أغلب الشعوب مرّت بأزمات, ولعل بلدانها تشكّلت أثرها وصارت كيانات, لها جغرافية وتاريخ وأهداف مشتركة . من مخرجات حالات الفوضى التأسيس لواقع جديد, ودون ريب سيكون أفضل من السابق . الأمر المغاير لما يحصل هنا, أنهم لا يلجؤون للصراع بعد مغادرته, لهم خطوطهم الحمر التي تتحول إلى نقاط أنطلاق وتحرر من كل أشكال البؤس والأنحطاط . يحدثنا التاريخ عن تجارب دول عانت أزمات تفوق ما يمر به العراق, بيد أن أزماتهم تصل لقمة منحنى وتتجه صوب نقطة الصفر (الحل والتقدم) .. تسلسل رائع, فرغم مرارة الأحداث إلا إن النتيجة هي أنتصار الإرادة الحقة .
لا أدري ما هي خطوطنا الحمر التي سيتوقف عندها الجميع ؟! الإنسان هدف سهل لماكنة الموت التي لم يعرف تاريخ البشرية لها مثيلاً, كماً ونوعاً, حتى صار لنا موعد يومي مع “هولوكوست” جديدة, ولا شيء له قدسية بعد ذلك .
لا توجد نهاية لمأساتنا, فالصعود والهبوط مرهون بمزاجية الممسكين بقيود الوطن .. يوجهون مساراته حسبما تشتهيه الإرادة الحمقاء التي تمليها مصلحتهم .
أغلب ما يحدث اليوم هو بقصد من قبل أطراف ظلامية تخشى النور, “خفافيش” لا تبصر ولا تريد أن يبصرها أحد, ذلك هو طقسها المفضّل . أيادٍ مقتدرة, تأبى خروج “الوطن” من المأساة اليومية التي يعيشها المواطن, فأنفراج الوضع يعني هلاك تلك الأطراف . أتضحت كل الأساليب المتبعة لتهييج الشارع وترسيخ حالات الأنقسام التي تبقي هذه الأجواء الخانقة, هي بيئتهم التي لا يستطيعون العيش خارجها . لا يملكون سوى الحروب وإن فقدوا أدواتها بادروا إلى الضجيج و “العنتريات” الفارغة, الهدوء يرعبهم فهو يمثّل بيئة طبيعية للأسوياء فقط .
أستنفر الطرف المقيت كل طاقاته لتدجين الشعب وربط حركته بحربٍ كونية لا وجود لها على أرض الرافدين, فمنهم من أستدعى حليفه الإقليمي, وآخر أختزل مكونه الموغل عمقاً بالتاريخ ليشرك الغير بتبعات الفشل, وثالث وجه بندقيته صوب رابع لأجلِ صورة ..إلخ ! جميعهم طرف واحد, رغم تعددهم, بيد أنهم ينطلقون من المنطلقات ذاتها لتشكيل العقل العراقي الجديد!!
رغم كل تلك المعوّقات الناتجة بفعل من أصر على تعطيل المسيرة, يبقى هناك أمل يلوح في سمائنا الملبدة بالغيوم, وليس سواه قادر على رفع الرعب الذي يبثّه رموز الحقد في بلدنا المكلوم . لا أستطيع تسميته ولا يمكن أختزاله بشخوص, فهو منهج يتجسّد بمن أتبع الحوار وأبتعد عن المناكفة والتشنج, وما أحوجنا لترميم الثقة المقطّعة الأوصال فيما بيننا ؟! الحوار هو السبيل المؤدي للسلم, والأخير يعد الأرضية اللازمة لرقي الأوطان وكرامة ساكنيها .. ولو قُدر لنا أن نجسّده, بتشخيصه كعلاج أولاً, وجعله خيار رئيسي ثانياً, لما تلاعب “سياسيو البيئة القذرة” بمصائرنا.