23 ديسمبر، 2024 3:19 م

ستار خضير صكر/13

ستار خضير صكر/13

{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
لإستشهاد ستار خضير صكر، معنى شخصي، بحكم الجوار الذي يربط العائلتين، في شارع فلسطين.. مستحضرا، الآن إخوته جبار وسلام وعصام، أبناء أم ما زالت شامخة في ذاكرتي.. نخلة عراقية، الكبرياء، سموا.. أشتاق لطيبة العمارة، النابضة في عطر أمومتها… وأنا صغير في الخامسة، من العمر… تختلج في ذاكرتي صورا أستوضحها.. رويدا رويدا، كلما كبرت.. قتلوه، وأحضروا جثته امام الدار، غير مكتفين بجريمتهم، إنما تعميقا للجرح، جاء عناصر تنظيم حزب البعث، في شارع فلسطين، بجوق موسيقى شعبية، يعزف ألحانا مبهجة، حول الجثمان المسجى، بحجة “عيد الاضحى”.
صور البوق، وإستياء الناس، من هذا التصرف اللا إنساني.. الخالي من أدنى حطام المروءة، لن تمحي من ذاكرتي، تزداد توهجا، كلما أفل الزمان، من حولها.
 
المتنبي
ثبت على ضريح الشهيد المندائي صكر، بيت شعر لأبي الطيب المتنبي، جاء فيه:
“لا افتخار إلا لمن لايضـــام          مدرك أو محارب لاينام
من يهن يسهل الهوان عليه         ما لجرح بميت إيـــــلام
ولوأن الحياة تبقى لحــي             لعددنا أضلنا الشجعــان
وإذا لم يكن من الموت بـــد             فمن العجز أن تكون جبان”
لأنها كانت آخر الكلمات التي رددها، أبو مي, وهو يتلقى رصاص البعثيين غيلة، يوم 23 حزيران 1969.. صارع الموت خمسة ايام، ثم فارق الحياة، خلودا في ذاكرة الأجيال والتأريخ.
ولد الشهيد، بناحية الكحلاء.. ميسان 1929، في عائلة معروفة بشيوعيتها، فوجد نفسه في خضم النضال الوطني، وهو لم يزل بمقتبل العمر.. متفوقاً في الدراسة.
العام 1950 تخرج في الثانوية وعمل معلماً في “الكحلاء” وانتقل الى بغداد معلماً في “أبو غريب” وفي 1952 التحق بدار المعلمين، عائدا الى العمارة، يواصل نشاطه الثوري.
لم يغادر السجون، الا لماما، ما يفتأ ان يعود اليها؛ نتيجة تضامنه مع إنتفاضة او مشاركته بتظاهرة.. يعتقل سنة ثم اربع وخمس وتتوالى مدد المحكوميات، حتى يشيب الرأس إبعادا إلى قضاء “بدرة” العام 1957، منفياً لمدة سنة، بعدها أطلق سراحه، قبل أشهر من إنقلاب 14 تموز 1958.
 
الشواف
عمل موظفاً، لأشهر في بغداد، وبعدها تفرغ للحزب، مرسلا الى الموصل في ظروف إستثنائية، عاشتها بعد حركة الشواف 1959.
خبرته في الموصل أعدته للعمل في مدينة كركوك، حتى بعد انقلاب 8 شباط 1963 الدموي، حيث ساهم بنشاط ومثابرة نادرة، صانت تنظيمات الحزب، وتنامى نشاطه في “كردستان” مكلفا في العام 1965 بالإشراف على فصائل الأنصار في السليمانية وأربيل، بالتنسيق مع قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني , ومن ثمت قيادة الإقليم.
 
في عام 1967 وبعد أكثر من أربعة أعوام قضاها مع رفاقه في قرى ومدن وجبال كردستان عاد الشهيد إلى بغداد لينتخب عضواً في اللجنة المركزية للحزب، وتتعدد مسؤولياته ونشاطاته الحزبية من بينها مسؤولية الخط العسكري.
تربصت آفة البطش البعثية، به،مساء يوم 23 حزيران 1969 وفي أثناء عودته من لقاء مع رفاقه إلى داره في منطقة الوزيرية ، باغتته عصابة أمنية لاختطافه، ولكن الشهيد الأعزل قاوم خاطفيه بضراوة، إعتمادا على شجاعته المعهودة، فاستخدموا سلاحهم الغادر بجبن وحقد، وأصابوا الشهيد في مناطق متعددة من جسده؛ مفارقا الحياة، صباح 28 حزيران 1969 تاركاً بناته الصغار وزوجته في معترك الحياة.