حيّرَنا ائتلاف “سائرون”.. هو مرّةً مع الناس ومرّةً ضدّهم ومرّة بينَ بين..!..
بعدما أعلن أنه لا يؤيد منح أعضاء مجلس النواب مخصصات سكن مبالغاً فيها، هو يتراجع الآن ليدعو الى تأمين “سكن ملائم” للنواب!
“ملائم” كلمة تشبه اللاستيكة، قابلة للمطّ من أدنى طول وعرض إلى أقصاهما، فالسكن الملائم يُمكن له أن يعني، بالنسبة، للبعض السكن في عقارات فارهة بإيجارات تصل الى خمسة ملايين دينار شهرياً. هؤلاء البعض هم من الأغنياء مُحدثي النعمة “القطط السمان” الذين كوّنوا ثرواتهم بالفساد الإداري والمالي بعدما سكنوا كلّ حياتهم الفائتة في بيوت متواضعة، بعضها من الطين وجريد النخيل.
المستشارة الألمانية (رئيسة الوزراء) التي تولّت منصبها في العام 2005، وكانت قبل ذلك وزيرة مرتين، تعيش في شقّة ليست متواضعة ولكنها ليست فخمة كما قد يتخيّل البعض، في بناية يسكنها أناس مختلفو المستوى العلمي والسياسي ( هي أكاديمية متخصصة في الفيزياء الكيميائية). لم تغيّر شقّتها والبناية التي تضمّها بعد تولّيها المناصب المرموقة. لا ينبغي التذرّع بأنّ ألمانيا، بخلاف العراق، بلد متقدم يرفل مجتمعه بالسلم الأهلي، فألمانيا واحدة من الدول المستهدفة منذ زمن بعيد من المنظمات الإرهابية (اليسارية المتطرفة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ثم من إرهاب منظمات الإسلام المتشدّد(.
ميركل مطمئنة على حياتها وأمنها الشخصي لأنها تدرك حبّ الناس الألمان لها فظلّوا ينتخبونها المرة بعد الأخرى، وهم ينادونها ويشيرون إليها بـ “أمّنا”، وكثيراً ما يصادفها في الأسواق وهي تشتري احتياجات منزلها بنفسها… ميركل ليست مثالاً نادراً، فمثلها من زعماء العالم وسياسييه العشرات.
الغرض الرئيس للانتخابات هو اختيار نوّاب يعملون على تحقيق مصالح الناس، ولكي يكون النائب كذلك من اللازم أن يعيش بين الناس وليس في “غيتو” معزول ومحصّن كما هي حال السكن في المنطقة الخضراء ببغداد.. عيش النائب في هكذا حصن يتعارض مع مبدأ تمثيل النائب لناخبيه.
إذا كان النائب غير واثق على أمنه من الناس الذين يمثّلهم فما عليه إلا أن يستقيل ويترك المهمة لغيره.
ليس مفهوماً أن يدافع “سائرون” أو غيره عن “حقّ النائب” في ” سكن ملائم” يعزله عن ناخبيه وسائر الناس. .. هذا يعني منح النائب امتيازاً ، وهو ما يتعارض مع مبدأ أنّ النيابة خدمة عامة وليس امتيازاً، ليس فيها غير العمل بجد واجتهاد لخدمة الناس.
السكن الملائم للنائب هو الذي يكون في الأحياء والمنااطق السكنية، ويكون على سعة ليستقبل النائب فيه مراجعية من ناخبيه وسواهم.. بخلاف هذا يكون “السكن الملائم” شرعنة لنوع آخر من الفساد.
على “سائرون” أن يحدِّد ويوضح موقفه من الناس .. أهو من أصدقائهم أم من أعدائهم أم من “الأعدقاء” (رِجل هنا ورِجل هناك)؟!!