23 ديسمبر، 2024 11:53 ص

إن ما يشهده العالم العربي هذه الأيام ليس ربيعاً عربياً  وإنما “سايكس بيكو ” جديد لتقسيم العالم العربي وتقاسم موارده ومواقعه ضمن مشروع غربي  بدعم ومباركة من اغلب دول المنطقة كتركيا وإسرائيل ، فلا يمكن للثورات أن تصنع بهذا الشكل المنظم والمتسلسل أبتداءا من تونس ولا أدري إن كانت ستنتهي في سوريا أم غيرها  ويستحيل أن تنجح بهذا الأسلوب لولا السيناريو الموضوع سلفا ” ثورات بطريقة تسليم المفتاح ” من قوى خارجية تطلب السيطرة ولا تريد إلا مصالحها فقط ولا يصح أن يتصور أحد أنها بعد المصالح تريد تحرير الشعب فأين كانت تلك القوى الغربية عندما كانت شعوب الربيع العربي تذبح وتهدر كرامتها الإنسانية كل يوم أمام مرآى ومسمع الرأي العام والمنظمات الدولية على يد أنظمة قمعية نزلت من القطار الأميركي مع بداية الحرب الباردة. إن أكثر ما في الأمر من غرابة هو تسليم مفتاح الثورات الجاهزة بيد القوى الإسلامية على مختلف توجهاتها وعقائدها وهذا أكثر ما يدفع بنا على الريبة والشك في حسن نوايا الغرب إزاء كل ما جرى ويجري للآن فالاعتراف الأمريكي الغربي بالإسلاميين لم يأت قبولاً لهم ولا إعجابا بهم فالإسلاميون في كل مكان هم دون مستوى الإعجاب شكلا ومضمونا ، لكنه جاء بحسب اعتقادي قبولاً بنصيحة عدد من أبالسة دوائر التحليل الاستراتيجي والمخابراتي لتوظيف ذلك في تأجيج فتنة في العالم العربي الإسلامي و أضعاف دوره لصالح آخرين، فنشوة الإسلاميين بالاعتراف  الغربي بشرعيتهم في أغلب دول المنطقة لم تعطهم فرصة كافية لدراسة دواعي الاعتراف بعد تلك النشوة. أن ما نراه الآن ليس مجرد ربيع عربي تهب نسماته على المنطقة، وإنما هو تغيير إقليمي ودولي وسياسي يتحرك بسرعة تحرك النار في الزيت . فها نحن الآن نرى خرائط كانت معلقة على الجدران ترفع الآن وتطوى، لأن المشاهد اختلفت، فالأنظمة العصية تأدبت أو يجري تأديبها والمواقع الضائعة استعيدت أو أنها تستعاد الآن، وكل ذلك تمهيدا  لفصل جديد من شرق أوسط يعاد الآن تخطيطه وترتيبه وتأمينه سياسيا وامنيا واقتصاديا ، حتى لا يفلت مرة أخرى كما حدث عندما راود العرب حلم مشروعهم القومي وما رافقه من مواقف موحدة إزاء القضايا العربية . أن المشروع الغربي يسير على خطين ، الخط الأول ومسعاه إغراق المنطقة في صراع طائفي، وبالتحديد سني شيعي، وقد بدأ مسير هذا الخط منذ عدة سنوات وتحديدا عام 1979، عندما سقط النظام الشاهنشاهي في إيران، وحل محله نظام الثورة الإسلامية. أما الخط الثاني لهذا المشروع فهو الخط الموازي للفتنة والذي يسير بسرعة لافتة بتقسيم المنطقة على طريقة “سايكس بيكو مع الأخذ بنظر الاعتبار ما تقتضيه متغيرات اللحظة الأخيرة ، فالخرائط الجديدة ستوزع إرث المشروع القومي العربي الذي تمكن من طرد الاستعمار الغربي في مرحلة سابقة وحاول أن يملأ الفراغ لكنه لم يستطع أن يحمي نفسه وعجز عن تحقيق ذلك وهكذا اليوم يتوزع ارثه. فما يميز التقسيم في المرة الأولى أنه كان تقسيماً جغرافياً وتوزيع أوطان، ولكن التقسيم هذه المرة هو تقسيم موارد ومواقع، لذا عندما نقول إن لتركيا الإسلامية مباركة ودعم واضح لما يجري الآن في المنطقة فهذا يعود سببه إلى إن للمشروع التركي حظه الأكبر لأن أساسه التاريخي لا يزال في الذاكرة وفي المواريث وأن تركيا العثمانية كانت هي الضحية التي توزع ارثها على الآخرين في « سايكس بيكو » الأولى وهي الآن أمام إغراء أن تكون شريكاً في الإرث الجديد بعد إن كانت ضحيته في السابق.ولكن ما أود قوله أخيرا هو أن العرب لم يتعلموا في الماضي ولا في الحاضر أنه ليست هناك عهودا للغرب إلا ما تقتضيه أسباب القوة ، فكلهم سوف يتنكرون لأي عهد عند أول منحنى على الطريق إذا دعته مصالحه على ذلك فاحذري يا أنظمتنا الإسلامية الحاكمة مما يجري وكوني بمستوى المسؤولية لكن للأسف شكي في ذلك يقين.