رافق معركة تحرير الفلوجة ، التي مثّلت وعدا مؤملا إنتظره عموم الشعب العراقي ، لكونه يمثل إنهاء لآلام ومعاناة آلاف المواطنين العراقيين من جحيم إرهاب وتوحش داعش من جهة ، ولكونه أيضا يمهد الطريق لتخفيف أعباء معركة تحرير الموصل التي سيكون تحريرها تحريرا للعراق بأكمله من آثار وتداعيات إحتلال مجاميع داعش الارهابية لأجزاء واسعة من الوطن ، بدعم مباشر من أطراف دولية وإقليمية ومحلية ، من جهة أخرى .. رافقها الكثير من العيب والانتهاك والقلق والشك والأسئلة.. فقد تحولت معركة تحرير الفلوجة الى فرصة لدى بعض ممثلي الحكومة والبرلمان لتسويق شخوصهم وتحرير أنفسهم من الأزمة المستعصية التي تسببوا بها نتيجة لسوء إدارتهم وفشلهم في إدارة الدولة والأزمات وتدني أسهمهم في سوق البورصة السياسية الى أدنى مستوياتها ، فتصورا واهمين أنّ معركة تحرير الفلوجة “لحظتهم التاريخية” المنتظرة لاعادة عقارب الساعة الى الوراء والتمتع من جديد بــ “عسل” الحكومة والبرلمان وفسادهما الذي إستشرى في كل مفاصل الكيانات والمؤسسات والسلطات ، لكنّهم لا يقرأون التاريخ جيدا ؟.. كما تحولت معركة تحرير الفلوجة الى ” فرصة تاريخية ” أكبر عند المصابين بلوثة الطائفية على طرفي المشهد الطائفي المقيت وداعميهم الاقليميين والدوليين وفضائياتهم الناطقة لفظا باللغة العربية ، حيث قامت مجاميع لا تمتّ بصلة لمن يقدمون أرواحهم رخيصة في سبيل تحرير وطنهم ، بانتهاك جسيم متعمد لحياة عديد من المواطنين وكراماتهم وأموالهم بالقتل والخطف والتعذيب والعبث والتهجير ، وقد تلّقف ممثلو الطرف الآخر من المشهد الطائفي المقيت الحالة ليحولوا معركة تحرير الفلوجة الى حائط مبكى لاستنفار غرائز المكونات الوهمية والشخصنة الذاتية والانتخابية ، وكانوا قد مهدوا المسرح قبل بدء المعركة بالحديث عن المدنيين وإستهدافهم ؟ .. وكلا الطرفان ينطلقان من عقد وغرائز ثنائية طائفية وهمية لا تمتّ بأية صلة للاسلام (عقيدة وشريعة) وللعروبة (هوية وإنتماء) ، وبتوجيه من أطراف إقليمية ودولية ومحلية بهدف دفع المواطنين الى مزيد من الفوضى والتصدع في النسيج الاجتماعي والوطني والنزول بالعراق الى ظاهرة “الدولة الفاشلة ” ما يمهد الأرضية لمشاريع القادم من الأيام ، والترويج والتحريض والتنظير لذلك كله عبر فضائيات الفتن والشقاق التي وظّفت جلّ برامجها لحديث الغرائز الطائفية المقيتة وخبل الثارات والتوحش وتغييب عقلية وثقافة الوطن والمواطنة ، ليحولوا بذلك المواطنين في الفلوجة ونازحيهم الى دروع بشرية بين أطراف ثلاثة :إرهابي ومتوحشي داعش ، وطرفي لوثة المشهد الطائفي المقيت.
أمام هذه الصورة المقلقة التي شابت معركة تحرير الفلوجة ، فان السؤال الأكثر جدية الذي يجب أن يطرح بقوة وصراحة صادمة ، الى أين ستتجه الأمور بعد تحرير الفلوجة ؟ هل ستتحول الى شرارة معدّة باتقان طائفي مرضي لاشعال فتيل الاقتتال الأهلي كما تخطط بعض الأطراف الدولية والاقليمية عبر معتمديها المحليين ؟ أم هل ستتحول الى كوسوفو وحائط مبكى وهمي لتبرير التقسيم والانفصال تحت مزاعم وشعارات (( المظلوميات)) الطائفية والعرقية والمكوناتية المتبادلة الزائفة ، وقد بدأت الدعوات منذ الآن لتقسيم العراق الى ثلاث محميات ولما تنته بعد معركة تحرير الفلوجة مستندة الى خلفية إعداد خارجي للتقسيم ؟ أم أنّ ما تبقى من مصدّات وطنية ستنتشل الوطن من جحيم إرهاب التوحش ولوثة الطائفية وساطور التقسيم الدولي والاقليمي ، عبر تغيير البيئة السياسية والاجتماعية وتحريرها من محاصصات الطوائف والأعراق والملل والنحل والاقطاعيات والمحميات التابعة ، وإلغاء دستور الاحتلال البائس وعقابيله وذيوله وآثاره ، والشروع ببناء دولة المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية والسياسية وكينونة الهوية الوطنية والقومية الثقافية والحضارية والروحية والانسانية، والتنمية البشرية والمادية باتجاه التقدم والعصر والمستقبل.