سبات العقول أول من تحدث عنه وحذر منه هو ألامام علي بناء على توصيف القرأن الكريم لهذه الظاهرة الخطيرة في حياة الفرد والمجتمع
” ومن الناس من يقول أمنا بالله وباليوم ألاخر وماهم بمؤمنين “- 8- البقرة –
” يخادعون الله والذين أمنوا وما يخدعون ألا أنفسهم وما يشعرون “- 9- البقرة –
” في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ” – 10- البقرة –
فألادعاء , والخديعة , سببه مرض القلوب , ولآن العقل في القلب كما يقول ألامام علي بن أبي طالب , لذلك سنجد أن ظاهرة فشل المهن في العراق ” وألاستثناء موجود ” جعل الحديث عن المهن وفشلها في نظر المواطنين هو حديث يومي لم يجد من الدراسة ما يجعله مؤهلا لفتح باب الحوار بأتجاه أنتاج رؤى قادرة على تجاوز ما نحن فيه من مراوحة وترهل يجعلنا في أسفل سلم العمل وألانتاج لدى الشعوب , حتى أصبحت مدرستنا خاملة , وطبابتنا فاشلة , وهندستنا ذاوية , ومحاماتنا منافقة لاتعرف ألا السمسرة , وتجارتنا مغشوشة , وعمالتنا غير جادة معطلة مترهلة كسولة , وحكومتنا بين كل هذا الفشل حائرة مترددة لاتعرف الحلول تتكئ على واردات نفطية أصبحت للشركات ألاجنبية فيها حصة متزايدة مثلما أصبحت سببا لبطالة الكثير من الكوادر العراقية , وهو نفس المستقبل الذي ينتظر بقية المهن أذا أستمرت الحال على ما نحن فيه اليوم؟
ويأتي في مقدمة المهن التي طغى فشلها على عملها : مهنة الطب في العراق , فالطبيب , وألاستثناء موجود , هو في ألاعم ألاغلب : متكبر , متعجرف , مملوء بالغطرسة , مع محتوى يفتقد للعلم الحقيقي , مما جعل المريض العراقي يفقد ثقته بألاطباء , وبالكادر الطبي , وما ظاهرة السفر للخارج , والبحث عن ألاستشفاء في أقاصي المعمورة كالهند مثلا , ألا دليلا على فشل الطبيب والطب في العراق , ومن يطلع على واقع المستشفيات والعيادات الخاصة وما يجري فيها , يصاب بالغثيان من هول الواقع , ممرضات , ممرضون , موظفون , عمال خدمة يتابعون ذوي المرضى طلبا للآكراميات حتى في المستشفيات الخاصة , مما يجعل أهالي وأقرباء المرضى يحرصون على أقتناء الخردة من العمولة العراقية لتفادي ألاحراج أمام الطلبات المتكررة بلا خجل من طلب ” ألاكرامية ” وكأنها فرض لابد منه , هذا في المستشفيات الخاصة ناهيك عن صالات الولادة والعاملات فيها وما يجري فيها من أستغلال لاحدود له للحوامل عند الولادة ؟
أما عيادات ألاطباء الخاصة وفقدانها للنظافة والشروط الصحية , هي أقل شأنا من فقدان ألاخلاق الطبية والروح العلمية , عندما يستقبل الطبيب للمعاينة ” خمسة خمسة ” من المرضى الذين يحشرون وكأنهم من معاشر البهائم , عندما لاتحترم مشاعرهم , ولا يعطون فرصة للتعبير عن ألامهم وما يعانون منه من مرض , وكيف تفرض عليهم الفحوص الشعاعية والتحليلات المرضية وحتى ألادوية وأسماء الصيدليات وكأنها عملية أتاوة قرصانها كل من يشتغل في مهنة الطب حتى ألاذن والعامل أصبح سمسارا ودكتاتورا يخشى المريض المراجع سطوته وتأخيره خصوصا عندما يكون المريض في حالة مغص كلوي أو معوي , أو ألم صدري قلبي يحتاج الى سرعة الفحص والتشخيص والدواء ؟
أما مهنة المحاماة , فأصبحت موضع تندر المواطنين والقضاة على حد سواء , فلا مرجعية للحق , ولا أفضلية لصاحب الحق , وأنما المرجعية للمال , ومن خلال مرجعية المال يكون صاحب الباطل مدللا , متقدما يحظى بألاولوية وكسب الدعاوى القضائية التي ينتصر أغلبها للحرامية ؟
وما ملفات الفساد التي تملآ رفوف دوائر التحقيق واللجان القضائية ألا شاهدا على ذلك , وبذلك تتفوق قاعدة ” من أمن العقاب أساء ألادب ” .
