23 ديسمبر، 2024 9:22 ص

مهما كانت دوافع ثائر الدراجي فان رؤيته ونفر من الشباب وهم يشتمون احد رموز التاريخ الإسلامي أمر مقزز ومثير للأسى. مهما كانت اعتقادات المرء، فان الجهر بها يتوقف عند حدود احترام اعتقادات الآخرين. لا يحق لي ان أجهر بما اعتقد اذا كان الزمان والمكان يتسببان بإثارة الآخرين ويصطدمان باعتقاداتهم. هذه إحدى بديهيات العيش المشترك في بلد متعدد الاعتقادات والانتماءات. وليس للأمر علاقة بحرية التعبير وهو الحق المكفول دستوريا. لكن هذا الحق مقيد بأمور قد تكون معلنة وأخرى غير معلنة منها احترام الآخرين وتوفير سبل العيش المشترك معهم ونزع فتيل التوترات والأزمات الاجتماعية.
في إحدى لقاءاته التلفزيونية دعا ثائر الدراجي الى التعلم من الغرب في مسالة قبول الآخر.  وهو يقصد ان يجري تقبل ما يقوم به. صحيح. لكن هل نتعلم من الغرب ايضا احترام الآخر وعدم القيام بتصرف يسيء الى معتقداته مهما كانت؟ في الغرب يحترمون عقيدة الهندوس في البقر ولم اجد مواطنا غربيا يستهزئ بهذا الاعتقاد او يسئ الى أصحابه. هذا ما نحتاج الى نتعلمه. ان نتصور انه يوجد غيرنا ممن يعتقد بما لا نعتقد به. وكلانا يفترض الصحة فيما يذهب اليه. فلا نحتاج الى تسفيه ما يعتقد به او الإتيان بما يمثل عدم احترام لهذا المعتقد.
وربما وجد ماهو اهم من ذلك في حالتنا وهو التوقف عن استدعاء التاريخ وأحيائه وجعل حوادثه سببا للفرقة والصراع الاجتماعيين في وقتنا الحاضر. كان الفقيه الراحل السيد محمد حسين فضل الله يردد في مثل هذه الموارد قوله تعالى:”تلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت”. لم يوكل الله أحدا من عبادة لمحاسبة الآخرين بدلا عنه. فلماذا تتصدى للقيام بذلك في الدنيا وقد جعل الله نفسه مالكا ليوم الدين الذي من أسمائه “يوم التغابن” الذي يرفع فيه الغبن عمن اصابه في الدنيا؟ ولماذا يتصارع العراقيون بسبب أحداث تاريخية قديمة لا ندري كيف سيفصل الله بشأنها يوم القيامة؟ هل ينقص العراقيين ما يختلفون حوله وبسببه فنذهب الى التاريخ وتستعير منه أسبابا اخرى للخلاف؟
الأمر اصبح ثقافة متبادلة وأخذ يطفو على سطح المجتمع العراقي ومازال يواجه بالصمت من قبل الواعين من أبناء المجتمع وقياداته الفكرية والدينية ما خلا بيانات صدرت بعد وقوع الفعل وليس قبل ذلك. ما نحتاجه لمواجهة هذا الأمر ليس بيانات استنكار وإدانة انما الى تثقيف وتوعية جديدين.
لقد تصدر المتطرفون من الجانبين المشهد الخطابي والحراك الاجتماعي. ولا يمكن إغفال ما كان يقوله خطباء الجمعة في ساحات الاعتصام من تعريض صريح او ضمني بطائفة من المسلمين تم إطلاق شتى النعوت والأوصاف غير اللائقة عليها دون ان ينبري عقلاء القوم لوضع وحد لهذا. ونتيجة لهذا اشتعلت موجات السباب والشتائم على صفحات الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل مثير للأسى والألم.
قد يكون الوقت متأخرا بعض الشيء للمعالجة لكنه لم يفت فما زال لدينا بعض منه لنشر ثقافة بديلة تقوم على احترام معتقدات الآخرين وعدم التعرض لها وعدم أحياء الأحداث التاريخية القديمة لاستشارة صراعات اجتماعية جديدة. 
من المفيد ان نتذكر أننا في بلد يؤمن أهله بالكثير من الرموز الدينية والتاريخية وان هذه الرموز تشكل بمجموعها عناصر مهمة في الهوية الوطنية الثقافية العامة للمجتمع العراقي. وان الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الأهلي يقتضي احترام هذه الرموز واحترام مشاعر الذين يؤمنون بها. لا نتحدث هنا عن كتب تاريخية مجردة وكأنها تحكي لنا عن الامبراطورية الرومانية انما نتحدث عن أشياء ما زالت تلقي بظلالها على اتجاهات مجتمعنا  والعلاقات بين أفراده ومكوناته. وحدة المجتمع وسلامه أولوية.