23 ديسمبر، 2024 2:21 م

سامي مهدي .. العالمُ يهتزُ دونَ إبطاء

سامي مهدي .. العالمُ يهتزُ دونَ إبطاء

يعاكسُ سامي مهدي في مجموعته الشعرية (الزوال) يعاكسُ الرؤية الغربية في مفهوم الغريزة حيث يرونها تنظيريا بأنها مجموعة معقدة من ردود الأفعال الخارجية والوراثية المشتركة ببين جميع الأفراد وأنها إندفاعات مسلوخة عن الوعي بما في ذلك إتجاهات فهمهم الغرائزي للحياة والموت ،وشعريا فأن سامي مهدي يجد بأنها إندفاعات واعية حين تكون هذه الغريزة تتعلق بمصير الإنسان من حيث بقاءه في الحياة ثم مغادرته الى حياته الأخرى والتي يرى الشاعر بهذا التحول تحولا ذا صلة إرتباطية ضمن التواصل الذي يراه طبيعيا بين هذه الحياة وتلك ، وهنا يبدأ المدخل الفلسفي في الزوال ولأن الأشياء لاتوجد في زمان واحد متجانس رغم قربها ورغم وجود العديد من نقاط الإرتباط بينها لكنها لاتعيد تجانسها تحت عامل الصدفة بل تعيده بشكل آخر بفعل التحول من النظرة البديهية للكون الى التقديرات المركبة ومن خلالها يتم رؤية الظلام النوراني وتقبل شمولية المجهول وبالتالي  المساهمة في تنمية قدرات المتلقي لقبول المثير وغير المتوقع وغيرالمقبول،
بهذا الشكل سعى الشاعر سامي مهدي في مجموعته الشعرية ( الزوال )ضمن رؤيته الخاصة عن الحياة والموت لتحصيل الغاية الجمالية مؤكدا إستخدامه لمفهوم (الفكرة القوة) بدلا من الفكرة المطابقة أو الفكرة الوهمية لذلك لم يسطو على زواله السرد الحكائي أو اللامحدودية في ضبط مفرداته إنما عمل على جمع لغته في أدوارها المتعاقبة وكوّنَ حياة جديدة لموجوداته لتحقيق الألة الحسية والتخيلية ،هاتان  اللتان تمكناه من إجراء المسح الشمولي( للعالم الذي يهتز دون إبطاء ) فالمعاينة هنا لاتتصل بزمنية رقمية إنما تتشظى الى علاقاتِ معانٍ بديلة عن الوحدة والضجر والبؤس مقابل اليقين الحياتي الذي أراده الشاعرُ أن يسجل ذلك التناوب الإيجابي بين حفظ البقاء في الصور الشعرية المقننة عبر أسئلة لاتمت للإستفهامية بصلة ولا مداخل إسترحامية امام طقوس المصير التي خلت من الرثاء والعويل ولعل ذلك شكل من أشكال تأجيج الإستدلالات الجدلية التي كان قد رأها الفيلسوف (كانت) بأنها تتم من خلال النفس وملحقاتها وهي جوهر الفعل الصوّري والذي أفاد هذا الفعل أفاد المتلقي الذي سيرى في نصوص المجموعة الشعرية بأنها ترتكزُ على قضيةٍ وعلى حُكمٍ وعلى حُجةٍ، أي أن هناك حتمية ما لكنها حتمية غير قاطعة وهو مايسمح للمزيد من الإنتباه ثم المزيد من التأمل اللذان يساعدان على توسيع دائرة الكشوفات الجمالية ومحصلة كل ذلك التمتع بحرية الإستمتاع بربوبية الأنا ضمن نظام  سامي مهدي التخيلي الذي يرأه المتلقي صالحا لإدامة نعيمه ضمن فراش النص ، وعلى هذا الأساس تعدت اللغة أثرها في النصوص مادام التقابل قائما مابين الإنسان وعلله الكامنة ولعل ذلك التقابل قد فصح عن جودة (الزوال )حيث أن المتناهي لايمكن قياسه، فالنص لاينتهي عند نقطة ما أو حد معلوم أو طرف سائب وتجد تلك القدرة واضحة في العديد من النصوص ومنها (العناوين – البذرة – دلمون – فائض الاشياء .. ) وغيرها من نصوص الزوال ،
أن الزوال حالة أبدية قائمة ، وسامي مهدي في (زواله )عَنيَ بقاءنا في علاقاتنا التي سوف نمارسها في  حياتنا الآخرة التي تواصلت وتشكلت مما لنا من ذكريات وأفكار  وأسئلة وطقوس في حياة الأرض ،
 لذلك فكل ماأتى به  الشاعر من الزوال فيه غرضٌ وفيه فائدة وفيه مرتبة ما وفيه القدرة على تسمية ما للأشياء التي كنا نراها غير مهمة وغير ضرورية وفيه معرفة لطرق الإنتقال من المعلوم الى المجهول ،
إن معطيات التجربة الشعرية في (الزوال ) لدى سامي مهدي لم تهمل أي شئ يتصل بالهوس والخوف والقبول الذي بني عليه الإنسان من مواجهة الزوال منذ الزوال الأول الى يومنا هذا والذي لازالت فيه عربات الموتى لازالت في حالة ركض ،

[email protected]

هامش /
الزوال .. مجموعة شعرية للشاعر سامي مهدي / صادرة عن دار الرشيد للنشر 1981