18 ديسمبر، 2024 7:59 م

سايكلوجية التطرّف والتعايش المُفترض

سايكلوجية التطرّف والتعايش المُفترض

الشّعوب الَتِي بلغت حالة التطوّر لن تصبح بنّاءةً في عمرانها فحسب، بل تزداد لديها الثقةُ بذاتها لتصبح أمةً قادرةً علَى تقبّل الآخر، نقداً او اعتراضاً صادماً، تتعايش لا بالشكل الحذر،بل بمرونةٍ متناهية، هذه ببساطة وبنظرة شاملة على شعوبها وتعاملهم مع الآخر وعلى بناءها وتكنلوجيتها وحياتها ابتداءاً من الشارع المبلط بأروع المواصفات… الى اشياءٍ أكثر ابهاراً وتقدّماً، وانتهاءاً إلى نفسيّة ألفرد وشخصيته مع محيطه، تستطيع ان تسميها أمةً متقدّمةً مستمرة في النمو الصحيح بشكل ميداني و إنساني،وشعبها حر،وان لم يكن حراً بشكلًٍ واسع فَهُوسعيد، لذلك أصبحت امةً ذاتيّة التحديث، غيرُ مُنتجةٍ للعنف المجتمعي، هذه الأمم يكون الاعتراض فيها ثقافة حية غير مكبوتة “بعنق زعيم” إلى حدّ معيّن او مفتوح. درجة الاضطرابات النفسيّة لديها معتدلة إلى حدّ ما، ماخلا بعض الحالات الفرديّة الَتِي تتطلب بالضرورة أطباء نفسيين علَى المستوى الشخصي، وليس على مستوى القادة أو الأمة!!!. والعينات حوّل هَذَه الأمم كثيرة.

الأمم المتطرفة إن جاز لي أن أعرفها إنها؛
ذاتَ حياة شرسة ومتقاتلة؟ تعاني دائماً أضطرابات داخليّة.
معيارها:
نسب [التخلف والجهل، الانتحار، الفقر، القتل، الاغتصاب، التعنيف الاسري والمجتمعي، السرقة، الأحتيال، الاٍرهاب، الخرافات والمعتقدات التي يتم فرضها بقوّة الأكثرية! نسب الفساد. البناء والتقدم العمراني، قيمة وجودة منتوجاتها الوطنية؟ حجم تبادلتها التجارية استيراداتها!!! تصديراتها مكتباتها مسارحها مستوى التعليم لديها؟أبحث عن نسب أي شَيْء في كلّ شَيْء].
{{راجع نسب المخدّرات وما مسوغاتها؟ راجع تقارير السِلم الأهلي والمجتمعي عندها، ثم انظر الى الضوضاء والمخلفات البيئيّة! وآخر شَيْء أنظر إلى (( الصحيات))! (( والمراكز الصحيّة)) تعرف كم هي امّمٌ بائسة}}.
بِمعنى مختصر اطلق عَلَيْه ؛
“بواعث التطور مقارنةً ببواعث التراجع”

محنة التغالب بالعنف؛
الأمم التي تخاف من الاعتراض وتخاف من الأفكار!،وتتغالب بالعنف، والدَّم فِيهَا بِلا ثمّن هي امّمٌ متطرّفةٌ بسبب المادَّة الفكريّة المحقونة بها، جاهلة ظلاميةٌ في نتائجها،تتجه نَحْو الخرافات! وفرض عقائدها بصيغ شمولية!وتستبدل لغة القانون بلغة الاقصاء والخطف والاغتيال! لذلك هي مُنتجةٌ للفوضى والجهل والاحتقانات النفسيّة بشكلًٍ مثير وكثير. وبالتالي هي مايصطلح عليه “بالتطرف” هي امم متطرفة “بالعارض”، لذلك هِي تعاني الدوجماطيقية Dogmatism وهذه تعني (( طريقة تفكير تتسم بها أي فرقة أو مذهب أو فلسفة تزعم امتلاك الحقيقة المطلقة بشكل شامل، ولا تقر بأنها قد تحتمل شيئا من الخطأ أو النقص، وتقطع بأن ما تحوزه من معارف ومعتقدات لا يقبل النقاش ولا التغيير، حتى وإن تغيرت الظروف التاريخية، أو السياقات المكانية والاجتماعية، فهي إذن مقدسة ومنزهة عن أي نقد، وعدم إخضاع هذه المعتقدات لفحص نقدي أو تحليلي يراجع الأسس التي تقوم عليها، ودون بحث في حدود وقدرات العقل المعرفية، فضلا عن عدم تمحيص الطرق التي توصل إلى المعرفة الصحيحة في كل لحظة تأريخية)) / أ. د. محمد عثمان الخشت.

