ضمن سلسلة اختلاط المفاهيم التي يعاني منها الشارع السياسي العراقي ما تراه من تحول النظرة إلى الاعلام إلى مساحة باتجاه واحد لتسويق الانجازات وغض النظر عن الإخفاقات ومناطق الخلل والثغرات التي تحصل هنا او هناك وبعد ان كان المسؤول لا يقيم وزنا للاعلام ويكتفي بقناعته الشخصية وقناعة المحيطين به من بطانة غالبا ما تكون بارعة بصنع الدكتاتوريات ليتحوّل هذا السياسي بين ليلة وضحاها الى مدرك لأهمية الدور الذي يلعبه الاعلام لكن هذه المرة في الترويج والتسويق لانجازاته السياسية دون ان يعير اهتماماً لحقيقة وجود هذه الانجازات على ارض الواقع ويكاد يكون هذا الأمر السمة المائزة لمعظم السياسيين على الساحة العراقية التي تحاول إغفال الدور الكبير الذي يقع على عاتق المؤسسات الإعلامية في ممارسة الدور الرقابي ورصد الأخطاء وتشخيص حالات الفساد مثلما هو دورها في الكشف وتسليط الأضواء على الحالات المشرقة في إطار التوازن المهني الذي تفرضه وتشترطه القواعد المهنية والموضوعية التي يجب ان تواكب العمل الإعلامي .
ويأخذ الأمن أهميته كونه الملف الذي يتعامل مع أرواح الناس وسلامتهم والحفاظ على ممتلكاتهم ومثل هذا الأمر يحظى بالعناية الاستثنائية من قبل الدول والمؤسسات ويتم وضع الخطط الستراتيجية التي تثقل ميزانيات الحكومات من استخدام التقنيات الحديثة في الكشف عن المتفجرات والسعي الى رفع كفاءة المقاتل وتوجيه الضربات الاستباقية من خلال تنشيط الفعل ألاستخباري وليس انتهاء بنشر عقيدة عسكرية تستند اليها الفلسفة الأمنية هذا كله على المستوى الميداني /التعبوي فيما تستند هذه الجهود الى انسجام القوى السياسية المشاركة في صنع القرار واتفاقها على بقاء الملف الأمني بمنآى عن جميع الصراعات والخلافات لتشمل عملية الفصل بين السلطات ضمان عدم تسييس القوات المسلحة وجميع القوات الأمنية وخضوعها لمنطق الدولة وليس الى منطق الحكومات التي تتغير بشكل طبيعي مع ثبات مفهوم الدولة .
ان الملف الأمني في العراق قد شهد تقدما كبيراً بدت معه ملامح صورة الدولة التي بقيت حلماً يراود المواطن في مختلف المراحل التي عاشها منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى العام 2008 اذ لم يكن في جميع تلك الفترات امن حقيقي وواقعي يستند الى المفاهيم العلمية التي تربطه ” أي الأمن ” بحواضنه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإقليمية والعسكرية في توليفة متداخلة لا يمكن فصل بعضها عن البعض الآخر ولا يمكن تستمر مسيرة الجسد الأمني الضخم إلا من خلال تنسيق حركة ” الأرجل المتعددة ” لكائن الأمن المركب وبذلك فان الاضطراب او العطب في أي منطقة من هذا الجسد سوف تعرقل او تشوه مسيرته بل واحياناً تجبره على التوقف او التراجع حتى وان كان مرحلياً فانه سوف يؤثر على تعطيل حركة هذا ” الكائن ” والذي هو جزء من الصورة التي تشكل بمجموع اجزاء كائناتها ” الدولة ” التي هي الأخرى ستتعرض الى الاهتزاز والتداعي في عملية تنتقل فيها التأثيرات في عملية مشابهة لعملية نقل الحركة بواسطة ” التروس او ناقلات الحركة ” وقد كان بالإمكان استثمار ما حصل من تأسيس لهيبة الدولة بعد العام 2008 ليكون نقطة الانطلاق لتأسيس منظومة أمنية تضيف إلى زخم انجازاتها العسكرية نقاطا اجتماعية واقتصادية وخدمية ودبلوماسية للانفتاح على الآفاق الكونية ومغادرة نقاط الخلاف الضيقة والتخندقات غير المجدية والعودة إلى اللعب على أوتار المحاور الإقليمية والاستقواء على الشركاء وهذا الأمر تتحمله القوى السياسية مجتمعة ولا يخص طرفاً دون الطرف الآخر مع أهمية الإشارة الى عمليات الفساد الواسعة النطاق التي كانت تُمارس في وضح النهار بما فيها من عمليات القتل المنظم والجرائم التي تتخطى ببشاعتها جميع الحدود الإنسانية والتي يعمل مرتكبوها على خلط الأوراق والعمل على وعدم الوصول الى الاستقرار الذي قد يكشف ما قاموا به من فضاعات على مختلف المستويات .
ان عملية إدارة الملف الأمني بكل ما يواجهه العراق من تحديات تحتاج الى مهارات غير استثنائية لمواجهة مختلف الاجندات والتعامل معها وفقاً لخصوصية محدودة تحفظ شكل الصورة العمومية وعلى صاحب القرار فيها ان يمسك بخمس تفاحات في يد واحدة هذه التفاحات التي قد تضيف تفاحة آدم لصاحب الملف الى رصيدها من خلال استهدافه من الجهات المتضررة والتي مازالت تحتفظ بأجنحتها المسلحة القادرة على التأثير والتسبب بانتكاسات قد لا يدرك احد مدى فداحة ما يترتب عليها من ثمن لذلك ولخطورة وحساسية المرحلة التي يمر بها العراق على جميع القوى السياسية ان تعيد حساباتها وتحصرها في الإطار الوطني على طاولات الحوار وما لا يحل بالحوار يحل بالمزيد من الحوار وتدارك اللحظات التاريخية التي ننعم بها للانطلاق إلى اخذ الدور الذي يستحقه العراق ورجالاته بعد ان نبتعد عن ضيق الخلافات الى سعة الاتفاقات وحينها فقط ينهض المارد العراقي الذي سيكشف حجم الاقزام الذين طالما تلاعبوا بنا واستمعنا تحت تأثير التشويش الى نصائحهم بذر رماد الخلافات في عيون أبناء شعبنا وحين يجتمع قادة الرأي للوصول الى الاتفاق ستبدو صورتهم الناصعة البياض التي مثلت في زمن المحن والأزمات والدكتاتورية صورة الإيثار وحب الوطن والاستعداد للتضحية فقط ستكون للمقاتل صورة المثل الأعلى من السياسي وسنعيد الى العقيدة العسكرية معنى حب الوطن والتفاني في أداء الواجب والاستعداد للتضحية وسيفخر العراقي بعراقيته رافعاً رأسه بحق وحينذاك لن يطلب السياسي من رجل الاعلام ان يروج لمشاريع لم تنجز على الأرض بل على العكس من ذلك سيطلب منه ان يدله على مواطن الضعف والخلل لنصلحها معاً قد يكون هذا حلماً لكن الأهداف الكبيرة تبدأ بأحلام أولها ان يكون الاعلام في خدمة الآمن .