22 ديسمبر، 2024 7:35 م

ستراتيجية الرعب بين ايران واميركا وحلفائها وسيناريوهات الحرب – 3

ستراتيجية الرعب بين ايران واميركا وحلفائها وسيناريوهات الحرب – 3

اللاعبون الاقليمين المنغمسون في الصراع الايراني الغربي الخليجي يمثلون طيفا واسعا من اتجاهات مختلفة لكن توحد بينهم اهداف واحدة مذهبية وسياسية وعسكرية ، واهم هؤلاء :
اسرائيل : جاء على لسان رئيس الاركان يعالون ” ايران تمثل خطرا وجوديا لدولة اسرائيل ” من هنا نفهم الاندفاع الكبير لاسرائيل في معاداة ايران والعمل على تفكيك عوامل قوتها الاقليمية والاتفاق الستراتيجي الامني ( ولو بالخفاء مع دول الخليج ومع المعارضة المسلحة السورية واطراف فلسطينية ) .
ولعل الموضوع الوحيد الذي يتفق عليه كل الاسرائيليون هو ضرورة وقف البرنامج النووي الايراني وان اختلفوا قليلا في طرق تنفيذ ذلك . فاسرائيل ساهمت بفعالية ( مع اميركا ) في ايقاف طموحات ايران النووية والعلمية ( تماما كما فعلت مع العراق ) عبر اغتيال علماء ايرانيين وتسريب فايروسات الحاسبات ( مثل ستينكست وغيره ) في حواسيب المفاعلات الايرانية …ثم الاعداد الكامل لمهاجمة المنشآت النووية الايرانية عسكريا حتى ولو بشكل منفرد دون مشاركة اميركا ..فقد اصبحت لدى اسرائيل الطائرات ذات المدى اللازم للضربة وقنابل ذكية زودتها بها اميركا قادرة على ضرب تحصينات على عمق 60 و100 متر واكتمل تدريب طواقم الضربة وتم تحصين الجبهة الداخلية تجاه الرد الصاروخي الايراني ..كما لدى اسرائيل غواصات هي الاشد تطورا في العالم ( زودتها بها المانيا ) من نوع ” دولفين ” قادرة على الاقتراب من الساحل الايراني في بحر العرب واطلاق صارخ جوال بحشوة نووية تكتيكية ( طورته اسرائيل بنفسها ) للمشاركة بالضربة .
   كما استطاعت ايران وضمن اتفاقات امنية من تامين مرور طائراتها عند الحاجة فوق الاردن والسعودية وحتى تركيا ..اما العراق وهو الطريق الاقصر للطائرات للوصول الى الاهداف فلا تحتاج اسرائيل الى اذن مسبق لافتقاده وسائل الرصد والتصدي .
   مايوقف اسرائيل حتى الان من تنفيذ ضربتها امران : عدم وصول البرنامج النووي الايراني الى الخط الاحمر الذي عينه نتنياهو في خطبته في الامم المتحدة هذا العام ، وثانيهما الضغط الاميركي الغربي الذي يمنعها من ذلك لاقتناع الغرب بمخاطر ذلك في ظل انشغال اميركا بحروب افغانستان والعنف في العراق وسوريا وخطر التطرف الاسلامي المتنامي ولافساح المجال للحوار والعقوبات التي بدات تؤتي ثمارها مؤخرا بعد انتخاب روحاني وسعيه الى تقديم تنازلات معينة مقابل رفع العقوبات ….مع التلويح ببقاء ” خيار الحل العسكري على الطاولة ” كما قال اوباما .
…وينبغي العلم ان اسرائيل لا تمتلك القدرات اللازمة لضرب كامل الاهداف الايرانية ذات الصلة ببرنامج ايران النووي والصاروخي مما يعني جر اميركا الى الحرب وهو مالا ترغب به اميركا حاليا على الاقل .
   ولا تبدو القدرات الايرانية قادرة على صد ضربة اسرائيلية تستخدم نقنيات فائقة القدرة  وبما ان قدراتها في الحرب النظامية غير مؤثرة نجاه اسرائيل البعيدة ، لذا تعتمد على الردع الصاروخي وتوسيع نطاق الحرب ضد الاهداف الخليجية والاميركية في المنطقة …وان تسليح صاروخ شهاب 3 برأس نووي سيكون الرادع الوحيد لاسرائيل ، لذا تريد اسرائيل انهاء ” اللعبة ” قبل الوصول الى هكذا كابوس .