الشعوب هَذَه زعاماتها تكون؛ ميالةٌ إلى تخدير رعايها بشكلًٍ مستمر للاستمرار في بقاء نفوذها.
تفتقر بشكلًٍ مرئي إلى القانون والسِلم، والحس الجماهيري المعول عَلَيْه في إنتاج منظومة صالحة.

تتركّز طاقات أفرادها في الخيال، والأوهام والشعوذة، والجمود وتأليه قادتها بمسوغ ودون مسوّغ!
الأكثرية المنفعلة؛
اكثريتها منفعلة ، صاخبة بعشوائية ميالة إلى التخريب، ولو تم ضبطها بلا عقوبات فيكون الضبط رادع بفعل التّخدير، فهي غيرُ خاضعة لإرادة القانون بسبب ضعفه، فيكون المتسلط عليها تلك الرغبات القياديّة الَتِي توجهها حيث تَشَاء وتضبط لها إيقاع فوضويتها. هِي ايضاً ليست “غيرُ واعية”. بل هِي مُدرَكة لما تفعّل لكنّها مُسَيطر عليها تحت مظلّة أكبر مَن مدركاتها وأوسع، تهيّئ لها أجوبة لمختلف شكوكها وغالباً ماتكون هَذَه الأجوبة غيبية او توظيف للمقدَّس.

وعلى اختلاف المسببات القائدة لتشكيل امم طاردة، هي حالة لو جاز لي التعبير أن اطلق عليها ” التخدير نَحْو التطرف” والذي يقود إلى الإجرام والإقصاء والتحايل، وسلب “الهُوية الأساس”. ومن ثُم نفاذ ذخيرة الإنسجام بين المكونات.

تمتاز هَذَه الأكثرية في الأمم بالكره الشديد للآخر المختلف عنها نتيجةً للكبت والجهل المفروض عليها، وهي لا تتورع أن تقتل بصورة عادية سَاعَة هيجانها العشوائي او المنظّم. لأنها تمتاز ايضاً بالغضب المستمر من كل شَيْء نتيجةً لسوء الحال والإرباك النفسي ، و يضاف إلى ذَلِك البواعث المحفزة للموت نتيجةً للترغيب به. أو حالة اليأس الناتجة من اللاجدوى مَن الحَيَاة او كليهما.

وجود المحرض الأعظم لبواعثها النفسيّة بصورة مستمرّة وَهُو مايمثل لها العلاَّمة الفارقة بين ألموت والحياة، فتبقى تواقة دائماً لمحرض عنفي ناتج من ظروفها وضاغط عليها، يخرج فور وجود فرصة. ليشتغل في التوظيف لـ”مُثلها العليا”، فهي تنظر حتى لمثلها العليا على انها ” تمتاز بالغطرسة والخوارق الاعجازية والقوة القائدة الى الهزيمة بالآخر وتهمل اي جانب معنوي او اخلاقي أخر تمتاز به تلك المُثل لأنها لاتتناسب مَع ما تتوق إليه” تلك الأيقونات هِي التي تمنحها المشروعية في ذَلِك التوظيف. “وترتكز على الخطاب المانح لها المشروعِية في تحركاتها العنيفة”. إنها الحالة المناسبة جداً لبقائها لأنها ميالة نحو العنف ومن ثم التعصب والتطرف. يقول دكتور قدري حنفي (( إنه ليس صحيحا تماما أن الداعية المتطرف يحلق فى فضاء وسطي، بل الأقرب للحقيقة أنه يتحرك بين جماهير جاهزة للتطرف ومتعطشة لغطاء دينى يرفع عن كاهلها التحرج من التطرف وممارسة العنف)).

لذلك هِي سريعة التعبئة والاندفاع لتتشكل علَى هيئة مجاميع مسلحة متحركة في قالب الانضباط “الراعي لها” من جهة، ومن جهةٍ أخرى تكتسب المزايا التي تحتاج لها [لتبرير وجودها كقوة مبرّرة الوجود ذات باعث تسلطي لاتؤمن إلا بما هي تريد، وتُصَدّر جَمِيع ماتريد علَى الآخرين بشكل قسري، وهنا تحصِّل الكراهية ومايتبعها من خطاب وماينتج عنها من تمزق].لتصبح مجاميع متطاحنة مسلحة طاردة لغيرها فيحصل عندئذٍ الامبالاة بمختلف الاهتمامات الَتِي من شأنها أن تعطي إنطباع عَن الدّولة الديمقراطيّة والمتحضرة.