أما مهنة الهندسة : فقد غادرت خرائطها وتصاميمها ودخلت في سرادقات السمسرة وظلامية الكثير من المقاولين الذين لايرون في العقود سوى فرصة للنهب والسرقة , وأسقاط أكبر عدد من الموظفين لاسيما منهم المهندسين في قبضة الرشا التي نصبت كمائنا في كل مؤسسة حكومية حتى أصبح لها جيشا من المتعاونين تهشهم كما تهش الذباب , وتجمعهم كما يجتمع الذباب حول القمامة ؟
أما مهنة التجارة وفرسانها , فأصبحت صيدا للمغفل , وكمينا لمن لايتعقل ويفضل الربح السريع على حساب الجودة التي لم يعد لها في العراق قاموس بفضل من فقد الناموس , وأدمن السعي وراء الفلوس ؟
فالغش رائد العمل التجاري في العراق , والبضاعة الفاسدة تسرع الى أسواق العراق بعد أن عرفت هوية الكثير من التجار التي لاتنتمي للوطن ولا تخشى تبدل الزمن ؟
أما مهنة العمال في العراق : فهي كيد للآخر وأنتقام من رب العمل , وحسد لمن يبني , ويبيع ويشتري , وتلهي متعمد بالخلوات , وسعيا كاذبا وراء الصلوات , وتدخين السجائر قتلا للآوقات , وتفويتا لمحاسبة صاحب العمل الذي يجد نفسه مغلوبا في نهاية المطاف , ولم تنفع معه كل ألالطاف والسخاء بالفطور والغداء المتعدد ألاصناف , حيث لم يجد نفسه أحيانا ألا وقد أنصرف العمال عنه بدون عذر وأنصاف , وتركوه بين أكوام الطابوق وأكياس السمنت تسد عليه منافذ بيته وكل ألاطراف ؟
أما الكراجات , ومحلات تصليح السيارات فلها قصص دونها ألف ليلة وليلة , ولها شجون تستحي منها الكتب , ويملها كاتبوها من كثرة الصلف والحماقة التي تصطنع العنف , وتحول المجمعات الى قمامة تنتشر منها المسوخ , وتكثر فيها الشروخ , وتنتابها عواصف الصياح , وهيجاء الرياح , وصنوف أنواع البغاء , حتى أصبحت مصدرا للتلوث ألاخلاقي , ومأوى للترهل وألاباحية , فالكلام الفاحش مستباح , والتنابز بألالقاب مستطاب , والكلمة الطيبة منكرة , والمنكر معروف وفي هذه المجمعات موصوف , فويل للعراق وأهله من عاقبة أذا حلت الحتوف ؟
أما الفضائيات وأعلامها , فهي داهية العصر , التي أصبحت مجندة للشر , يذعن لها الفتيان والفتيات , مستغلة حاجتهم للعمل وجني الدريهمات وما وراء ذلك هباء وفضول , وعصف مأكول , وأوقات من الفراغ لاتعرف حاجة العقول , وأنما هي للشهوات موائدا , وللتدليك العاطفي فضاء مبذول , وفراش مبتذل لايمل الدخول ؟
هذه هي مظاهر سبات العقول : تجدها في بعض تظاهراتنا في كل الفصول , مثلما تجدها عند ساستنا حاضرة للمثول عبر كل المراحل والعقود من الملكية الى الجمهورية والديمقراطية صاحبة الشروع بألافول
وتبقى الحقيقة التي هي حق اليقين ” كل من عليها فان ” .
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]