يقدم جان بول سارتر في الجزء الثاني من دروب الحرية والمسمى (وقف التنفيذ ) ،يعيد من جديد تقديم أبطاله في سن الرشد أي في الجزء الأول من دروب الحرية يقدمهم من جديد بضمائرهم المتصلة عبر وقف التنفيذ ضمن معطيات مرافقة لموجوداته في الجزء الأول ولكن بتكنيك آخر وبمنظار آخر عبر زوايا مختلفة ليتسنى له إلتقاط الحدود القصوى من النفس البشرية في هيكلية الصراع العاطفي والفكري والسياسي والإجتماعي خلال التوجسات المتوقعة من قيام الحرب العالمية الثانية 1939 والفترة التي سبقتها بقليل ، يزدحم هذا الجزء برؤى كثيرة ومواقف مختلفة وشخوص متعددة ترد على مسرح الأحداث وهي شخوص ليست إستذكارية بل من صميم الواقع ومن ويلات الأحداث فلا نسبية في مواجهة الخوف ولانسبية في إدراك الحاجة الإنسانية ولانسبية في
إدراك المصير وبالتالي فأن المطلق الأعم هو البحث عن الحرية على أنغام المارشات العسكرية وطبول الحرب ، فهناك في الشارع من يصيح :
ليعش هتلر ،
وهناك من يبحث في الظلمة:
عن مقبض الباب .
وهناك من يحاول أن يرفع رأسه وهو يعتقد بزوال الخطر لكنه بعد لحظات لا رأس له،
وبين كل ذلك بين لحظات الموت تنهض السياسة :
(إن البرجوازية لاتريد الحرب ،إنها تخشى النصر ، لأنه سيكون نصر الطبقة العاملة ،)
إن مايعطي لدروب الحرية في وقف التنفيذ تلك (المؤاقتة ) في موجودات تلك الحرب هو ذلك السرد الذي يصل البعض مع البعض ضمن تداخل روائي بين المعطيات والتوقع غير الملموس للنتائج كون أغلب المخرجات هي مخرجات نفسية لاتُمسك إلا بفعل نفسي مُقابِل أي أن سارتر قد قَرّبَ الشراكات الجمعية بعضها للبعض في أوقات كانت غير ممكنة بفعل تباعد الوقائع على مساحة جغرافية واسعة وهنا تكمن قدرة سارتر
في تنقيب الوجود البشري ومحاكاته وتطعيم أدواته والدعوة للبدء والمصالحة مع النفس تحت ظلال التوق الى الحرية ولعل سارتر وقد كان جزءا مباشرا من هذه الحرب لتطوعه مقاتلا للدفاع عن وطنه 1941 مما جعله أن يألف التعود على مآسيها وأن يتقبل مايحدث بدون فزع أو تذمر لأن إشتغاله كان يتم عبر عقله الباطن والذي كان بمثابة مديته لتقليم عهر الحرب في ذاته وهو يردد :
كيف يحمي رجل إمرأة إذا قضى وقته كله
وهو يشعر بالخوف …؟
لقد جعل سارتر مشاهدة دروب الحرية ترى :
على الشعر الأشقر للممرضة الجميلة ..
على ضحكة شارل وهو يقول لبلانشر سلامي على مسدسك المائي ..
على اللحم الطري الذي يلف خاصرةِ رِخن
وعلى مقولة أحد أبطال روايته :
لماذا يتقاتل المتخاصمون ثم يتصالحون ..؟
لقد قدم سارتر شهادته للحرية عبر مشاهد صارمة للأنشطة الإنسانية خارج وضمن الموت ومقترباته
وهي حاجة دائمة وضرورية لكل الكائنات الحية وفي مقدمتها الجنس البشري وذلك ما أراده سارتر من وقف التنفيذ ،