مُنذ البدء هي غير ميالة لسلطة القانون وتعمل علَى موازاته بشكلًٍ مستمر وبصيغ مختلفة أكثر أشكال هَذَه الصيغ هي “التسلّح”! الجميع فيهم يتتوق إلى القيادة والكرسي وحب التسلط في اي مكان واي وقت حتى لو كان تجمع مؤقت من أجل هدف لا أهمية له.

الأقليات؛

تشكّل الأقليات في تلك الأمم أما أرض رخوة غيرُ قادرةٍ علَى إظهار بواعثها وحركتها بصورة اعتيادية وهي منعزلة تقريباً بشكل تام او تحت وصاية مجاميع الكثرة التي تمسك الارض، او راحلة متشتتة باحثة عن هوية أرض بديلة،

هَذَه الأقليات ستحمل في ذَاكرتها علَى مر العصور صوّر سيئة مقيتة عَن ما عانته او ما فرض عليها. ستتولد لديها غريزة الكره المُبطن، ومن ثُم الأنتقام عندما تكون لديها فُرصة لذلك.
الوسيط؛
الوسيط في هَذَه الحلقات مابين الكثرة المتعددة والأقليات هُم ” القلة” ومن سنخيت نفس هذه المجاميع،
هؤلآء هُم الميالون إلى أحداث تصالح نسيجي مقترن بهيئة واحدة هِي “المشتركات الإنسانية” للجميع. وهؤلاء يمتازون بوعي كَبِير حتّى لو كانوا غير مهنيين. هُم يحملون مشروعاً وسلوكاً، أنبل من كتب التراث والتأريخ المزيف، يُحاوِلون أحداث عصف ذهني متسارع أو مسترسل في القضايا الَتِي مَن شأنها أن تسبّب التطرّف أو ضعف للقانون.هؤلاء هُم القلة الواعية المستوفية لشروط التعايش السلمي في الامة، لديهم نخبة “وهم نخبة”، غالباً مايكونون علَى دَرَجَة عالية مَن الثقافة. هَذَه القلة تظهر وتختفي فهي لَيْسَت كالأقليات الَتِي شرحنا عنها، راسخة تاريخياً، هم ليسوا سُلالة الأعراق والطوائف لذلك هُم بلا عائدات تأريخية مأزومة او متشنجة في منطلقاتهم وخطابهم العام وليس الشخصي. هم ايضاً ليس مجاميع ذات تصنيف أخر، بل هم من نفس مجاميع المجتمع ، لكن من نوع أخر بالتوجه.

في حالة الخطاب الشخصي المقترن بالهوية الفرديّة هُم أحد تلك المجاميع في طقوسهم. وان كانت هناكَ عوائد تأريخية فهي ليست رواسب بَل هي مفاهيم ونظريات علميةً واقتباسات نفعت غيرهم مَن الأمم فوظفوها كمدلولات في طرحهم وبتقيد.هُم الذين يدلون علَى الهُوية الأساس وفق المشتركات الإنسانية للجميع ممكن ان أصطلح عليهم “القلة النابضة” هؤلاء نقطة ضعفهم إنهم نتيجةً لما آمنوا به من تعايش سلمي وافكار متعالية، أصبحوا معرضين بشكلًٍ دائم للتهديد والأغتيال، والقمع، والإقصاء في اغلب اوساط الكثرة المخدرة، كذلك معرضين دائماً لمختلف الإسقاطات الغيبية لإعطاء مبرر بقمعهم او قتلهم ، بين الحين والآخر ينجذب إلى قراءاتهم البعض لكن سرعان ما يتمُ السّيطرة علَى الوضع بفعل زعامات الكثرة وإمكانياتها،فالشعوب التي غلب علَى طابعها نبض المشتركات الإنسانية هي شعوب تكون ذاتَ أكثرية مدنيّة، يحصل لها كما ذكّرنا انفاً من الأمم المتطوّرة. والشّعوب أو الأمم الَتِي ينحسر عندها هَذَا النوع هِي شٌعوب غيرُ مشتركة بهدف موحد مختلفة بالهوية ومن ثم العقيدة والإنتماء فيحصل ما يحصل وفق ما ذكرنا انفاً حوّل الأمم المخدرة.

تكون الأمة الأولى حيّة بالضرورة والأمة الثّانية مخدّرة بالضرورة متطرّفة بالعارض.