية والصاروخية في ضرب اهداف مهمة في العمق. واستخدام الغواصات لتهديد الملاحة البحرية خارج مضيق هرمز واستخدام الغواصات الصغيرة في احكام اغلاق المضيقلا وفي العمليات الخاصة ضد السفن والاهداف على الساحل ومقابله .
5.الاستخدام المكثف للطائرات المسيرة في شتى اغراض القتال والااستطلاع والمراقبة تعويضا عن النقص في الطائرات المقاتلة .
6.استخدام قوة القدس في العمليات الخاصة داخل دول الخليج واثارة الشغب والاضطرابات بواسطة الخلايا النائمة المرتبطة بها للاخلال باستقرار هذه الدول .
7. استخدام الصواريخ البالستية كسلاح اخير للردع والتدمير الذي ستكون نتائجع مروعة على دول الخليج ذات البنية الاجتماعية الهشة .
البرنامج الصاروخي الايراني : يمثل الجزء الاساسي للحرب غير النظامية ومتوافق معها وتزداد اهميته اذا ماتم جعله نوويا ( وهو اهم ما تخشاه اميركا واسرائيل وتسعى الى تفكيك البرنامج النووي السلمي لئلا يصبح عسكريا في مرحلة لاحقة ) . طورت ايران برنامجا ضخما للصواريخ بدا منذ منتصف الحرب مع العراق ثم اخذ ابعادا اكبر منذ نهايتها للتعويض عن النقص في الوسائل الحربية والعمل كبديل لها مما يشكل قوة ردع لدول الخليج واميركا اذا ما حاولتا توسيع مستوى النزاع على الحرب اللانظامية التي تشنها ايران . باختصار يتضمن هذا البرنامج الاتي :
1.صواريخ الميدان : هي صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى (لغاية 100 -300 كم ) الا انها كافية بسبب الامتداد الطويل لايران على طول الساحل الشرقي للخليج على اصابة اكثر الاهداف الخليجية على الساحل والابعد منه الى الداخل . أغلب هذه الصواريخ صناعة ايرانية عن نسخ شرقية مثل الراجمات توندار 69 واونجاب ونازعات وزلزال وفتح 110 وكذلك الصواريخ المضادة للسفن طويلة المدى التي تطلق من الساحل ( نسخة صينية ) مثل خليج فارس ورعد
2 الصواريخ البالستية بعيدة المدى. وتشتمل على منظومات عدة منها ماهو من قواعد ثابتة ومن قواعد متحركة ( وهي الاكثر خطورة ) واهمها صواريخ شهاب 1 و2 و3 يمديات تصل الى 2000 وحتى 3000 كم قادرة على الوصول الى اسرائيل والى كل تركيا والسعودية  ووسط اوربا .
  المهم في سلاح الصواريخ هو الدقة ، وبما ان هذه الصواريخ مطورة عن نسخ روسية وصينية قديمة قليلة الدقة ( لانها صنعت اساسا كصولريخ ميدان لضرب منطقة بمساحات معينة وليس اهدافا نقطوية او صغيرة ) ورغم جهود ايران في تحسين دقتها واساليب توجيهها الا انها تبقى اسلحة منطقة وبالتالي اسلحة رعب وتهديد وليست اسلحة تدمير ضد اهداف محددة الا اذا تم تسليحها برؤوس كيمياوية او بيولوجية او نووية .
ان نشر منظومات الدفاع الصاروخي في دول الخليج لن يحيد الا جزء صغير من هذه الصواريخ خاصة اذا تم اطلاقها بكثافة بسبب صعوبة تغطية كامل مساحات هذه الدول بمنظومات كافية ( سيقتصر تغطيتها على محاور وليس مساحات ) وقصر مسافة الطيران من ايران ايها ( يقلل وقت رد الفعل ضدها ) وعليه فان سقوطها داخل المدن والمناطق الحساسة له نتلئج خطيرة على الحالة المعنوية للسكان .اما بالنسبة لاسرائيل فبرايي ان التاثير سيكون اقل بكثير لان عدد الصواريخ الواصلة بسبب المدى البعيد سيكون اقل ومساحة اسرائيل الصغيرة يمكن تغطيتها بالدفاع الصاروخي اضافة الى طول الوقت المتيسر لرد الفعل (حيث ستقطع الصواريخ مسافة 2000 كم بفترة لا تقل عن 10 الى 15 دقيقة ) . مع ذلك فان اكتظاظ اسرائيل بالتجمعات السكانية والصناعية فان سقوط 30 -50 % من 200 صاروخ على الاقل سيكون له اثر معنوي مدمر علاوة على الخسائر البشرية التي لا يتحملها الكيان الاسرائيلي .
