23 ديسمبر، 2024 9:55 ص

سامراء مدينتي الغالية!

سامراء مدينتي الغالية!

مدينة العزة والشموخ العربي الإسلامي , الذي بسط أجنحة النور فوق هامات الأجيال البشرية , الجارية في نهر الدوران الأرضي الدفاق بأمواج السرمد.

مدينة المعتصم والواثق والمتوكل وما بعدهم من الخلفاء العباسيين الذين أسهموا في رفع راية الوجود الحضاري المعرفي , ورسموا خارطة التفاعل ما بين أبناء الدنيا في زمنهم الذي تسيّدوا فيه وتحققوا وتوقدوا , فقدموا ما قدموا , وأخفقوا ونجحوا وربما إنحرفوا , لكنهم أسسوا لمنطلق الركب الحضاري الدفاق المتنامي.

سامراء أكبر حاضرة تأريخية أثرية على أديم البطحاء , ففيها من الآثار ما لا تحويه أية مدينة أخرى في الدنيا, فأصبحت كنزا تراثيا للبشرية جمعاء.

وهي المدينة التي إحتضنت الشاعر العربي أبو تمام , والذي أنشد فيها قصيدته الخالدة التي مطلعها
” السيف أصدق أنباءً من الكتب   في حده الحد بين الجد واللعب” , وكذلك الشاعر البحتري , الذي وصف بُركتها الحسناء وكاد أن يُقضى عليه في ليلة إغتيال المتوكل.

وفيها ولد الشاعر الخليفة (إبن المعتز) الذي بدأ شعره في أروقة قصورها ومتنزهاتها , وعلى ضفاف مياهها الرقراقة , ومعظم ما كتبه كان في سامراء , وقد تعلق بها كثيرا وزارها مرارا بعد أن هجرها العباسيون إلى بغداد فأصابها الخراب , وقد وصف ذلك في أبيات شعر مشحونة بالعاطفة والألم.

وسامراء مدينة الإمام علي الهادي وإبنه الحسن العسكري (ع) وكذلك الغيبة , التي تشير إلى الإمام الثاني عشر (ع).

ولازالت سامراء تتكلم عن قيمتها الحضارية والمعرفية والروحية والسياسية في الحياة , وكأنها تمتلك دورا إنسانيا لا يمكنه أن يخبو أو ينطفئ.

وكانت المدينة  في الربع الأول من القرن العشرين مصيفا للجواهري الذي قال فيها عددا من القصائد , وكذلك الشاعرة نازك الملائكة التي كانت لها معها تفاعلات وتأملات , وعدد من الشعراء العرب الآخرين.

وتحتضن المدينة أصواتا شجية متميزة في أنواع القراءات القرآنية والموشحات الدينية , وكانت مآذنها تصدح بتلك الأصوات التي تبعث السكينة والخشوع والدعة في أعماق النفس والروح.

وفيها العديد من الفنانين خصوصا في الرسم والنحت , ومن الأدباء والشعراء والكتاب والصحفيين والمفكرين والعلماء والأطباء , ومنهم مَن إنتشر في أصقاع الدنيا وتألق على صفحات وجودها المعاصر.

فالمدينة حاضنة فكرية ثقافية حضارية تأريخية , متميزة بقدرات توليدها للطاقات المعرفية والعلمية والدينية والأدبية والفنية , وفي هذا الزمن المتجدد عليها أن ترعى أعلامها وتوثق دورها الحضاري بالجد والإجتهاد والعمل المتفاعل , فتعتني بكل ما يدل عليها ويشير إلى قيمتها وشخصيتها المعاصرة , لأن في ذلك مستقبلها وصيرورتها الإنسانية المتألقة , التي تمنحها الرفاهية والقدرة على الرقي والتواصل مع الدنيا.

فسامراء أهلٌ لتكون مدينة عالمية , فهي تمتلك عناصر ومميزات المدينة العالمية التي عليها أن تكون حيةً في قلب العالم.

وهذا يلقي على أجيالها الصاعدة مسؤولية معرفة مدينتهم واكتشافها وتعريف الدنيا بها , وأن تتظافر الجهود لإنشاء المعالم العمرانية العتيدة المعبرة عن معاني سامراء الأثرية , كالمكتبات والمتاحف والمتنزهات والمهرجانات , والفعاليات الفنية والأفلام , التي تعرض تأريخها ودورها وأثرها في مسيرة الحياة الإنسانية.

فلا يمكن إغفال مدينة بحجم سامراء , وتقليل أهميتها وفعاليتها , وإنما من الواجب الوطني والأخلاقي والإنساني , أن تنال أعلى درجات الإهتمام والتقدير والتعمير , إحتراما لتأريخها وتأثيرها الروحي والحضاري , وتقديرا لرجالاتها الذين يتوسدون ثراها , من الأئمة والخلفاء والعلماء والأتقياء والصالحين.

بسامراء يا وطني ُولِدنا
                               وفيها ضوع تأريخٍ رعانا
ومِنها كلّ رائعةٍ تساقتْ
                                 وعنّا ما نأتْ تبقى سُقانا
فطِفنا في مدى أرضٍ تناهتْ
                                ودامتْ عندنا وهَجا مُبانا
بها الأشواقُ والروحُ اسْتهامتْ
                              فما كسبَ البعادُ بها الرهانا
مَواطننا وإن حَسُنتْ وراقتْ
                                كأنّ التوقَ من ألمٍ غشانا
هيَ الدنيا بما وهَبتْ وجادتْ
                                                           هيَ الأمجاد ما شمختْ عُلانا

تحية لسامراء المحبة والأخوة والألفة والتفاعل الروحي والثقافي الزاهر.
تحية لمدينتي بملويتها الشماء وقصورها العلياء وقببها العسجدية السناء , ونهرها الفياض , ومساءاتها الساحرة المتناغمة الأمواج.

تحية لمدينة “وامعتصماه” , فما أحوجنا لتلك الغيرة العربية العزيزة الأبية , التي أكدت أن الإرادة والعزم أصدق ألف مرة ومرة من القول المستكين , وأن القوة بالعمل والإقدام والإجتهاد والتحدي والشموخ , والإنجذال بضفيرة إنسانية ذات طاقات توثب نحو آفاق الكون المطلق.

تحية لسامراء الأبية الأمينة الصادقة المِضيافة , التي تذود عن قيمها وثوابتها ومرتكزاتها المنيرة المتأصلة بعروق أبنائها الأوفياء.

وتدوم سامراء زاهية مزهوة مزدهرة متألقة وهّاجة القيم والأفكار والمعاني , والمساهمات الإنسانية الفياضة بالروعة والبهجة والسرور الجزيل.

ويبقى “الحقّ أفصحُ إبْلاغا من الكَذِبِ      في صَوتهِ الحدّ بينَ الفِعْل والسَبَبِ”