22 ديسمبر، 2024 7:05 م

ستراتيجيات الرعب وحتمالات الحرب بين ايران واميركا وحلفائها الخليجيين – 1

ستراتيجيات الرعب وحتمالات الحرب بين ايران واميركا وحلفائها الخليجيين – 1

 يمكننا تصور المشهد الستراتيجي الاقليمي الحالي كالاتي : هناك تحالف خليجي ( بالاساس سعودي اماراتي بحريني) –تركي – (متوافق مع اسرائيل في الستراتيجيات )عنوانه الرئيس : لنركن على الرف كل النزاعات الداخلية والاقليمية بما فيها حقوق الشعوب وفلسطين والديمقراطية والنزاع العربي الصهيوني وان نركز فقط على ” الخطر الايراني “( من منطلقات ستراتيجية ومذهبية تحوم حول النفوذ ومحاولة تطويق تداعيات مايجري في العالم العربي وتغيير مساراتها لمصلحة هذا التحالف)…ومن اجل ذلك يجري تصعيد اوار الصراع المذهبي كأداة لتحشيد الاتياع وشحن النفوس ، وتمويل الحرب في سوريا والضغط على حلفاء ايران في لبنان وتصعيد الارهاب في العراق واحتواء التغيرات في مصر وغيرها.
   وفي سبيل ذلك انتقلت دول الخليج من الانتقاد الدبلوماسي الخجول لايران الى التصريح العلني بمعاداة ايران  وشن حملة سياسية واعلامية واسعة  “لشيطنة “ايران والهجوم غير المسبوق على كل من يتعامل معها او يصادقها ….وتستثمر في ذلك امكانات سياسية واعلامية واستخبارية ومالية هائلة عنوانها الرئيسي ” الخطر الايراني ” وهلاله الشيعي الممتد منها الى البحر المتوسط مرورا بالعراق وسوريا ولبنان وغزة …واثمر هذا الهجوم حتى الان في جعل دول كالعراق ومصر وسوريا ولبنان ساحات لصراعات دموية تنذر بتدمير وحدة البلدان والشعوب وفقدان الامل في المستقبل ناهيك عن سقوط مفهوم الاخوة القومية العربية ليحل محله الصراع المذهبي ، وتحول العرب الى قبائل ومذاهب ودويلات متنافرة مشحونة بالحقد والكراهية على بعضها البعض .
   في ظل هذا المشهد المربك وما يتداخل معه من مواقف وتطورات لا بد من الوقوف على حقيقة ” هل هناك خطر ايراني حقيقي على العرب ، وما يمثله ذلك من تهديد ، وما هي امكانات ايران في التأثير ، ومواقف كل اللاعبين الرئيسيين من هذا الموضوع وهم دول الخليج واميركا واسرائيل وتركيا بالاضافة الى العراق وسوريا وحزب الله ، وهل يمكن للصراع المذهبي والصراع ضد ايران وحلفائها ان يحقق امن الخليج وتاثيرذلك في العالم العربي ؟
المدخل للتعرف على ذلك يكمن في الدراسة الموضوعية لميزان القوى العسكرية  وغير العسكرية لايران وخصومها ، باعتبار ان هذه القدرات هي التي تحسم اي صراع  في بيئة التهديدات الحالية والمحتملة .
    تبلغ الموازنة العسكرية الايرانية لعام 2012 حوالي 9.174 مليار $ ( في تخمينات اخرى 8. 7 مليار جميع الارقام التي سترد في الدراسة ماخوذة من تقديرات مراكز بحوث الستراتيجية والتسلح العالمي المعتبرة في ستوكهولم ولندن وواشنطن) ، وهذه اكبر ميزانية عسكرية في تاريخ ايران حيث لم تزد في عام 2010 عن 7 مليار وذلك بسبب اندفاع ايران الى زيادة قدراتها العسكرية خاصة في مجال الصواريخ والدفاع الجوي بعد تزايد التهديدات الاسرائيلية . ومعدل الانفاق العسكري هو بمعدل 102 $ لكل نسمة ،وهو الاقل في منطقة الخليج . بالمقابل انفقت دول الخليج خلال 30 سنة الاخيرة حوالي 1900 مليار $ على شراء الاسلحة والبناء العسكري ، وصفقة اليمامة السعودية مع بريطانيا لوحدها تكلف 60 مليار $ . ودولة ضغيرة مثل الامارات اشترت اسلحة ب 10 مليار $ في عام واحد(2012 ) . ولا غرابة في ذلك فشراء الاسلحة وبكلف عالية اعلى من سعرها الحقيقي هو جزء من ضريبة تدفعها دول الخليج الى الدول الكبرى المجهزة ثمنا للحماية والدعم الامني والسياسي لانظمتها.
