لا تأتي أهمية ساحة التحرير من حيث موقعها الإستراتيجي في وسط العاصمة بغداد فقط بل لمدلول صرحها الخالد الذي يصور التاريخ والحضارة والبطولة والوطنية والمواقف المشرفة والتحرر من أي عبودية وذل واحتلال من أجل عراق شامخ رائد مستقل موحد قائد محب لجيرانه ويحضن أبناءه وينعم عليهم على حد سواء, ويمثل هذا الصرح شعلة الثورات وملهم ومحرك الجماهير اذ ما قست عليهم الأيام وظلمهم الحكام واحتلت بلادهم المعتدين , وبقي عصياً شامخاً وسبباً لبؤس وقلق وخوف الفاسدين!
ولكن ومنذ عام 2003 تغيرت الكثير من المفاهيم وانقلبت راساً على عقب ولم يعد للمنطق مكاناً في الواقع العملي ولا في التفكير الذهني فاصبح الاحتلال تحرير , والقتل والفساد والتقسيم والفقر والنهب والسلب ديمقراطية وحرية , والعمالة والخيانة وطنية , والذل والعبودية والخنوع والخضوع إباء وكرامة , والكثرة حق , والقلة باطل , والمحتل نوعان شريف وفاسد !! ولم تسلم ساحة التحرير من تغير مفهومها التحرري الى مفهوم احتلالي !
فبعد الضغط الجماهيري والإعلامي للمطالبة بالإصلاح والتغيير لساسة الخضراء وبعد الاحداث والتغيرات الدولية والإقليمية وما رشح عنها من تحالفات دولية وإقليمية وإسلامية وفوقها الإرادة الامريكية واصرارها على الإصلاحات لغاية ترتبط بمصالحها في العراق والمنطقة عموما ولإزاحة إيران من المشهد العراقي واضعاف قبضتها وتحكمها وإنسحاب مرجعية السيستاني من التدخل في السياسة والخلافات الحادة بين تحالف القوى في العراق والبطء في تنفيذ الإصلاحات وتستر الكتل عن كل المطلوبين قضائيا بتهمة فساد متنوعة وتخبط العبادي وتحركه بحذر وفي حيرة وخوف من بطش مليشيات ايران وغضب أمريكا , هنا شعرت ايران بالخطر يقترب منها فالعراق بالنسبة لها الجدار الواقي اللصيق بها مباشرة وإذ ما فقدت فيه الهيمنة والسطوة والقرار كان كفيلا هذا الامر بانهيار اعمدتها في لبنان وسوريا واليمن بالكامل والى الابد وأصبحت في وجه المدفع مباشرة ومن على حدودها تمهيدا للوصول الى داخلها المشتعل بالخلافات الحادة بين الاصلاحين والمحافظين عموما وبين الخامنئي ورفسنجاني خصوصا؟!
