17 نوفمبر، 2024 7:29 م
Search
Close this search box.

سبتي الهيتي يُكمل مشوار (الطريق الصعب)

سبتي الهيتي يُكمل مشوار (الطريق الصعب)

نعت الأوساط الثقافية والأدبية والحقوقية ، المناضل اليساري سبتي الهيتي ، حيث إنتقل الى جوار ربه مطلع شهر آذار الماضي . وحين مسكتُ القلم لأكتب عنه ، توقفتُ عند التساؤل التالي : هل كان نصيبي أن أكتب عن رحيل هذا الصديق أوْ ذاك ؟ كتبتُ عن رحيل : صاحب حسين السماوي ، ونعيم الشطري وعزيز سباهي
.. وغيرهم عديد . وعزائي القول : الحمدُ لله الذي لا يُحمد على مكروهٍ سواه .
في مجلس الشعرباف
تعارفنا …
حتى مطلع تسعينات القرن الماضي ، لم ألتقي التربوي اليساري سبتي الهيتي . فلسنا من مدينة واحدة ، ولسنا من حقل دراسي واحد ، وتوجهنا السياسي والفكري كان مختلفاً . كل تلك المؤشرات تفضي الى عدم التعارف عن قرب . ولكن مطلع التسعينات توفرت الفرصة لأن نلتقي . كان ذلك في مجلس الشعرباف / بالكرادة خارج / مقابل شركة الصناعات الجلدية . ومن الحضور في ذلك المجلس ، كان التربوي الهيتاوي : يوسف نمر ذياب . كان إقتراباً متبادلاً بيننا وافترقنا .
لقاء في دمشق ..
ونهاية عام 2006 ، إلتقينا بدمشق . كُنّا مهاجرين ، أو مهجرين . وفي لقاءآتنا بمقهى الكمال بدمشق تطرقنا الى الهم العراقي بعد أن أطبق الاحتلال على بلادنا منذُ 2003 . وفي أحد لقاءآتنا ، أعلمني الصديق سبتي بأن مقالة لي نُشِرتْ في جريدة (تشرين ) السورية يوم الخميس (28/12/2006) ، وكانت بعنوان : (جدار بغداد والثغرة القاتلة) . وأفادتني هذه المعلومة كثيراً . فبعدها أصبحت لي علاقة عمل مع الجريدة .
وفي اللقاء ، كان سبتي الهيتي متبرماً جداً من موقف صحيفة تصدر بدمشق ، وصاحبها عراقي مهاجر . العراقي من خلال جريدته شن هجوماً عنيفاً على منهج الحزب الشيوعي العراقي في ظل الاحتلال الأجنبي . وسبتي الهيتي كشيوعي ملتزم ، يرفض اتهامات الجريدة ، ويُدينُ موقفَ صاحبها .
وفي بغداد ، إلتقينا
مجدداً ..
وعُدنا الى بغداد . أنا عدتُ يوم (2/10/2009) ، وفي أجوائها الثقافية إلتقينا . وعندما عزم الباحث حميد المطبعي على إصدار الجزء الثاني من (موسوعة أعلام وعلماء العراق) إتصلتُ بالصديق سبتي الهيتي , ومنه استلمتُ سيرته الذاتية . وفي الصفحة (49) من الموسوعة نقرأ : (سبتي جمعة ذياب سبتي الهيتي شاعر .. وُلد في هيت , حصل على البكالوريوس في القانون من الجامعة المستنصرية عام 1975 . نشرنتاجه الشعري منذ عام 1960 في مختلف الصحف العراقية . صدر ديوانه الشعري الاول (أوراق المسافر) ،وصدر له ديوان مراثي بعنوان (ذاكرة الخلود) عن : دار آراس للنشر . وله عدة دواوين منها : (مزامير ديموزا) . شارك في النشاطات التشكيلية وأقام معارض فنية , منها : (مدينة في ذاكرة شاعر) أقيم في أربيل (2010) . وحصل على تكريمات عديدة .
و .. توثقتْ علاقاتنا
