منذ الاحتلال ولحد الان وبعد كل انتخابات لمجالس المحافظات او البرلمان، تثار الكثير من القضايا والملفات الخاصة بالانتخابات، وخصوصا من قبل الكيانات والاحزاب الخاسرة، التي لم تحصل على اي مقعد او مقاعد معدودة، ومع تراكم الخبرة الانتخابية للأحزاب والكيانات، جرى التركيز على عملية احتساب عدد المقاعد لكل كيان، وبعد موجة طويلة من السجال والتطاحن بين الكتل والاحزاب وضغوطات محلية ودولية، تم تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات لعام 2013 باستخدام طريقة سانت ليغو لتوزيع المقاعد على الكيانات السياسية ، وهي طريقة دولية مستخدمة في العديد من الدول وتعتمد على تقسيم عدد الاصوات التي حصلت عليها الكيانات على متتالية عددية ( … , 9 , 7 , 5 , 3 , 1 )، عدد مرات القسمة مساوي لعدد المقاعد المخصصة لتلك المنطقة او المحافظة ( وللتأكيد : في كل عملية قسمة، تجرى قسمة حسابية للأعداد الاصلية لنتائج الانتخابات وليست النواتج الفرعية لعملية القسمة ) ومن ثم اختيار اكبر نواتج قسمة وبالتسلسل من الاكبر الى الاصغر، وبعدد المقاعد المخصصة، بعد ظهور نتائج تلك الانتخابات، وتتضمن مقاعد للكتل الصغيرة ، اي التي حصلت على اصوات قليلة نسبة لما حصلت عليه الكتل الكبيرة والمتنفذة، اعتبرت الكتل الكبرى ان النتائج لم تكن في صالحها، لأنه المقاعد التي حسبت للكتل الصغيرة كان بالإمكان ان تكون من حصتها لو تم توزيع المقاعد بالطرق السابقة بالاعتماد على القاسم الانتخابي أو ( ما يسمى بالعتبة الانتخابية ) والتي يتم بها ابعاد الكتل الصغيرة من المنافسة لعدم تجاوزها للعتبة الانتخابية والتصرف بالكراسي المتبقية لصالحها بالاضافة الى كوتا النساء والاقليات، ولكن حصل ما حصل ولا يمكن التراجع عن النتائج باي حال من الاحوال أو التراجع عن طريقة سانت ليغو، لذلك اعدت العدة جيدا لتكيل الصاع صاعين للكتل الصغيرة في الانتخابات اللاحقة، الانتخابات البرلمانية 2014، فجندت عناصر منها لدراسة طريقة سانت ليغو بكل صيغها وامكانية استحداث صيغ جديدة منها، واستعانت بالخبرات الدولية وخبراء الانتخابات من خلال الإفادات الى خارج القطر، ووصلت الى نتيجة ان طريقة سانت ليغو بصيغتيها الاصلية ( 1 ) او سانت ليغو ( 1.4 ) المعدلة دوليا لن تكون في صالحها، فاجرت عليها تعديل يتماشى مع مصالحها الضيقة بعيدا عن اي مصلحة وطنية، تجاوزا لمفاهيم الديمقراطية والمساوات والعدالة، والتعديل كان باختيار صيغة سانت ليغو ( 1.6 ) وتجاوزت سانت ليغو ( 1.5 ) وهي صيغة تستخدم لاول مرة عالميا، حيث تم تعديل قانون الانتخابات النيابية وبدفع من تلك الكتل، باستخدام طريقة سانت ليغو ( 1.6 ) المعدلة عراقيا، لتوزيع المقاعد، فجاءت نتائج الانتخابات البرلمانية 2014 لصالحها تماما، مع تمكن بعض الكتل الصغيرة من النفاذ الى قبة البرلمان بعدد قليل من المقاعد، وحتى هذا العدد القليل من المقاعد الخارج عن سيطرتها، اعدت له العدة ثانية، للهيمنة على نتائج انتخابات مجالس المحافظات القادمة، فعملت على اجراء تعديل على قانون انتخابات مجالس المحافظات باستخدام طريقة سانت ليغو ( 1.9 ) المعدلة عراقيا ـ عراقيا، وتمكنت من تمرير هذا التعديل في البرلمان لتتم المصادقة عليه قبل ايام، وهي ايضا طريقة غير مستخدمة عالميا، ويمكن ان يمنح بها المشرع العراقي براءة اكتشاف، كطريقة جديدة، ميالة الى التخندق والتقوقع للكتل السياسية الكبيرة وطرد وتهميش الكتل الصغيرة وسرقة اصواتها، والدفع نحو ديكتاتورية جديدة .