تركيا : برز الدور التركي مع وصول حزب اوردوكان للسلطة وسعي ادارته تطبيق ستراتيجية اوغلو ( وزير الخارجية ) النيوعثمانية وملخصها ان تركيا بحجمها وقوتها العسكرية وتاريخها قادرة على قيادة المنطقة انطلاقا من تزعمها عالما السني الغالب ، ويجد هذا الطرح تأييدا كبيرا في ظل الشحن الطائفي الستي الشيعي …مع ان هذا الدور التركي المرغوب غربيا ( لاعتداله اسلاميا مقارنة بباقي الطروحات الاسلامية ) يصطدم مع طروحات الهلال الشيعي ومع الطموح السعودي لقيادة المنطقة باسم الاسلام السني السلفي . لذا تكون حلف اخواني تركي قطري مصري ( في عهد المخلوع مرسي ) والمجلس الوطني السوري المعارض الذي يسيطر عليه الاخوان وباقي الاحزاب الاسلامية الاخوانية في العراق وتونس وغيرهما .
حققت تركيا نفوذا كبيرا لها في العراق والخليج وسوريا ( المعارضة ) وباقي دول العرب وهو نفوذ متلائم مع دور القائد السني للمنطقة ، وعملت مع الدول العربية على تقويض مايسمى ” الهلال الشيعي ” عبر البوابة السورية والعراقية والاردنية … ومن ناحية اخرى تشعر تركيا بالقلق من البرنامج الصاروخي الايراني وبرنامجها النووي ( مما ادى الى طلبها بطريات بتريوت من الناتو والشروع في عقد صفقة ضخمة مع الصين لمنظومة دفاع صاروخي بـ3مليار $ ) .
   مع كل ذلك تجنبت تركيا بذكاء الدخول بمواجهة مباشرة مع ايران لان مثل هذه المواجهة تكلفها كثيرا اقتصاديا ( ميزان التجارة بين البلدين حوالي 30 مليار$ ) وامنيا عبر قدرة ايران على اثارة الاقليات الكوردية والشيعية داخل تركيا . لذا بقيت المواجهة غير المباشرة تدور في العراق وسوريا وغيرهما .
العراق : الاحتلال الاميركي جرد العراق من وسائل تاثيره العسكرية وجعل منه قزما سياسيا غير مؤثر في محيطه العربي والاقليمي وبدلا من دور القائد ارتضى بدور التابع او المحايد في احسن الظروف حتى تجاه امور لها تناثير خطير في امنه الوطني ….لكن يبقى موقع العراق حاسما في المشهد الجيوسياسي في المنطقة الامر الذي حوله الى ساحة صراع رئيسية لايران وتركيا ودول الخليج واميركا اضافة ال القاعدة ….فسقوط العراق بيد هذه الجهة او تلك هو نصر ستراتيجي في اللعبة الستراتيجية الاقليمية .
فالعراق بالنسبة لايران هو ظهيرها المهم والدرع الامامي تجاه هجمات الغرب ومعبر حيوي للاتصال الجغرافي مع حلفائها في لبنان وسوريا وفلسطين …فوجود حكومة موالية لها فيه امر في غاية الحيوية وهو ماتعمل على ادامته مهما كانت الكلفة …وسقوطه بيد المعسكر الاخر او سيطرة هذا المعسكر على اجزاء منه في الغرب والشمال والوسط يخلق تهديدا حقيقيا لحلفائها ويقرب الخطر من حدودها ويفقدها امتداداتها الستراتيجية الى الغرب .
  اما المعسكر التركي الخليجي فيعني اسقاط العراق اسقاط خط الدفاع الامامي واوحيد لايران ومن ثم احاطة ايران بفكي كماشة من الشرق والغرب بعد ان يسهل سقوط حلفائها . وبسبب انعدام الامكانات العسكرية وضعف السياسة الخارجية واضطراب الاوضاع الداخلية المحتقنة بسبب السياسات الامنية والادارية الداخلية الخاطئة ، سيبقى وضع العراق مضطربا غير قادر على الدفاع عن نفسه تجاه التدخلات الخارجية القوية من تركيا وايران ودول الخليج …وان اية مجابهة عسكرية بين ايران ومنافسيها سيدفع العراق ثمنها لاسباب عديدة لم تعد خافية على احد .
الاستنتاجات : مما تقدم من الحلقات الثلاث والتي لا يمكن باي حال ان تحيط بكل الموقف الستراتيجي لان ذلك يحتاج الى دراسة واسعة لكن حاولنا تلخيص مايمكن وأن نخرج بالاستنتاجات الاتية .
