الرجال مواقف ( كما يقولون ) ، والأستاذ الدكتور عبد الكاظم الياسري له مواقف عديدة في مختلف مجالات الحياة ومن التقى به أدرك انه ليس من صنف الرجال الذين يسعون للشهرة والسلطة ولكنه عندما يكلف بمهمة ما فانه يوفيها حقها ويمنحها ما يتطلب من التضحيات والعطاء ، ولا نريد هنا أن نعدد تلك المواقف ونذكر تفاصيلها بشكل دقيق سواء في الموصل عند احتلالها وإنقاذ العشرات من أهلها الطيبين أو العمارة والكوت عند تعرضها لموجات السيول أو النجف عندما هددت أجزاء منها بالفيضان أو في سوح القتال متجحفلا مع الحشد الشعبي ، ولكننا سنذكر بإحدى تلك المواقف ، فعندما كان رئيسا لأكبر مؤسسة تعليمية في العراق وهي هيئة التعليم التقني شرع بتحقيق ( حلم ) الجامعات التقنية الأربعة ، ويعني هذا الحلم التنازل عن واحدة من اكبر الإمبراطوريات الإدارية للعراق ليتحول منصبه إلى (المجهول ) ، ولم نكن نهمس في إذنيه سرا عن مستقبله الوظيفي بذلك الوقت بل نشرنا مقالة بهذا الخصوص تناولتها عشرات المواقع الالكترونية والصحف المحلية والعربية وقرء تفاصيلها الكثير لدرجة إنها نشرت على الموقع الرسمي لهيئة التعليم التقني بناءا على طلبه هو ، وقلنا له علنا وجهارا بما معناه هل تعلم ماذا أنت فاعل ؟ فأنت ستتحول من الرئيس الحالي والفعلي لهيئة التعليم التقني إلى موقع لا تعلم به حيث لم يطالب بضمان أو تعهدا أو تطمينا أو تلميحا من مسؤول في الدولة بما فيهم معالي وزير التعليم العالي ليكون بأي منصب ( وكيل وزير أو رئيس جامعة أو عميد لكلية أو معهد ) ، وفي يوم الاحتفال بالذكرى 45 لتأسيس الهيئة كان الجميع يلتقط الصور التذكارية وهم مقبلون على تغيير جديد عندما تؤسس الجامعات التقنية ، وسألته بطريقة ودية أين تتوقع أن يكون موقعك في الصور التذكارية القادمة عندما تحصل الموافقة على تأسيس الجامعات التقنية الأربعة ، فأجابني مبتسما ليس المهم أن أكون في أي مكان لان الأهم هو أن يتحقق هدفنا جميعا في توسيع قاعدة التعليم التقني في العراق ويتحرر من كل القيود ليكون بالمكان والمكانة التي تحقق للعراق وللعراقيين ما يطمحوا به ، واسترسل واثقا أينما يكون مكاني فانا بين إخواني وأخواتي من التقنيين نعمل سويا لنحمي ونبني البلاد .
ولكي اذكر عمليا بذلك الموقف سأنشر اليوم المقطع الأخير من تلك المقالة كما نشرت في حينها ، للبرهنة على إن الأستاذ الياسري لم يغيب عن باله وتوقعاته ما حصل بصدور الأمر الوزاري بإنهاء تكليفه رئيسا لجامعة الفرات الأوسط التقنية ( ضمن إجراءات التعليم العالي بتغيير القيادات والتوجه الحكومي لإنهاء العمل بالوكالات ) التي اوجد فكرتها وأسسها منذ كانت تشغل ( كرفانات ) حتى تحولت إلى صرح جامعي في البنى التحتية والمبادرات وتصنيع الطائرات المسيرة وانتاج براءات الاختراع إلى درجة حصولها وبعض كلياتها ومعاهدها على المرتبات الأولى والمتقدمة في تقويم الأداء ضمن الجامعات العراقية الأخرى ، فتحية إلى البروفسور عبد الكاظم الياسري الذي وضعه الأمر الوزاري تدريسيا في جامعة الفرات الأوسط ، وتحية إلى الأستاذ الدكتور مظفر الزهيري الذي كلف برئاسة الجامعة وهو الابن البار للتعليم التقني ومن المؤكد انه سيكمل ما بدا به زميله العزيز الياسري ، وتحية لكل من وضع خدمة العراق هدفا له في الحياة وبأي موقع يكون فيه .
(( خفايا وأسرار عن خلفيات إنشاء الجامعات التقنية الأربعة في العراق : الأربعاء، 28 أيار، 2014
لقد وافق مجلس الوزراء في جلسته التاسعة عشر الاعتيادية على مقترح وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المتضمن استحداث أربعة جامعات تقنية في بغداد والفرات الأوسط والشمال والجنوب وجامعة بغداد وأصبح الأمر نافذا , ومن المؤمل أن تشهد الأيام القادمة الخطوات العملية للانتقال إلى الجامعات التقنية الجديدة , وان الغاية من هذه المقالة ليس لتمجيد من أسهم في إحداث هذه الانتقال بالطريقة التي عرضت , وإنما الإشارة بان بلدنا حي وعريق ولا يمكن لأية ظروف أن تعطل حماسة أبنائه في ولوج أحسن الانتقالات عندما تعمل بنكران ذات وتنكر للمصالح الشخصية , فرئيس الهيئة الذي ضحى ( ببيروقراطية ) كان يرأس فيها 46 موظفا بدرجة مدير عام و16 ألف من الموظفين بمختلف المستويات والاختصاصات بكل كفاءة ونجاح , ربما سيكون رئيسا لإحدى هذه الجامعات أو عميدا أو تدريسيا في احد الأقسام , لكنه قدم العراق على مصلحته من اجل أن تكون هناك حاضنات علمية لتعليم وتدريب وتربية الشباب ليكونوا طاقات حقيقية في سوح العمل والبناء , ومثله ومثل من عمل معه هم موجودون , ولكننا بحاجة إلى من يبنى العراق بالترفع عن المسميات والمناصب والمغريات )) .