ان السكوت والرضوخ لهذا التعديل في طريقة سانت ليغو سيدفع الكتل الكبيرة والمهيمنة الى اكتشاف تعديلات جديدة على هذا الطريقة لتصل بنا الى سانت ليغو ( 2 ) أو ( 2.1 ) وحتى سانت ليغو ( 2.5 ) وصولا الى طريقة اكثر نهبا وابتزازا للأصوات من الطرق السابقة ما قبل سانت ليغو وببراءات اكتشاف عراقية جديدة .
لقد طرح ممثلي ومتحدثي الكتل الكبيرة عدة تبريرات لاصرارهم على تجاوز طريقة سانت ليغو الاصلية ( 1 ) وكذلك المعدلة دوليا ( 1.4 ) ومن هذه التبريرات، لكونها تساعد على حصول الكتل الصغيرة على بعض المقاعد في نتائج الانتخابات مما يزيد من تنوع أو ( تشرذم : على حد قولهم ) التشكيلات الادارية والبرلمانية وبالتالي حصول المزيد من الاحتدام والتطاحن والتأخير في اتخاذ القرارات وحسم المواقف. وهذا التبرير مرفوض وغير سليم لأنه يضرب عرض الحائط بعضا من مفاهيم العمل الجماعي والتنوع والتعدد والديمقراطية والعدالة والمساوات من خلال حكر القيادة ومصادر القرار بيد الاقلية. بالاضافة الى ذلك فان تلك التشكلات الناتجة من الانتخابات اصلا هي متشرذمة ومتناحرة وفي تطاحن مستمر لاعتبارات طائفية ومصالح شخصية غالبا ما تحاذي حاصل البيدر، وبالتالي فان وجود ممثلي الكتل الصغيرة يساعد على تخفيف واخماد هذا السعير، ولا سيما ان غالبية الكتل قليلة الاصوات نسبيا والتي نسميها الكتل الصغيرة هي كتل متنوعة الاطياف وبعيدة تماما عن اي ترددات طائفية ومذهبية وما شابه ذلك .
ومن التبريرات الاخرى للكتل الكبيرة ان تلك الطرق تجعل ثمن المقعد ( ثمن المقعد هنا المقصود به : هو عدد الاصوات الانتخابية التي تقابل ذلك المقعد ) الذي نحصل عليه بتلك الطريقة عالي جدا قياسا الى اثمان المقاعد التي تحصل عليها الكتل الصغيرة، وهذا تبرير مرفوض ايضا، لان ثمن المقاعد بهذه الطريقة مختلف وحسب تسلسل الية الحصول على المقعد اثناء عملية الحساب والقسمة، والكتل الكبيرة ستحصل على اكثر من مقعد وبتسلسلات مختلفة، فعندما تحصل على المقعد الاول ( وهذا اكيد وحسب الطريقة ) فهو فعلا باهض الثمن ولكنها ستحصل على المقعد الاخير او ما قبل الاخير، حسب تسلسل اجراءات الطريقة الحسابية، وهي مقاعد رخيصة نسبيا وقد تحصل على مقاعد في منتصف عملية التوزيع وهو مقاعد متوسطة الثمن، وبالتالي فانها ستحصل على عدد من المقاعد بأثمان مختلفة، معدلها مقارب الى ثمن المقعد التي ستحصل عليه الكتل الصغيرة لذلك تبريرهم هذا مردود وبائس .