   وبعيدا عن الدعايات التي تروجها ايران فهي غير قادرة على مجاراة التسلح الخليجي الضخم كما ونوعا ، ناهيكعن القدرة الاميركية في المنطقة . فهي مازالت غير قادرة على اقامة صناعات حربية وفق المعايير الحديثة  تفي بكل متطلباتها لاسباب مالية وتقنية ناهيك عن العقوبات التي تمنع ايران من اي تسلح نوعي كبير . ويتبين ذلك من مقارنة ميزان القوى التقليدية كلاتي :
القوة الجوية : تمتلك ايران 339 طائرة قتالية ، منها 200 فقط يمكن اعتبارها حديثة وفي مقدمتها سوخوي 24 وميغ 29 ( وحتى هذه هي نسخ معدة للتصدير وأقل امكانات قتالية من النسخ الاصلية التي تتسلح بها روسيا ) واضطرت ايران الى تطوير ماتمتلكه من طائرات قديمة مثل اف 5 الاميركية واطلقت عليها اسم ” صاعقة ” و “أزاراكش” (البرق) . كما وتفتقد لطائرات الاستطلاع والقيادة والسيطرة المحمولة جوا الحديثة ، وان تطويرها لمنظومات واعتدة جوية ليس بالامر الكبير كما يصوره الاعلام الايراني حسب راي دوائر الاستخبارات الغربية . ولتلافي النقص في عدد الطائرات ونوعيتها توجهت ايران الى صنع وتطوير عدد كبير من الطائرات المسيرة للاغراض المختلفة ( ابابيل- هدهد-مهاجر-كرار-رعد ) . واثبتت بعض هذه الطائرات فاعليتها من خلال استخدامها لمراقبة السفن الحربية الاميركية في الخليج ( تمكنت احداها من مراقبة حاملة طائرات اميركية لمدة 20 دقيقة والعودة دون ان تتمكن الحاملة من اكتشافها ، كما استخدم حزب الله طائرة ايرانية مسيرة عدة مرات لاغراض التصوير دون ان تستطيع اسرائيل كشفها الى ان تمكنت اخر مرة من اسقاطها بعد ساعة كاملة من طيرانها فوق فلسطين المحتلة ) . والطائرات المسيرة خاصة الهجومية المقاتلة هي عنوان مميز لمعارك المستقبل .
    بالمقابل تمتلك السعودية 349 طائرة قتال حديثة جدا مع 13 طائرةاستطلاع وقيادة وسيطرة محمولة جوا . وتمتلك الامارات 184 طائرة من اخط الاول وتتوزع 163 طائرة حديثة بين دول الخليج الاخرى .
   على الرغم من ان ميزان القوى يميل لصالح دول الخليج وبامكان الطيران الخليجي تدمير العديد من المنشات الايرانية على الساحل والتي تشل قدرة ايران الاقتصادية ، الا ان هذا التفوق ليس حاسما بسبب افتقار دول الخليج للعمق الستراتيجي ، وعدم وجود عقيدة قتال موحدة والنقص في الخبرات القتالية الفعلية …كما تعاني هذه الدول من نقاط وهن ستراتيجية كبيرة تتمثل بوجود شرايين حياتها من منشات نفطية ومنشات تصديره ومحطات تحلية المياه ومحطات الكهرباء على الساحل او امامه مما يعرضها للتاثير الايراني المباشر حيث تنتشر القواعد الجوية الايرانية على بعد دقائق طيران منها ..وكان يمكن لايران ان تستغل هذه الميزة اكثر لو تيسرت لها الطائرات الكافية .
طيران الجيش : تمتلك ايران83 طائرة سمتية مقاتلة من انواع قديمة ( بيل وكوبراالاميركية ) ومي 17 الروسية وعدد من طائرات النقل والقيادة من انواع شينوك وبيل . بالمقابل للسعودية 83 سمتية مقاتلة وعدد كبير من سمتيات النقل والارتباط والقيادة ، وللامارات 78 سمتية مقاتلة و110 سمتيات لباقي دول الخليج …وفي بيئة شبه مغلقة مثل الخليج العربي وانتشار الاهداف الحيوية على الشاطء وبالقرب منه فان لطيران الجيش دور كبير يؤديه ونرى هنا التفوق الخليجي كاملا .
الدفاع الجوي : الدفاع الجوي هو مفتاح المعركة الحديثة في بيئة تفوق جوي معادي متطور اميركي خليجي اسرائيلي  فعملت ايران كثيرا على تطوير منظومة دفاعهاالجوي بسبب اتساع مساحتها وانتشار الاهداف الحيوية والمهمة قرب منطقة عمليات الخليج . فحازت على منظومات دفاع جوي من مصادر خارجية وصناعة محلية.
