بمهارة ربما لم يصل اليها روائيون متمرسون، أخفت سارة الصراف الكينونة الحقيقة لأبطال روايتها البكر( سمعت كل شيء).
رواية الكاتبة العراقية اليافعة وصلت مع 15 رواية أخرى إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية بعد أن تنافست مع 133 رواية صدرت خلال الفترة من يوليو 2023 إلى يونيو 2024 لكتاب” أصحاب سوابق” في الأعمال القصصية والروائية.
تجسد ” سمعت كل شيء” مخيلة غضة، تمكنت من التقاط الحياة المبعثرة مثل خرزات النمم؛ لجيل عاش سنوات الحرب العراقية الإيرانية المدمرة؛ لكن لهيب المعارك، لم يحرق غرف ” الخطار” ولم يجفف استكانات الشاي، ولم يزكم عبق الرازقي والشبوي،وما عرقل الأداء الرتيب والمرتب لسيدات يجتمعن في” قبوليات” تحتفظ بإيقاعات بغدادية أدخلت عليها الحرب وفقدان الأعزة، لحنا حزينا آخر ليشكل مع الأتراح العراقية وسط المسرات صورة بانورامية لشخصيات؛ نجحت سارة الصراف في إخفاء كينونتها، وتركت للقاريء حرية التخمين ولعبة المقاربات بين الأبطال المتخيلين لروائية تنتمي للأسرتين المعروفتين، المؤرخ والخبير بالري العلامة أحمد سوسة، جدها لامها والمحامي والحاكم صاحب المجالس الأدبية أحمد حامد الصراف، جدها لأبيها.
منذ الصفحات الأولى للرواية التي تقول الصراف إنها نتاج 14 عاما من التأملات والكتابة، وصولا الى نص يلامس بشفافية انتباهات صبية؛ تحولت الى سير لحيوات مثيرة رغم نمطيتها؛ تمكنت الروائية اليافعة من تقديمها الى القاريء كمسلسل تلفزيوني ممتع وشيق.
إذ لعل خبرة سارة الصراف في العمل التلفزيوني، مكنها من مهارة تصوير الأحداث والشخوص بعين المصور الثاقبة؛ وكأنها ترسم سيناريو لتؤسس وفقه سردية ترى كل شيء.
روابة” سمعت كل شيء” ليست مدونة عن الحرب، ولا يبدو ان المؤلفة تتنطع لدور المؤرخ المتأثر بالحدث من وجهة نظر منحازة؛ الأمر الذي يمنح العمل الأدبي ميزة افتقدتها كثير من الأعمال القصصية والروائية صدرت عن الحرب العراقية الإيرانية،لم يتمكن مؤلفوها من وضع مسافة بين مواقفهم وارائهم السياسية والهوية العرقية أو الدينية وبين الحدث الذي تواصل عنفه قرابة العقد ليهلك ارواح مئات الألوف من أبناء العراق وايران وتركت ندبا عميقة، لم يتمكن كتاب كثيرون اختاروا الحرب مادة لعمل روائي أو قصصي أو سينمائي؛ التخلص من موقف منحاز لهذا الطرف أو ذاك في النزاع وان لم يكن شارك في المعارك أو وقع تحت وطأتها في العراق أو إيران.
تتفوق سارة الصراف على نفسها وتغالب الاحزان وتكابد مع ملايين العراقيات والعراقيين آلام الحرب الطويلة لكنها لا تجعل منها غرابا اسودا يمنع طيور الحي البغدادي” شارع طه” من التحليق في سماوات رحبة تفوح بالخبز الحار و
” الكليجة وخبز عروق وجاي العباس ” كعلامات الأصرار على الحياة.
تصاحب فكرة الموت وغياب الأحبة والفراق المر للأم والأب والشقيق والحبيب والأهل والاقارب؛ أبطال الرواية في سياق يجعل الغياب حضورا عذبا أو مريرا في الوجدان؛ولا يغيب عن الذاكرة النبهة لكاتبة اختارت لجنة التحكيم برئاسة الروائي المجرب” من اصحاب السوابق” السوري نبيل سليمان روايتها
” سمعت كل شيء” ضمن قائمة البوكر العربية الطويلة وكأن لجنة التحكيم صاحبة الخبرة الإبداعية تقرأ طالع الروائية الوليدة الواعدة.