قبل الختام واكمالا للمشهد، لا بد من شرح مبسط لطريقة سانت ليغو بصيغها المختلفة لتوزيع مقاعد العملية الانتخابية وحسب ما حصلت عليه الكتل الانتخابية من اصوات، وهي طريقة وضعها عالم الرياضيات الفرنسي ( اندرية سانت ليغو ) في بداية القرن الماضي، أؤكد ثانية، واضعها عالم رياضيات وليست كادر حزبي وسياسي همه مكاسب حزبية وسياسية له ولكتلته الانتخابية، لذلك سميت باسمه، تستخدم لضمان حصول الكتل الانتخابية الصغيرة ( التي حصلت على عدد قليل من الاصوات الانتخابية قياسا الى الكتل التي حصلت على اعداد كبير من الاصوات والتي نطلق عليها الكتل الكبيرة وغالبا ما تكون متنفذة ) على مقعد واحد او اكثر بدلا من تهميشها وعزلها بلا اي مقعد. تعتمد الطريقة على حساب الاعداد وغالبا ما يكون ساحر، حيث يتم قسمة عدد الاصوات التي حصلت عليها الكتل الانتخابية على العدد ( 1 ) ثم يخصص المقعد الاول لأكبر حاصل قسمة ويصبح هذا الحاصل خارج العملية التنافسية ، ثم يعاد قسمة الاعداد الاصلية للاصوات ( وليست نواتج القسمة الفرعية ) على العدد ( 3 ) ثم يخصص المقعد الثاني لاكبر حاصل قسمة في الجدول من كلا عملتي القسمة على ( 1 و3 ) وايضا يصبح هذا الحاصل خارج العملية التنافسية ، ثم يعاد قسمة الاعداد الاصلية للاصوات على العدد ( 5) فيخصص المقعد الثالث لاكبر حاصل قسمة في الجدول من كل عمليات القسمة الحالية والسابقة … وهكذا تستمر العملية بالقسمة على ( … , 9 , 7 ) لحين الانتهاء من اخر مقعد وحسب عدد المقاعد المقررة لتلك الانتخابات ، وغالبا ما تكون نواتج عمليات القسمة الاخيرة غير مجدية لأنه التنافس يكون بين نواتج عمليات القسمة الاولية، هذا بخصوص ما يسمى طريقة سانت ليغو الاصلية ( الدولية ) حيث تكون القسمة على المتتالية العددية ( … , 9 , 7, 5 , 3 , 1 ) وهي تستخدم في عدد من الدول ذات الباع الطويل في العمليات الانتخابية والديمقراطية الحقيقية وغير المزيفة ، اعتمدت هذه الطريقة مرة واحدة عراقيا في انتخابات مجالس المحافظات 2013 وتم الاستغناء عنها كما اوردنا في اعلاه .
اما طريقة سانت ليغو المعدلة دوليا فتكون القسمة على الاعداد ( … , 9 , 7 , 5 , 3 , 1.4 ) وبنفس الالية ومعتمدة في العديد من الدول وبعض الدول انتقلت من سانت ليغو ( 1 ) الى هذه الطريقة المعدلة باعتبارها حل توافقي بين المؤيدين والمعارضين لسانت ليغو ( 1 ) الاصلية .
اما طريقة سانت ليغو المعدلة عراقيا ( اعتمدت في الانتخابات البرلمانية 2014 ) فتكون القسمة على ( … , 9 , 7 , 5 , 3 , 1.6 ) وكما قلنا فانها لم تستخدم سابقا من اي دولة في العالم ويمكن اعتبارها اكتشاف عراقي .
اما طريقة سانت ليغو المعدلة عراقيا ــ عراقيا ( التي اقرت قبل ايام في البرلمان العراقي كتعديل لقانون انتخابات مجالس المحافظات ) فتكون القسمة على الاعداد ( … ,9 , 7 , 5 , 3 , 1.9 ) وهي كذلك وبكل تأكيد لم تستخدم في اي دولة بالعالم لانها اكتشاف جديد للمشرع العراقي ويستحق عليها براءة اختراع .
نلاحظ من العرض اعلاه ان الفرق بين طرق سانت ليغو بصيغها المختلفة يعتمد على العدد الذي يقسم عليه اولا ( 1.9 / 1.6 / 1.4 / 1 ) ويمكن اختيار اي عدد اخر صعودا او نزولا لاستحداث صيغة جديدة من طريقة سانت ليغو . المفصل الاساسي في الموضوع ان اي ازدياد في هذا العدد تكون الطريقة لصالح الكتل الكبيرة والمتنفذة حيث تأخذ المقاعد بالتصاعد من اسفل الجدول الى اعلاه ، اي تتسرب وتسرق من الكتل الصغيرة الى الكتل الكبيرة، ولهذا فان المشرع العراقي اخذ بهذا العدد نحو الزيادة مع كل تعديل لقوانين الانتخابات للحفاظ على هيمنة الكتل الكبيرة والمتنفذة وتعزيزها، وقد يستمر بدفع هذا العدد السحري في موقعه بجدول احتساب المقاعد، نحو الزيادة بالمراحل اللاحقة .
عذرا للاطالة ولكن زيادة بالفائدة سنعرض جداول تخص نموذج لعملية انتخاب وهمية عشوائية ونطبق عليها طريقة سانت ليغو بصيغها المختلفة مع جدول موحد بالنتائج النهائية لكل الطرق لنلاحظ تصاعد المقاعد من الاسفل نحو الاعلى في الجدول مع تصاعد العدد الاول لعملية القسة .
ملاحظة : اللون الرصاصي يشير الى حواصل القسمة التي حازت مقاعد
واللون الاخر يشير الى تسلسل حاصل القسمة الحائز على مقعد اثناء عملية التوزيع