منذ بدء الإحتلال كان رفض العملية السياسية الوافدة موقف الوطنيين على اختلاف مناهجهم وانتماءاتهم التي تلتقي عند مشترَك كبير هو الإخلاص للعراق.
وظل هذا الرفض يأخذ شكل مقاطعة للعملية السياسية برفض الإنخراط في الأحزاب والكتل المشاركة فيها، ورفض الذهاب إلى صناديق الإقتراع.
ومع توالي السنين والأحداث والمصائب، أخذ سؤال مهم يكبر في الأذهان : هل نظل نتفرج على جماعات تمارس عبثها غير عابئة برفضنا الذي يميل إلى السكون والعزلة؟. ومع إلحاح هذا السؤال،وبعد أن بلغ الدمار ما بلغه، بدأ يشيع الميل لدى قطاع لا يستهان به من الرافضين نحو تبني مواقف متنوعة للإنتقال إلى الإيجابية والفاعلية السياسية : ذهب البعض، تحت هذه الذريعة أو تلك، إلى الإنضمام إلى كتل معروفة هيمنت منذ البدء على مساحة كبيرة من الخارطة السياسية، وبذلك، ولأن مسيرة التنازل تشبه السير على السلّم نزولاً، درجة درجة، فقد فقدَ هذا البعض تدريجياً هويته الوطنية. وثمة آخرون تحركوا نحو إصلاح ما يمكن إصلاحه لكنهم انزلقوا إلى مستنقع التعصب الطائفي أو القومي أو الديني إما نتيجة رد فعل جنحت به العاطفة بعيداً عن الحكمة والموضوعية، وإما بفعل بذور ورواسب كامنة وجدت البيئة التي تغذيها، وظل جناح مدني محدود التأثير يحاول جاهداً العمل بروح وطنية نقية.
وفِي مقابل السؤال الكبير السالف نهض سؤال كبير آخر:
ما الذي يمكن أن تحققه المشاركة في العملية السياسية عن طريق الإنتخابات؟.
الإجابة عن هذا السؤال محكومة باعتبارين مهمين :
الأول: قيام هذه العملية على أسس وضعها الدستور النافذ بما تضمنه من محاصصة، وتكريس للطائفية، ورفض وسائل بناء الدولة المدنية، وزرع بذور المناطقية عبر فيدرالية هجينة تفتقر إلى الضرورة.
الثاني: هيمنة كتل وأحزاب وشخصيات لعبت الدور الأكبر في تدمير البلد، والمساس بسيادته وإخضاعه لقوى أجنبية، وتلطخت أيديها بالدم العراقي وتلوثت بالسحت، وأوغلت في فسادها دون رادع.
في ظل هذا الواقع لا نجد ثمة أملاً يرتجى في الإصلاح دون إصلاح دستوري فعلي يُؤْمِن إعادة النظر في شكل النظام السياسي وشكل إدارة الدولة وقطاعات العمل والإنتاج ومعايير توزيع المسؤوليات، ومحاسبة المسؤولين عن تسليم مدن العراق لقوى الإرهاب، وإثارة الفتن ، والمساس بالسيادة ووحدة الوطن، ونهب المال العام، وبغير هذا لن تكون المشاركة في الإنتخابات وفِي مجمل العملية السياسية، حتى لو حسنت النوايا، سوى إضافة أرقام جديدة إلى قوائم المرشحين. أما إذا كانت المشاركة بحثاً عن جاه موهوم ومكاسب شخصية معلومة فهذا وجه آخر لأوجه الخراب الذي ابتلي به الوطن.