جاءت ردة الفعل وبتخطيط معاكس وغير محسوس لإبقاء حالة من التوازن ولو لفترة تلتقط فيها الانفاس تساعدها في تدشين وضعها في الداخل من جهة , ومن جهة أخرى تحاول الإمساك بزمام الأمور في القرار السياسي والتحكم به ولو عن بعد من خلال تحريك من يتعاطف معها ويواليها حسب فهمهم بانها دولة إسلامية شيعية و لها الفضل والتضحيات الكثيرة من اجل العراق , فكان يوم الجمعة 26-2-2016 بداية هذا المخطط ومن ساحة التحرير وما شهدته من شعارات ومطالب تتفق معها ايران تماما وحسب مصلحتها , فشعار أمريكا بره بره , هو حلمها لكي تستأثر بالعراق وحدها ومن غير منافس ! والمطالبة بالتغير والإصلاح وجعل العبادي على المحك والتهديد باقتحام الخضراء اذا لم يتم الإصلاح بمدة 45 يوم , أيضا ايران تتفق معه تماما ويصب في مصلحتها لأن العبادي غير خالص ولا مخلص تماما بالولاء لإيران فقط بل يشاطر الولاء لأمريكا الشيء الذي لا ترغب فيه ايران ومع الربط بماجرى وحدث في اجتماع التحالف الذي تزامن مع تظاهرات الجمعة وما شهد من خلافات حول ترشيح البديل عن العبادي ومن ضمن المرشحين المالكي , والجعفري , وعلي الدواي !! وكل هؤلاء بالنسبة لإيران اين ما تمطرين فخراجك عائد لي , ومع اسوء الاحتمالات ما اذا لم يتحقق الإصلاح المزعوم وانتهت مدة الــ 45 يوم , فسيكون شكل الاقتحام وآلياته وما ينبثق عنه لصالح ايران لأن من يقوم بالاقتحام على حسب الفرض لا يجدون في ايران في وجودهم وتدخلهم واحتلالهم للعراق وخلال فترة أربعة عشر عاما لم يصدر منهم ولا موقفا واحدا يدين او يرفض او يقاطع او يشجب تصرفات ايران ومشروعها وما فعلته في العراق والذي اعلنوا صراحة ان العراق عاصمة الإمبراطورية الإيرانية , وما يثبت كلامنا هذا لم نسمع من ساحة التحرير شعارا واحدا ولا لافتة واحدة تدين احتلال ايران ولم ينبس احدهم
ببنت شفة ايران بره بره كما رددوها ضد أمريكا , وعلى ما يبدو عقليتهم تقول هذا احتلال شريف وذاك فاسد ! هذا اذا اعترفوا بان إيران محتلة للعراق وتتحكم بمركز القرار…وبالنتيجة لا أمل يرتجى ولا خلاص حسب هذه الذهنية والنظرة الأحادية والحلول الترقيعية والمزايدة بالوطنية وطلب الشهرة الإعلامية , ولا ننسى ومن تجارب سابقة يبقى الاحتمال الأرجح سيحصل هناك وسطات وتدخلات وصفقات وجلسات سرية ومعلنة وتلويح بعصا ملفات ووثائق تفضح الأطراف الى ان يصلوا الى اتفاق وتسوية تشترط إيقاف التظاهرات مقابل إصلاحات شكلية وتغير بعض الوجوه من نفس الكتل الفاسدة, وبالنتيجة لا يبقى من يتظاهر في ساحة التحرير الا من لم يرتبط بهذه الجهات سياسيا او عقائديا واتوقع انهم سيكونون في مرمى التهم والتلفيق وتحت قسوة وبطش المليشيات المقنعة !!
ونستذكر هنا التشخيص الادق والجريء والعلاج الناجع الشامل الذي يكفل خلاص العراق والعراقيين والتحرر في افق العزة والكرامة والسيادة الذي طرحه في مشروع خلاص , يقول المرجع العراقي العربي السيد الصرخي الحسني (حلّ الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة خلاص مؤقتة تدير شؤون البلاد الى أن تصل بالبلاد الى التحرير التام وبرّ الأمان يشترط أن لا تضم الحكومة أيّاً من المتسلطين السابقين من أعضاء تنفيذييّن أو برلمانييّن فإنّهم إن كانوا منتفعين فاسدين فلا يصحّ تكليفهم وتسليم مصير العباد والبلاد بأيديهم وإن كانوا جهّالاً قاصرين فنشكرهم على جهودهم ومساعيهم ولا يصحّ تكليفهم لجهلهم وقصورهم ، هذا لسدّ كل أبواب الحسد والصراع والنزاع والتدخّلات الخارجية والحرب والإقتتال……. اصدار قرار صريح وواضح وشديد اللهجة يطالب إيران بالخروج نهائيا من اللّعبة في العراق حيث أنّ إيران المحتل والمتدخّل الأكبر والأشرس والأقسى والأجرم والأفحش والأقبح. ….)
hasany.com/vb/showthread.php?t=415439-https://www.al