1.أخرج الغزو الاميركي العراق من دائرة توازنات القوى في المنطقة وهو الذي حافظ لوقت طويل على منع التمدد الايراني وابقى دور ايران الاقليمي بحدود مقبولة . هذا من جهة كما عملت القوة العراقية على لجم دول الخليج من الشطط في سياساتها التي اخذت بالاستشراس لتسقط الحد الادنى من مشتركات الامن القومي العربي  لصالح صراعات طائفية واقليمية مزقت الوطن العربي ونقلته الى مرحلة انعدام الوزن وبالتالي ضرب مراكز القوة العربية الاساسية التي كان لها الوزن الاكبر في السياسة العربية والاقليمية كالعراق ومصر وسوريا لصالح مشيخات خليجية صغيرة ليس لها بعد ستراتيجي او رؤيا قومية بقدر مايهمها الحفاظ على انظمتها . ومع ذلك وبسبب ما اوجده الاحتلال والسياسات الحكومية اصبح العراق جزء من صراع اقليمي يمزق وحدته ويقتل شعبه ويغلق ىفاق مستقبله .
2.تحولت قيادة العمل العربي الى ناحية الخليج والسعودية تحديدا وبسبب ضيق النظر وهشاشة الانظمة العائلية التي تحكمها فانها تحاول استبدال الصراع القومي مع الصهيونية والصراع من اجل الديمقراطية الى صراع مذهبي مناطقي مجسدة ايران ومن يتحالف معها على انها العدو مفتتحة بذلك مرحلة جديدة من الصراعات التي تمزق العالم العربي من الداخل تضعفه وتهمش دوره الاقليمي ومن ناحية اخرى فان هذه الدول منخرطة في سياسات تحالفات دولية وتتنافس فيما بينها على الادوار …فاختلفت على السياسات والاهداف وهو ما يضعف موقفها واصبحت كل منها يبحث لنفسه عن دور مستقل بعيدا عن الهيمنة السعودية على مجلس التعاون…ولم يعد مجلس التعاون بمؤسسة صالحة للعمل وسنشهد انتهائه قريبا .
3.التسليح الخليجي الضخم ليس بامكانه حماية دول الخليج بسبب تشتتها وانعدام الثقة بينها والخلافات القبلية التي تمنع تواصلها وضعف بناها الاجتماعية …في ظل هكذا وضع فالمجابهة مع ايران ستلحق بها افدح الخسائر ن لذا ستبقى بحاجة الة حماية الغرب خاصة اميركا مقابل اثمان باهضة سياسية وامنية واقتصادية …واي كلام عن اختلاف خليجي سعودي مع اميركا هو نوع من الضحك على الذقون .
3. القدرة العسكرية الايرانية لا يمكن ان تشكل تهديدا خطيرا على دول المنطقة في اي نزاع بوجود الحامي الاميركي ، لكن قوة ايران تكمن في الحروب الغير نظامية التي يمكن ان تشنها من الخارج ومن الداخل التي من شانها التاثير على امن دول الخليج داخليا وهو الخطر الاشد الذي يتهدد هذه الدول اكثر من اي خطر اخر .
.4.اي سيناريو لحرب شاملة بين ايران واميركا وحلفائها غير منظورة في الامد القريب والمتوسط لحساسية الاطراف كلها لمثل هكذا حرب تؤثر فيها اقتصاديا وامنيا وسياسيا واجتماعيا دون تحقيق نتائج حاسمة ….فلا ايران تستطيع اسقاط انظمة الخليج واحتلالها بعمليات التخريب والتدمير من الخارج ، واميركا لا تفكر باحتلال بري واسقاط الحكم في ايران مهما اشتدت ضرباتها تجاه الاهداف الايرانية التي لا تهدف الا الى اضعافها وردعها …ولا تركيا براغبة في دخول نزاع مسلح مع ايران وهي التي احجمت عن دخوله مع جارتها الاصغر والاضعف سوريا .
5.اسرائيل الوحيدة التي يبدو انها تستطيع الخروج من المحرقة سالمة او بخسائر طفيفة اذا ماهاجمت ايران … ويبقى قرار الضربة رهنا بموافقة اميركا والغرب  .
6 وعليه فان الخطر الايراني ، ومعه مخاطر المجابهة السلبية او واطئة الشدة بين ايران ومنافسيها الاقليميين لا تاكل الا من جرف الدول العربية المحصورة بين نيران المتقاتلين او حروب النيابة وتداعيات تاجيج الصراع المذهبي وضحايا هذه الحروب التي تدار بالمال والاعلام والارهاب على الارض العراق وسوريا وفلسطين وقد يصيب مصر ودول عربية اخرى .
7.تستفيد اميركا من اتساع الحلف الذي تقوده ضد ايران وبامكانها استنزاف ايران اقتصاديا بالعقوبات او بتوجيه ضربات حاسمة ضد الاهداف العسكرية والاقتصادية الايرانية مما يحول ايران الى حال العراق في التسعينات ، لذا فالقيادة الايرانية تسعى تجنب هكذا سيناريو عبر صفقات دبلوماسية وتنازلات محسوبة ستظهر مستقبلا مما يعني انتصار التيار الاصلاحي الواقعي على التيار المحافظ المعاند .