18 ديسمبر، 2024 7:14 م

سأخبر الله بكل شيء

سأخبر الله بكل شيء

كلمات خرجت من فم طفل سوري أُخرج من تحت الأنقاض، قالها وهو ينظر مذهولاً لما أصابهم نظرة مودعٍ لوالديه، حيث سبقه الموت إليهما قبل أن يلحق هو بهما، قالها بعفوية في خضم مشهدٍ الكل من حوله يصرخ، قالها وهو في انقطاع عن العالم، أمرٌ واحد يشده للحضور هو منظر والديه وقد أُخرجا من تحت الأنقاض، قبل قليل كانت أمه تمازحه، قبل قليل كان ولده يلاشيه،تناولوا الطعام معاً، سمع أباه يكلم أمه يصبرها “الفرج آت”، يخططان لمستقبل حل فيه الربيع وأورقت أغصانه، ربيع ملأت الأزهار حدائقه، ماهو الذنب الذي اقترفه لتتغير حياته فجأة إلى هذه الحالة، نفسه يضيق، صدره مهشم، عالم بلا مشاعر أو أحاسيس أو إنسانية لايستحق أن يُعاش فيه، لم يلتفت إليه أحد، لم يُصغ أحد لكلماته، فمن يلتفت لكلمات طفل شاب قبل المشيب، من يستمع له وسط زحام الأنقاض ورائحة الموت، ولكن كانت صدى كلماته في السماء وكأن عرش الرحمن اهتز لها، فجاءه الجواب عبدي لأنصرنك ولو بعد حين، لأنصرنك نصراً يُعجز الطغاة والجبابرة، نصراً لايُفلت منه أحد، فجاء الأمر الإلهي الى جند من جنوده، لايُرى بالعين، لالون له أو رائحة أو صوت (ياجند الله جدي السير، أغيثي عبدي) ، ليتحدى دباباتهم وأجهزة راداراتهم وصواريخهم وكل أشكال علمهم، هم أسموه (كورونا) ولكن اسمه الحقيقي عند الله، هو (قدر) من الله (سأخبر الله بكل شيء)، وكما أسماه الخليفة عمر رضي الله عنه عندما أراد أن يدخل قرية فأخبروه بانتشار وباء الطاعون فيها، فقال لاندخلها، فقالوا تفر من قدر الله، قال نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، نعم كورونا قدر الله، وقف الكل أمامه أذلة دون حيلة (وما يعلم جنود ربك إلا هو)، توقفت الحياة وشل الإقتصاد ومنع التجوال وأصدر الكل قراراً بالحجر على نفسه وأهله، هكذا هو حال جنا ثمار الظلم.
قالها يحيى البرمكي من قبل لولده جعفر عندما سأله ، وهُمْ في القيود والحَبْس : يا أبتِ بعدَ الأمر والنهي و الأموالِ العظيمة ، أصارَنا الَّدهرُ إلى القُيُودِ ولُبس الصُّوف والحَبْس! فقال له أبوه يحيى : يا بُنيَّ لَعلَّها دعوةُ مظلوم ؟! سَرَتْ بليل غَفَلنا عنها! ولم يَغْفُل اللهُ عنها ، ثم أنشأ يقول :
رُبَّ قومٍ قد غَدَوْا في نَعْمةٍ
زَمَناً والدهرُ رَيَّانٌ غَدَقْ
سَكَتَ الدهرُ زَمَاناً عنهمُ
ثم أبكاهُمْ دَماً حِينَ نَطَقْ !
كم من طفل أو أرملة أو ضعيف أو مغلوب أو مظلوم ذهب يشكو حاله إلى الله، هي دعوى لمراجعة كل ظالم لعمله أخص منهم من أطغاهم الملك والمال، وبطانتهم، وكل مطبل ومهلل لهم، لئلا يسبق له القصاص الإلهي “سياط الأقدار” ، بجند يفاجئه بها لايعلمها إلا هو، وعندها لاينفع الندم. حينئذ يكون لسان حاله:
لست الملوم أنا الملوم لأنني
علقت آمالي بغير الخالق