23 ديسمبر، 2024 6:30 ص

سامية توتنجي وماري القصيفي .. بين أغلال بيروت وفضاءات فولتير

سامية توتنجي وماري القصيفي .. بين أغلال بيروت وفضاءات فولتير

منذ الازل لم تتمكن الشاعرة العربية تخطّي قيود واقعها المجتمعي في الكتابة، حيث ان ما كتب وقع تحت مؤثرات الخوف والرعب من اجتياز تلك المحددات، بعكس الشاعر الذي تجاوز تلك الحواجز، مثلما كتب بشار بن برد وأبي نوّاس وابن سكرة وابن الحجاج وحديثاً نزار قباني واخرون .. ويمكن القول ان تخطي الخوف في بناء القصيدة ليس قضية اللغة ( فاللغة أساسا محايدة) ولكنها رؤية سسيولوجية تخص التقاليد المجتمعية وقيودها السائدة.
لذا نجد الشاعرة اللبنانية المهاجرة قد ابدعت في بناء القصيدة بلغتها الجديدة، حتى استفاضت طلاقة في العواطف، وكأنها غادرت حالة الكبت ولعنة الخوف الى فضاء الحرية والابداع الحقيقي، ويجدر بنا الانتباه الى أن هناك حرب حقيقية بين الحرية والعبودية في الشعر، كما هي في نواحي الحياة الاخرى.
لو أخذنا الشاعرة سامية توتنجي أنموذجا في مجموعتها الشعرية “حضور من كلّ فج” والتي تؤطر فيها الفهم الوافر للمراة والحب، وقد كتبت بالفرنسية وترجمها والدها الشهيد توفيق يوسف عوّاد، الذي يعد من رواد الحركة الروائية في لبنان، حيث كتب قبيل الحرب اللبنانية روايته الشهيرة “طواحين بيروت” 1973 مستبقاً المأساة الأهلية ومعالجاً لصراعاتها، وراسماً الحلول ولكنه سقط صريعا في قذائفها اللعينة مع ابنته الشاعرة سامية وصهره ..
تقول في قصيدتها:
“جميع النساء تتكلم بفمي
وتبعيّتهن الطويلة الأمد تسوق البحر الى مضاجعنا
القمح في السهل يتحرك كما يتحرك شعري وحده
وعلى شرفات السمع هذا الخرير
يتحدث عن اعتراف دائم
والبحر، البحر حامل مفاتنه
يردد السلام المقتنص من المتع الطويلة
والنهد الذي اخضع كبرياءه”
وتقول:
“انت عند أبواب السكوت
وانا احمل جسدك في عيوني
أعضائي مثقلة بالعناق”
وحينا نجدها في أخرى تقول:
“لتكن ايامك لي، وانا فديتك
في عطشي إليك أريد
أن اتملّى منك واموت
انا المراة، احمل المعادن والحجارة الكريمة
انا امراة، أحمل تحوّلات النساء
أزين صدري بشقائق النعمان الفاخرة اللباس
اتقوّس مغلوبة، في مشيتي تتعثر الفضيلة”

اما الشاعرة ماري القصيفي فكانت متمرّدة مقيّدة …
وما كتبته في “افتحي ساقيك ايتها العاهرة ليولد الوطن العظيم” كان ثورة مجتمعية لنكوص فكري إزاء بكارة الأنثى، فقد وجدت القصيفي ثورتها الشعرية من خلال ذلك التهكم، فكان بوابة لتخطّي حدود الممنوع في ثورة على التقاليد.
حين تقول:
“افتحي ساقيك ايتها العاهرة ليولد الوطن العظيم”
“انشروا أغطية الأسرّة التي شربت دم البكارة
زغردوا لرجال أثبتوا أنّهم رجال
ولعذراوات ثبتت براءةُ أجسادهنّ
انقروا الدفوف يا رجالُ وزغردن يا نساء
فتختبئَ شهقةُ الألم خلف صخب العرس
عودوا إلى ذلك الشرف الرفيع المرفوع رايةً من بين ساقي امرأة
فأعلام بلادنا اليوم منكّسة”
وتتابع:
“فتعلّمي باكرًا كيف تقبّلين وتعضّين وتغرزين أظافرك وتتأوّهين وتدمعين
تعلّمي باكرًا كيف تغتسلين بمياه الرجل كأنّك تتلقّين هبة من السماء
تعلّمي باكرًا الكلمات التي لا توجد في كتب القراءة ولا في قصائد عيد المدرسة
تعلّمي باكراً أنّك إن لم تكوني عاهرة أكلتك الذئاب
وإن لم تكوني عابرة فلن تنجي بنفسك”

وعلى الرغم من تكامل رؤيتها الفكرية في بناء القصيدة، لكنها تعجّلت صوب مضمار الترجمة لتتوارى من قيودها المجتمعية، املا في التعبير عما في مكنوناتها الشعرية في محيط الإثارة والرومانسية، حيث تجوب الخيالات خلف الأبواب الموصدة .. محاولة لكسر التابوهات المغلقة، وبذلك اتجهت لترجمة النص الشعري للمبدعة الفرنسية Violaine Bérot من كتاب “ليس أقلّ منه”

“عشرون عامًا وأنت تنامين وحيدة في سريرك
عشرون عامًا وأنت تحيطين جسدك بذراعيك لتهدّئيه
عشرون عامًا وأنت تحتضنين نفسك:
استدارةَ نهديك، محيطَهما، نعومتَهما، حجمَهما
بروزَ وركِك، ثمّ ذلك الخطّ الذي ينطلق منه، ليصل إلى انحناءة خصرك، قبل أن يصعّد مع أضلاعك حتّى إبطيك
عشرون عاماً وأنت تحاولين أن تستسلمي للنوم
يداك، ذراعاك، يحضنان، بأقصى ما يمكنهما، جسدك، في محاولة لتسكين صرخات الوحدة التي يعجز هذا الجسد المتروك عن إسكاتها.
عشرون عامًا، وأنت هكذا، متقوقعة على ذاتك، وقد تقدّم بك الليل، تحاولين أن تجدي للنوم سبيلاً.
ثمّ، على حين غرّة، تنامين…
مرّات، قبل قليل من بزوغ الفجر، تجتاحك حرارة مفاجئة.
فتغرقين مندهشة في حلم لذيذ.
ثمّ تكتشفين خائبة أنّ يدك هي التي على جسمك…
هكذا دائماً،
أنت دائماً
ولا أحد سواك.”
هكذا هي رحلة الشتاء والصيف لفينيقيات أرز لبنان، سامية توتنجي تذهب الى باريس تكتب القصيدة للمراة والحب والجمال بالفرنسية وتعود بها قصيدة مترجمة .. ونجد ان ماري القصيفي رغم إبداعها لم تنشر ما يوقعها بالصخب المجتمعي باختراق تقاليده .. حتى ذهبت صوب الشاعرة الفرنسية لتترجم قصائدها الى العربية لتلوذ خلف القاعدة الفقهية ” ناقل الكفر ليس بكافر”