22 نوفمبر، 2024 6:21 م
Search
Close this search box.

سؤال عراقي: لماذا قمة دول الجوار؟

سؤال عراقي: لماذا قمة دول الجوار؟

في أجواء التحضيرات المضنية لمؤتمر قادة دول الجوار الذي سيعقد في بغداد في نهاية الشهر الحالي يسأل المواطن العراقي الباحثُ عن أمنه ورزق عياله، هل في نية الحكومة العراقية أن تستغل هذا المؤتمر فتُطالب ضيوفها الذين سيحضرونه، باسم الواجب الديني والإنساني، وبحق الجيرة، وتلويحاً بمستقبل المصالح المتبادلة، بأن يوقفوا تدخّلاتهم في شؤونه الداخلية، ويمتنعوا عن حماية أحزاب وتنظيمات عراقية عميلة لهم خارجة على القانون، وخصوصا كبار الفاسدين من قادتها وأفرادها، وغير ذلك من ملفات ساخنة، أم ستجعله شبيهاً بما سبقه من المؤتمرات التي تحولت إلى جلسات مجاملة ومسامرة ومآدب غداء وعشاء فاخرة تُزيّنها السيوف المذهبة وأغاني الجالغي البغدادي وفتيات الرقص الشعبي؟.

خصوصا وأن للعراقيين مع رئيسها، مصطفى الكاظمي، تجارب عديدة سابقة كان، في جميعها، فاشلا، ولابد أن يكون فاشلا أيضا في مؤتمره الجديد.

والسبب واضح ومعروف، وهو أن قادة الدول العربية والأجنبية الذين التقاهم سابقا، والذين سيحضرون مؤتمره الجديد، مدركون لحقيقة كونه موظفا مسيَّرا وغير مخيَّر، وبالتالي فإنهم حين يحاورونه إنما يحاورون، من ورائه، النظامَ الذي يحركه من وراء الحدود.

يقول عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، عمر الفايز، في حديث للصحفيين، إن حكومة الكاظمي “ستناقش، خلال اجتماع القمة، ملف الاعتداء التركي على الأراضي العراقية، والعمل على إنهاء التدخل العسكري، دون مناقشة النفوذ الإيراني في العراق”.

إذن، فإذا كان هذا المؤتمر لن يبحث التدخلات الخارجية، وخاصة منها الإيرانية التي تسبّبت في كل الخراب الحاصل في العراق، في جميع المجالات والميادين، ولن يطالب بحقوق العراق المائية المغتصبة، ولن يستغل الفرصة ليبلغها، بقوة وحزم، بتصميم حكومته على سحب سلاح الفصائل والمليشيات المنفلتة، واستعادة هيبة الدولة وسلطة القانون، وضبط المنافذ الحدودية، ومنع تهريب النفط والسلاح والمخدرات، فإن عقده عبث ومضيعة جهدٍ ومال.

واستنادا إلى بيانات وزارة الخارجية العراقية فإن أبرز المدعوين لحضور هذه القمة هما الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، وهما الإثنان الرئيسان الأكثر عبثاً بأمن الوطن وسيادته وأمنه واستقراره، وهي فرصة ذهبية للمواجهة والمكاشفة لا تعوض.

ولكن، بأي وجه وبأي عين سيطلب رئيس حكومة العراق من ضيفه الجالس عن يساره أن يسحب قواته من أراضي الدولة العراقية، ولا يطلب الشيء نفسه من الضيف الآخر الجالس إلى يمينه؟

إن تركيا لا تنفي احتلالَها أجزاءً من شمال العراق، بدعوى محاربة (متمردين) من مواطنيها الكورد المتّخذين من جبال كردستان العراق ملاذا آمنا يشنّون منه هجماتٍ مسلحة على جنودها وضباطها داخل حدودها، نفسها.

ولكن ماذا عن الدولة الجارة الأخرى التي لا تحتلُّ مدينة عراقية أو مدينتين أو وثلاثا فقط، أسوة بتركيا، بل هي تحتل العراق كله، بحكومته وبرلمانه وجيوشه وقوات أمنه ونفطه وهوائه ومائه وغذائه ودوائه وعلاقاته الخارجية بحجة الدفاع عن أمنها القومي، رغم عدم وجود (متمردين) إيرانيين يهددون أمنها القومي متخفّين في العراق؟.

ودون خشية ولا حياء أدلى السفير الإيراني، إيريج مسجدي، بتصريح صحفي ثمن فيه دور الكاظمي في عقد المؤتمر، ووصفه بأنه “خدمةٌ للمشروع المقاوِم”.

والمعروف أن صيغة (المشروع المقاوم) يستخدمها الإيرانيون وذيولهم للإشارة إلى مشروع إمامهم الخميني القائم على فكرة تصدير الثورة إلى دول الجوار.

تقول صحيفة “طهران تايمز” الايرانية في تعليقها على المؤتمر، إنه قد ينجح في عقد اجتماع عفوي بين وفديْ طهران والرياض، لكن من غير المرجح أن يحقق الاجتماع نجاحا كبيرا، لأن “الخلافات الايرانية السعودية عميقة للغاية لدرجة أن من غير المرجح أن يحلها لقاء”.

إذن فالجهود والأموال العراقية التي أنفقت على مؤتمرات وسفرات وجولات سابقة، والتي ستُنفق على هذا المؤتمر، هي فقط لخدمة النظام الإيراني وأهدافه التوسعية، وبأوامره وتوجيهاته، وليس للعراق فيها نصيب.

ومن تجارب العراقيين، في عشرات السنين المرّة العجاف الماضية، ثبت بالدليل القاطع أن مصالح الشعب العراقي آخرُ ما تفكر فيه دولة الولي الفقيه وخَدمُها العراقيون.

ثم هل توجد في التاريخ البشري الطويل دولةٌ تغزو دولةً أخرى لكي تخدم شعبها، وتعمّرَها، وتُحرّمَ سرقة أموالها، وتحمي حدودها، وتعزز أمنها وسيادتها؟.

والدليل أن الإيرانيين وخدمَهم العراقيين الذين كانوا حلفاء ومساعدين وشركاء للأمريكيين في احتلال العراق، تعاونوا معهم على تهشيم الدولة العراقية وتمزيقها، وشجّعوهم على إلغاء جيشها ووزارات داخليتها وإعلامها وأجهزة أمنها ومخابراتها، وأقنعوهم بطرد عشرات الآلاف من موظفيها دون تعويض ولا مكافآت، وترك حدودها مباحة لجيوش المخربين والقتلة الانتحاريين  واللصوص المتدفقين من دول الجوار. وكل شيء ثابت وموثق ولا يُنسى بتقادم السنين.

يقول الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في معرض تعليقه على سرعة انهيار النظام الذي أقامته أمريكا في أفغانستان، إن “المهمة في أفغانستان لم تكن يوماً بناءَ دولة”. وهو صادق في هذه إلى أبعد الحدود.

وتبقى الكلمة الأخيرة للشعب العراقي الذي لابد أن يتكلم الآن، وقبل فوات الأوان.

أحدث المقالات