الستراتيجية الاميركية : للولايات المتحدة مصالح حقيقية في المنطقة يمكن تلخيصها بثلاث رئيسية : ضمان استمرار تدفق النفط لان توقفه من الخليج سيرفع سعره الى مئات الدولارات فيؤثر على الوضع الاقتصادي للعالم خاصة لحلفائها اليابانيين والغربيين ، ضمان امن حلفائها الخليجيين المرتبطين معها امنيا وعسكريا وتجاريا ، وامن اسرائيل . لذا ترى في الهيمنة الايرانية بخطها الراديكالي والتصعيد المذهبي عامل زعزعة لمصالحها في الشرق الاوسط علاوة على 34 سنة من العداء وعدم الثقة المتبادلة معها .
  التهديد الايراني في رأي المحللين العسكريين الاميركيين ( حسب ما ينشر في مراكز البحوث الاميركية ) له امكانية محدودة على ايقاف الملاحة في الخليج لفترة محدودة … ورغم قدرة ايران على تنفيذهجمات واطئة الشدة لفترة طويلة امر مشكوك فيه ( الهجمات الواطئة الشدة هي الهجمات التي لا ترقي الى مستوى المواجهة الشاملة كعمليات التخريب والقصف والهجمات المحدودة تجاه اهداف منفردة – الكاتب ) بسبب قدرة القوات الاميركية على اضعافها . …لكن براينا اذا استخدمت ايران خليط من القوات والاساليب غير النظامية (خاصة الحرس الثوري ) فلا مناص لاميركا وحلفائها الا ان ترد بتصعيد النزاع الى مستوى الحرب الشاملة .
تقوم الستراتيجية الاميركية على المستوى العالمي بمنع ايران نت امتلاك قدرات نووية او اسلحة وتقنيات عسكرية متطورة بفرض حظر شامل عليها وعلى اية شركات تتعامل مع ايران …ثم تقييد امكانيات ايران على التسلح والبناء النوعي عبر العقوبات الاقتصادية التي تستخدم ايضا كوسيلة للضغط السياسي وهو امر بدى مفعوله واضحا من خلال تناقص صادرات ايران من النفط الى اقل من 1.5 مليون ب/ي نزولا من 3 مليون واكثر .
اما على الصعيد العسكري فتسعى اميركا الى استغلال تفوقها النوعي والتسليحي الكبيرلاحتواء الهجمات الايرانية التي قد تتمكن من اغلاق الخليج لمدة 3 ايام على الاقل ، قبل ان تتمكن اميركا وحلفائها الغربيون والمحليون من الرد الحاسم وفتح المضيق ، في حين يتطلب الامر 10 ايام اضافية لتدمير القدرات الايرانية البحرية والعسكرية والساحلية الهجومية . التخطيط الاميركي رغم دقته فقد تعودنا ان الحسابات المجردة لا تؤدي دائما الى النتائج المتوخاة ( حسب تجربتنا نحن مع الاميركان في حربين كبيرتين ) فقد تؤدي الهجمات بازوارق الصغيرة ضد السفن الكبيرة وسلاح الالغام العائمة وبقع الزيت وتدمير ابار النفط العائمة الى تعقيدات كبيرة قد يستمر تاثيرها لفترة طويلة كافية بارباك الاقتصاد العالمي والموقف السياسي والعسكري .
تعي ايران ان تصعيد الحرب في الخليج سيعني ايضا حرمانها من صادراتها النفطية الحيوية لها ، من هنا ستحاول الابقاء على الشدة الواطئة للنزاع والاكتفاء بالتهديد والتلويح بالردع الصاروخي ، وعند الحاجة باشتباكات محدودة لاظهار القوة …لكنها عند تصاعد النزاع ليس لها الا ان تستخدم كامل قدراتها واللجوء الى استخدام الصواريخ معولة على هشاشة البنية الجيوسياسية لدول الخليج التي ستسارع الى الطلب من اميركا لمنع التصعيد ( ستراتيجية الابتزاز) .
نخلص ان للطرفين الرئيسيين ايران واميركا اهداف متباينة بالمنظور الستراتيجي ولكل منهما ستراتيجيته التي يعي كل طرف مدى خطورتها عليه لذا بقي النزاع لفترة طويلة ضمن المسموح به في حين تجري الحروب خارج هذا النطاق بالنيابة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين … لكن لا ضمانة نهائية لوضع الستاتيكو هذا لانه في النهاية سيؤدي الى تصادم اللاعبين الاصليين مباشرة …وهو تصادم سيشمل قوى اخرى فاعلة اقليمية ودولية ويؤدي الى نتائج تغير خارطة المنطقة … وهذا ما سنبحثه في الحلقة الثالثة .