22 ديسمبر، 2024 11:23 م

قبل ايام وبشكل عفوي قررت ان امارس مسؤوليتي من
موقع اعلى كما يقول احد الوزراء السابقين فأصطحبت احد الاولاد في ساعات المغرب ذو الرطوبه المنهمره كأنها المطر ….ودخلت شارع علوة جميله الضاج بلناس والمليء بلبضاعه المشتهاة … باحثاً عن اسئلة عديدة … اولها ماسر ازدحام الناس فيها …واكتشفت انها الاسعار الزهيدة التي تغري فقراء البلد ومزاحمة اغنيائه بسياراتهم الفارهة لشراء مايحلو لهم ….
والسر الثاني هذه الفوضى الشعبية المنظمة ليست بلمعنى الذي ذهبت اليه وزيرة الخارجية الامريكية (كونداليزا رايس )لكنني اقصد هنا فوضى العمل الذي يجعل الرزق مباحاً والفقراء ينامون وهم يطمئنون على وجود النزر اليسير من قوت غدهم…
ماان نزلت للتسوق حتى استقبلني الباعه بابتسامتهم الواثقة برحمته الفياضه بالبشرِ مرحباً بي …اهلاً استاذ وهو قد تركني اختار مااريد من الفواكه كما يقول البائع الكبير واظنه اكبر اخوته …مبادراً اياي بلقول استاذ هذه البضاعه (مخضر وفواكه)هبة من الله…تفضل هي مثل خيرات الله في بلدنا …انتقي منها بكيفك (استنگي)بس انت وضميرك خذ ماتشاء لكن تذكر انها ستأكل جميعاً تذكر ان هناك من سيشاركك الخير هذا …هل تقبل ان تاخذ الزين وتترك الشين ؟ تذكر اننا كلنا سنأكل من هذه المائده ارجوك حاج … اختر وخلي الناس تختار وياك …علينا ان نحس اننا نأكل من ماعون واحد …وانت لا تقبل ان لايشاركك اخيك اللقمة الجيدة ..او ان يمد يديه الى فضلاتك وتم تم بكلامه للحاجة حد …والجور يوجع …والبطر موزين ونحن عمي بدينه نعزل كفه فائض القيمة…ونجعل حاجاتنا عند مستوى الانسانية والكل ياكل والكل يشرب ..ارهقني استيعاب هذا الكم من المعلومات من هذا البائع ذو الشيب الكثيف الى الحد الذي تمنيت تسجيل مايقول لارسله للكثير من المتنطعين في السلطة والاعلام ….الذين يبصقون في وجوهنا بقايا نفايات رذاذ ماتحويه تحليلاتهم الساذجة وانا اكمل شراء البعض من العينات من الفواكه والخضر …ابصر من بعيد ان اخ هذا البائع …وشوش في اذن اخيه والذي كان يمازحني بسيل محبته مخاطباً اياه ….اترك هذه المرأة تذهب (خلي تروح ) هذه هدايا ربك …انها زكاة رزقك وزكاة بطنك ورصيدنا عند الواحد الاحد (قبل ان يقلبها ربك) بعد التدقيق عرفت ان احد العجائز اشترت كيلوين من البطاطا ومثلها من الطماطة ولم تدفع …ومن ادب البائع صغير السن..لم يلحقها بل استأذن اخيه في التصرف فقال انه (عايش بخير بس المشكلة ميبين علية)..
وبين الفرح الذي اخجل دمعاتي من النزول…جراء موقف هذا (البائع) الفارس النبيل الفقير ورغبتي في ان اعوض هذه المرأه ما يمكنها من شراء ..فاجئني البائع قائلاً وبأصرار .. وانا احاول ادفع له استحقاقات البضاعه التي اشتريتها …عمو خليها علينه… قلت له بارك الله بك… ثم قال لي (ربك مايخلي حمل مطروح )دفعت المبلغ ماشتريت ..وعيني لم تغادر المكان ..فقد وجدت اخيهم الثالث قد افترش بضاعته من خضار الخس المتعافيه ..وهو يطلب من الذين يشترون رؤوس الخس بمبلغ زهيد ..بأدب جم ..عمي هل انظف لك رأس الخس .. وحين يوافق المشتري يبدأ ويقطر هذه الرؤوس بلماء ليعطيها للمشتري … لكن مافاجئني ان هذا البائع الصغير ماان ينتهي يبدأ بجمع اوراق الخس المتساقطه على الارض وهي من بقايا تنظيفه للخضار يجمعها ويضعها في كيس ولا يترك بقاياها على الارض رغم اني تحركت من مكاني لاشتري كيس بطاطا من بائع اخر ..اخذني فضولي لاعرف اين تذهب هذه البقايا ….وقد رأيت من بعيد بعد دقائق عدت لاسأل البائع …اين تذهبون بها..اجابني استاذ قسم النا للبيت بعضها يسد قوت بيت متكون من (٩) نفرات واخر …نتقاسم به مع بعض المتعففين الذين ياتون بعد منتصف الليل …والقسم الاخر نمن عليه على بعض جيراننا من الحيوانات وضمت بلابل ،دجاج،طيور ،ماشيه … اجلك الله وحمير عرباتنا
لم يقف الامر عند حد بائع الفواكه …فقد كان مسائي مليئاً بصور ونماذج من فقراء ونبلاء وصعاليك العراق فقد نبهني ولدي الى ان احد الباعه قد لحق باحد الاطفال والذي كان يصرخ وامه ممسكه به واكرمه بعلبه فواكه (الفراولة ) نعم كنت اراقب هذا المشهد بأستغراب فقيرٌ بائع على باب الله يلحق بأحد الاطفال الذي لم تستطع والدته من ان تشتري له علبه (الفراوله) يالله جائع يطعم جائع هذا المنظر نزل كالبرد على قلبي …. ها انا ذا اشاهد ان الخير يطرد القبح والفقر يجاور الخير والمحبة تكبر حقولها بالمحنة (عالم فيه يلغى القبح المستشري في سطح الكثير من شوارع اخرى )
….وانا اكمل مسيرتي في هذا الشارع الممتد حدثني احد المتبضعين مثلي وعرفت انه مدمن تسوق ..وقد عرفت ذلك من خلال سلامه على كل الباعه . قال امس وانا اشتري الدجاج العراقي من احد الباعه المتجولين ..اندهشت من فروسيه باعه الدجاج حينما سألته احد العجائز عن ثلاث دجاجات قال لها بكذا وحين اخرجت من جيبها …وعرف انها لاتكفي اقسم عليها ان تاخذها وتقرا الفاتحة على روح صديقه (علي رشم) الشاعر الشهيد الذي لم يذكره سياسيي البلد ولا اغنيائهُ ولا مسؤوليه الا حين تشح الامثلة لديهم مثلما تقصر ذات اليد لديهم ..وتستمر صور هذا الشارع العراقي المليئ بالحب المليئ بالايثار ..المليئ بلانسانية لم اغادر المكان الا والدموع تطهر مابي من مرارات واحسست ان اهلي العراق بخير …فعالم الفقراء يطفح بالخير والمحبة للعراق واهله ورددت مع نفسي لاادري من شدة الفرح ام من الحزن الچلچل على العراق
الا ليت لي قلباً من الصخر قاسياً
وعيناً بلا دمع من الحزن يسكب
والا فقلباً بلسعادة نابضاً
ك طفل اذا اشتد الاسى راح يلعب