23 ديسمبر، 2024 4:45 م

خَلف الإعصار ساندي وهو الأقوى الذي يجتاح الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة ومازال حتى سطورنا هذه يضرب شواطئها بقوة ، وراءه عشرات القتلى في سبع ولايات هي نيوجرسي ، نيويورك ، ميرلاند ، نورث كارولينا ، فرجينيا ، بنسلفانيا ، كونيتيكت ، وهي من أكثر المناطق المأهولة بالسكان (50 – 60) مليون شخص يكونون قد تضرروا من جراء الإعصار ، وأضرارا” جسيمة في البنية التحتية والمرافق العامة ، محطات كهرباء (8) ملايين شخص حرموا منها ، شبكات مترو الأنفاق الرئيسية في نيويورك التي عمرها 108 عاما” والذي من شأنه ان يشل المدينة لعدة أيام لأهميتها ، إغلاق محطات رئيسية للطاقة النووية ، توقف معامل التكرير ، الكيمياويات عن العمل ، إلغاء (13000) رحلة جوية ، والإغلاق الأطول في تأريخه لسوق الأوراق المالية (وول ستريت) ، وتقرر أن يستمر إغلاق مؤسسات الحكومتين الإتحادية والمحلية في واشنطن ، كما أمرت السلطات بإخلاء (375) ألف شخص من مساكنهم ، فيضانات ومساكن تهاوت ، والرئيس اوباما يعلن حالة (الكارثة الكبرى) في نيويورك مما يجعل التمويل الفيدرالي متاحا” للناس في هذه المنطقة .
بذلك تكون الحيصلة النهائية للإعصار حسب التقديرات الأولية الصادرة عن المؤسسات الإقتصادية بعشرات المليارات من العملة الخضراء ، تتحمل جزءا” كبيرا” منه شركات التأمين ، وآثارا” بالغة على الإقتصاد الأول عالميا” .
كارثة إنسانية كبيرة تستدعي تعاطفا” أكبر ، عبر برقية مواساة أو حزنا” قلبيا” يُشعر المنكوب بنا كأمة حية ، يؤلمها ما أصاب (الناس) هناك ، وذلك (أضعف الإيمان) ، خاصة إذا ما علمنا وعلى الدوام كانوا هم الأسخى عطاءا” في هكذا أزمات ، ونيويورك هذه مدينة للتسامح الديني والعرقي ، وملتقى حضارات بني البشر من كل حدب وصوب ، يلجأ إليها كل من قطعت به السبل بفعل إضطهاد أو ظلم من هم في حكم بلاد (الإيمان) التي نحن فيها ، يمارس عقائدة الدينية بحرية ، طارحا” مايؤمن به من فكر سياسي دون ان يخشى زائرا” يزج به خلف قضبان زنزانة عند بزوغ الفجر .
المصيبة مالفت إنتباهنا ووقعت عليه أعيننا ، عبر الشبكة العنكبوتية او صفحات التواصل الإجتماعي ، ذلك الكم الهائل من الأحقاد الدفينة التي تعتمر صدور (خير أمة أخرجت للناس) ، وتدلل بوضوح لحالات إنفصام ، عقد وأمراض نفسية ، وهي حالة ليست غريبة علينا كأمة نثبت كل يوم عدم قدرتنا على العطاء الإنساني ، وهذا ما يلمسه أي متتبع لأحداث مماثلة كنا فيها نحن (المسلمون) في شدة العوز ، من بالي في أندونيسيا أكثر البلدان الإسلامية عددا” معللين (التسونامي) بإنتقام رباني للباس الناس الخليع ، إلى زلزال هنا وفيضان هناك وما أكثر مصائبنا (إبتلاء المؤمنين) دون ان تكون لنا بصمة نثبت بها إنسانيتنا المستلبة قبل إسلاميتنا المفاخر بها عبثا” ، ودعوات عند كل كارثة بضرورة العودة للدين والتمسك بعروته وعدم الإنحراف ، بعد عجزنا عن طرحها لنقاش علمي رصين كظاهرة طبيعية تستلزم ذلك .
أصحاب الفتوى (العار) ولوقت قريب يتوسلون (محرر) أمريكي على التدخل في شؤون بلدانهم لإنقاذ شعوبهم ، يستجدون رضاه بعد ان أعتلوا سدة الحكم فيها ، طمعا” بمعونة إقتصادية منه ، او دعما” سياسيا” ينجح تجربتهم الوليدة .
نكرر الأمر ليس غريبا” ، ماذا تترجى من أمة تبحث في مزابل التأريخ ، حفر نضال او حتى سيول وكوارث طبيعية عن نصر ألهي تفخر به ؟ (جواز الفرح) لما أصاب بلاد (الكفر) من جراء الإعصار وإعتباره (جند من جنود الرحمن) وإنتقام منه ، مستشهدين بالآية (لا تأس على القوم الفاسقين) ، فتوى تمنح رخصا” مجانية لساذح بالتكبير ، الرقص ثم التهليل ، صاحبها تعليقات وتغريدات رعاع منساقين وراء من بات الدين سلعته الوحيدة المتاجر بها ، وإلا فهو دونها مفلس ، ففرحوا ، تشفوا بنصرهم المبين ، كما يفرح الكثير منهم حين يصاب من تمذهب في الدين الواحد بغير ما تمذهبوا هم بمصيبة ، أي أنه مرض يصعب إستأصاله بعد تجذره في جسد أمة خاوية فروعها إلا من روح غل وحقد ، ونيويوك يعاد بناءها بسواعد تعرف معنى البناء كما تعرف للحياة معنى ، لا تنتظر معجزة ألهية ، او تركن لدعاء طلبا” للرزق .