مالت الشمس الى الغروب، وصارت أشعتها المصفرة تسلم على الجباه السمراء، التي أعياها كد النهار من اجل لقمة العيش، وتجمع أفراد العائلة الذين تفرقوا بحثا عن قوتهم، وما هي إلا لحظات للغروب، إلا وجاءتهم سيارة مسرعة مدججة بالمسلحين، إقتادتهم الى المركز الإنتخابي في المدينة، ليصوتوا بأيد ترتعش والعيون تحدق بهم، نعم للرئيس.
ذلك عصر الموت والخوف، الذي ولى واندثر، لم تعرف الملايين ممن لم تعشه، ماذا يعني أن تقول لا للقائد الأوحد؟، فهو يعني رمي نفسك في حوض للتيزاب، أو الانتحار بإطلاقة رشاش روسي تسدد ثمنها عائلتك، التي ستحل عليها اللعنة، ويكتب عليها الشقاء حتى الدرجة السابعة من أقاربك، وتفتح لهم ملفات في سجلات الأمن، ويحرمون من كل وسائل الراحة، ويتعودون على دفر أبوابهم ببساطيل الرفاق، والمضحك إن البعض ما زال يحن الى ذلك الزمن، والقائد الأوحد!.
جاء الفرج؛ وتم التخلص من ذلك العهد البائد، وفتحت الحرية ذراعيها لشعب مسحوق، وجاءتهم ديمقراطية فوق ما يتصورون، فلا ضابطة فيها ولا عرف يحكمها، ولا قياس يتم التعامل به ولا أوزان تحكم العمل السياسي، فتارة يشكل المحتل حكومة على مزاجه، وأخرى يتحكم العامل الطائفي، الذي استغله من يريد الوصول الوصول الى السلطة أبشع استغلال، ممزقا شعبا ومهلك بلدا، وتارة لعبت أموال الفساد المالي والإداري دورها في استقطاب الجماهير، والتغني بالقائد الأوحد من جديد.
انتخابات تدخل فيها الشرق والغرب، وصارت الغرف المظلمة تحدد من هو رئيس الحكومة التوافقية، بعد أن غيبت الأغلبية السياسية خلافا الديمقراطية، وأهملت صناديق الاقتراع التي يذهب إليها الفقراء مختارين غير مجبرين، وكل أملهم تحقيق الحلم المنشود، بأن يكونوا أحرارا في خياراتهم، دون ضجيج طائفي أو قومي أو تهديدا بالإقصاء من شركائهم في الوطن، فكان الفشل رفيق ما جرى طوال السنين الماضية، وانتشر الإرهاب وعم الفساد وازداد الفقراء فقرا، ولبس الرفاق بدلا من ” الزيتوني ” بدلات فاخرة.
رغم إني شاركت في جميع الانتخابات السابقة، لكني قررت هذه المرة أن انتخب (أنجلينا جولي)، تلك المرأة الكافرة، التي حرمت نفسها من الأكل تضامنا مع اللاجئين السوريين، وجلست تبكي في مخيمات النازحين العراقيين، بعد هجرهم داعش وتنكر لهم السياسيين، وأنفقت ملايينها من اجل المنكوبين، في حين سُرقنا مليارات في وضح النهار، ونحن نغني للذين سرقونا، أنجلينا التي تبنت سبعة أطفال من مختلف الجنسيات، ونحن يتامانا يجوبون الشوارع متسولين، بحثا عن كسرة خبز ومأواهم تحت الجسور، يتفرج عليهم أصحاب الأمر ولا يهتز لديهم ضمير.
أنجلينا التي تبرعت بثلاثة ملايين دولار لمنظمة أطباء بلا حدود، وخمسة ملايين دولار لمرض أطفال كمبوديا، ونحن ميزانيات إنفجارية نهبت من البلد، وأصبحت سراب لا يطوله أحد، ووقفت وزارة الصحة عاجزة عن توفير علاج للأطفال، أو تقديم خدمات صحية للعجائز والمعاقين، وشهد قطاعنا الصحي تدهورا لا مثيل له، وغاب الاعتناء بتربية أطفالنا، حتى أصبحنا لا نجد مدارس تستوعبهم، وصاروا يتكومون في خرائب شبه منهارة لقضاء يومهم فقط، ليس من أجل يكونوا بناة مستقبل، يلوح سواده أمام أعينهم.
نعم سأنتخب من يكون مثالا للإنسانية، لا يحمل نعرات طائفية أو قومية، يعيش آلام شعبه ويعاني معاناتهم، وطنيا في خطابه معتدلا في منهجه، لا يرينا البحر ويرجعنا عطاشى، شعاره الخدمة لهذا الشعب، الذي مل الخطابات الطائفية والعنترية الجوفاء، يحمل مشروعا عراقيا واضحا بعيدا عن الدهاليز والغرف المظلمة، فانجلينا جولي علمتني أن الإنسانية تصنع الحياة وتزرع الأمل، وأملنا لا يتحقق إلا بالوطني الخدوم.