تمتلك ايران منظومات هوك ( تعود الى اواخر الستينيات من القرن الماضي ) فقامت بتطويرها تحت اسم ” شاهين” وتطوتمنظومات روسية وصينية وتصنيعها محليا مثل ” ثاقب المطور عن سام 5 بمدى 250 كم ، بالاضافة الى منظومات الدفاع الجوي قصيرة المدى مثل سام 15 و22 ( للدفاع عن الاهداف الحساسة مثل المفاعلات النووية بالاضافة الى عدد كبير من مدافع م/ط مختلفة العيارات .
   رغم ضخامة عدد منظومات الدفاع الجوي الايراني ، الا ان اغلبها متقادم في العمر وتقنياتها متخلفة مما يجعلها واهنة تجاه الحرب الالكترونية الحديثة كالتي واجهها العراق في حربيه مع اميركا وحلفائها . كما يعاني الدفاع الجوي من مشاكل عدة فالخليط الكثير التنوع من المنظومات يجعل من الصعب ربطها مع بعضها ضمن منظومة واحدة فعالة ، كما توجد فجوات كبيرة في تغطية الدفاع الجوي بسبب النقص في الرادارات والمتحسسات وفي تقنياتها . وقد اصبحت روسيا هي المورد الحالي الوحيد للسلاح الايراني لكن الضغط الاميركي منعها من اتمام صفقة منظومات اس 300 واس 400 (وصاروخها سام  20 ييلغ مداه اربعمائة كم) والتي كان بامكانها تغيير ميزان القوى . وادعاءات ايران بتطوير منظومة مشابهة لـ اس 300 اما مبالغ به او تكون قد حصلت على نسخة منها من بيلوروسيا . ويمكن لوسائل الحرب الالكترونية الحديثة لدى اميركا واسرائيل شل جزء اساسي منها ، كما يمكن للطائرات والسفن الحديثة ضرب الاهداف الايرانية المهمة خارج نطاق التغطية الدفاعية الايرانية  . وهذا يفسر اصرار ايران عل الحصول على منظومات الكسندر الروسية  وغيرها نوع اس 300 واس 400 المتطورة وذات المدى الكبير (400 كم لصاروخ سام 20 وامكانية مشاغلة اكثر من 16 هدف صاروخي وجوي بىن واحد ) الا ان الضغط الاميركي على روسيا اوقف هذه الصفقة بالرغم من دفع ايران مقدمتها من عدة سنوات .
   بالمقابل تمتلك دول الخليج ( عدا العراق الذي لا يمتلك شيئا )منظومات دفاع جوي متطورة مؤتمتة بالكامل ، لكن هنا ومرة اخرى تلعب عوامل عدم التكامل بين المنظومات القطرية وغياب العمق الستراتيجي والنقص في المتحسسات البعيدة المدى دورا في تقليل فاعلية الدفاع الجوي….لكن قياسا بالامكانات الجوية الايرانية المتواضعة فان الدفاع الجوي قادر على التعامل الموضعي نسبيا مع الاخطار الجوية .
القوة البرية : تعداد القوات البرية الايرانية 390 الف عنصر ، منهم 90 الف في الخدمة الدائمية والباقي من المجندين بالاضافة الى 120 الف في قوات الحرس الثوري ( معهد دراساات الدفاع في لندن ) . وتستطيع ايران تعبئة 3 ملايين عنصر عند النفير ولها 11 مليون شاب قادر على حمل السلاح عند الحاجة .
القوةالمدرعة الايرانية تتالف من مئات الدبابات القديمة (جفتن – ام 60 و48 –تي 62 ) و250 دبابة صنع محلي نوع     ( سفير74 مطورة عن تي 72 ) ، 200 دبابة تي 72 ، 150 نوع جوماهو ( كورية شمالية) و420 دبابة صنع محلي مستنسخة عن نماذج صينية وروسية ( نوع 59 و69 ) مركبات وناقلات الجند المدرعة فتتالف من 3000 قطعة من بينها اعداد حديثة من ام تي 2 وام بي 2 . المدفعية معظمها مسحوبة ( لا تواكب المعركة الحديثة ، في حين تمتلك حوالي 600 مدفع ذاتي الحركة من انواع قديمة ومدافع مطنعة محليا عن نسخ روسية وصينية ( رعد 1 و2 نفجر 3 و5 ، وحديد ) . اسلحة مقاومة الدروع معظمها محلية الصنع مطورة عن نسخ اجنبية (طومان المستنسخ عن الاميركي تاو ، ورعد عن الروسي ساغر ) ، بالاضافة الى صواريخ كوميت ( التي تم تسليح حزب الله وحماس بها واثبتت جدارتها ) .