في مناخات بغداد الثقافية , توثقت علاقاتنا . كان الصديق سبتي يدعوني لحضور النشاطات الثقافية التي يقوم بها ، خاصة معارضه التشكيلية . وكنتُ أحضرُ وأستمعُ وأتحدثُ وأكتبُ في الصحف عن معارضه الشخصية . أحاطني الهيتي وأحطته بمشاعر أخوية متبادلة .
وصدرت مذكراته تحت عنوان : الطريق الصعب . وأهداني نسخة منه . ودعاني لحضور أصبوحبة نقاشية عُقدت يوم (24/1/2015) في قاعة (بيتنا الثقافي) في مبنى الحزب الشيوعي العراقي .
كنت قي مقدمة الحاضرين ، وأول المتحدثين . كنتُ على المنصة وبجانبي مدير الاصبوحة الدكتور جواد الزيدي . تحدثت عن مذكراته ، وأفضتُ بالحديث عنه .. .
الطريق الصعب ..
كتاب من (210) صفحة ، من القطع الكبير ، ضَمَّتْ سيرة المناضل الشيوعي الأديب الفنان سبتي الهيتي . ويعترف الصديق سبتي بما يلي : (أستطيع القول ، بعد عناء تجربة عمرها ، اليوم ، خمسون سنة بان مدينة هيت هي التي دفعتني أن أكون شيوعياً . فالمدينة لم تكن بذلك المستوى الحضاري . ذلك أن (90%) من أهلها عند قيام ثورة (14 تموز) ، كانوا أميين يغلب عليهم الجهل المقترن بحسن النية .
ولكننا نقول للصديق الهيتي : أن معظم ، إذا لم نقل جميع مدن العراق ، كانت بمثل وضع مدينة (هيت) ، : إن لم نقل أسوأ ، فهل كان عليها أن تتجه يساراً للتعبير عن خياراتها ؟ . ومع ذلك نحترم خيار الأديب اليساري سبتي الهيتي .
ذات الشريط الأحمر ..
قرأتُ الكتاب ودونتُ ملاحظاتي عليه . ذكرتُها في الأصبوحة ، وكذلك سلمتُها له . واستوقفتني في الصفحة (49) من الكتاب ، المعلومة التالية :
عام 1965 ، كان المعلم سبتي الهيتي مُبعداً إدارياً في مندلي . وذات مرة ، شاهد تجمعاً نسوياً في أحد شوارع المدينة . وركز الهيتي نظره على شابة جميلة ، تضع شريطاً أحمر على رأسها . تعلق سبتي بها . وعندما عاد الى حيث يسكن ، نظم قصيدة جاء في مطلعها :
(.. ذات الشريط الذي قد كان أحمره
دمي وكل جراحاتي واسراري
لاتظلمي دَميَ المسفوح من رئتي
أنا الغريب الذي ضيعتُ أسفاري ..)
ويذكر الهيتي في كتابه (ص 50) ما يلي :
كنتُ قد بدأتُ القصيدةَ بمطلع مثير ، وهو :
(.. من أجل عينيك أفديه بأشعاري
شريطك القرمزي الصارخ الناري
من أجل عينيك أفديه وأطعمه
أحلى اللحون التي تزهو بقيثاري ..) .
الرحيل الابدي ..
كنا نتواصل من خلال الهاتف ، مع بعض القاءآت في فترات متباعدة . وأخيراً جاء الخبر المحزن : رحيل الاديب الشيوعي سبتي الهيتي الى دنيا الآخرة . ولم يكن الامرُ مُفاجئاً . كانت صحته معتله بوضوح . ويبدو أنه يعرف بأن (الزائر الأخير) سيزوره ويصحبه في رحلة أبدية .
رحمك الله أيها الصديق الشاعر ، وألهم أهلك ومحبيك الصبر والسلوان .
صباح يوم (24-1-2015) وفي قاعة بيتنا الثقافي في مبنى الحزب الشيوعي العراقي ، اقدم مداخلة حول كتاب (الطريق الصعب) للاديب اليساري سبتي الهيتي وعلى يمين الصورة الاديب الدكتور جواد الزيدي .

أحدث المقالات