   بالمقابل لا تمتلك دول الخليج قوات برية كبيرة الا انها مسلحة بدروع متطورة ومنظومات قيادة وسيطرة ميدانية حديثة . اكبر هذه القوات هي السعودية المسلحة بدبابات الخط الاول ابرامز ام 1 . لكن على العموم لا يمكن تصور قيام مواجهة برية بين دول الخليج وايران لغياب الحدود البرية المشتركة ولانتفاء الحاجة اليها ، اذ سيكون استخدامها محدودا في عمليات دفاعية بحتة وسيكون الشكل الحاسم للحرب بحري جوي صاروخي .
القوة البحرية : ستكون القوات البحرية عاملا حاسما في الحرب المحتملة بسبب قدراتها على تحقيق الاهداف العامة للحرب لكلا الطرفين اللذين يعانيان من نقاط ضعف كبيرة تتعلق بالجغرافيا البحرية . وهذا هو الميدان الذي تحقق فيه ايران تفوقا كبيرا على جيرانها العرب . فعلى الرغم من قدم وتخلف تسليح اغلب القطع الايرانية الرئيسية ، الا انها وبالاشتراك مع القطع الصغيرة الجديدة المستوردة والمصنعة محليا للبحرية والحرس الثوري والتكتيكات غير النظامية التي تتبعها قادررة على تشكيل تهديد حقيقيى يخيف دول الخليج ويردعها عن الاشتباك معها .
   تمتلك ايران 350 قطعة بحرية متنوعة مزودة بالصواريخ والمدفعية مع عدد من الغواصات وغواصات الجيب (غواصات صغيرة قادرة على الابحار في المياه الضحلة للقيام بعمليات تخريب ضد منشات بحرية وساحلية ) بالاضافة الى 275 قارب صغير مزودة بصواريخ قصيرة المدى ومدفعية ورشاشات وطوربيدات حديثة روسية الصنع وقوارب انزال . لايران منظومة صواريخ مضادة للسفن تطلق من الجو ومن الارض ومن السفن اغلبها صينية من نوع سي 70 وسي 80 (واحد هذه الصواريخ استطاع حزب الله اغراق السفينة الصاروخية الاسرائيلية ساغر 5 خلال حرب 2006 ) . وهناك محلي ( خليج فارس) بعيد المدى وثقيل مطور عن صاروخ بالستي ، وصاروخ كوثر قصير المدى المسلحة به قوات الحرس البحرية …. هذه التشكيلة تمكن ايران من تنفيذ عمليات هجوم متنوعة في بيئة الخليج من الهجمات السريعة ضد اهداف بحرية وساحلية الى بث الالغام الة عمليات انزال محدودة على الساحل .
   بالمقابل تمتلك دول الخليج 40 قطعة بحرية رئيسية ( فرقاطات وسفن حراسة وزوارق صواريخ كبيرة ) وعدد اكبر من زوارق الدورية والنقل والاسناد اللوجستي …. الا ان اتساع االحدود البحرية وكثرة الاهداف الحيوية يجعل دول الخليج مكشوفة تماما للخطر البحري الايراني .
  المقارنة العامة لميزان القوى التقليدية تعطينا صورة أن الميزان يميل مرة لايران ومرة لدول الخليج وهذا لايمكنه حسم معركة كبيرة ، لكن لايران افضلية بما تمتلكه من قيادة موحدة وخبرات وارادة على التاثير جدا ضد الملاحة في الخليج وعلى قدرات دول الخليج في تصدير النفط …. ومعظمها مجتمعات هشة اجتماعيا

فعند تعرضها لضربات قوية قد تتقوض من الداخل او تختل فيها استمرارية الحياة المعتمدة على الخدمات التي يديرها اجانب … وعند مغادرة هؤلاء يتوقف كل شيء فيها خاصة عند ضرب منشات تحلية المياه ومصافي النفط وشبكات الكهرباء وضرب الاهداف داخل المدن .
   هنا يدخل العامل الاميركي بوجوده الكثيف والمتطور كعامل موازنة لاسناد حلفئه الخليجيين وردع ايران… وهذا ما تعيه ايران وتحاول تكييف ستراتيجيتها العسكرية  لمواجهته … وسيكون هذا موضوعنا في الحلقة القادمة .
*باحث أقدم في الدراسات الستراتيجية والعسكرية . هيئة البحوث والدراسات الستراتيجية