23 ديسمبر، 2024 12:33 م

زيد والحكيم وجهان لشهادة واحدة!

زيد والحكيم وجهان لشهادة واحدة!

التشابه حقيقة موجودة في الكائنات، إن كان في الإنسان، او الحيوان، او النبات ،بل في كل الخلق، وهو أمر مسلّم به.
يقع التشابه في الصورة والشكل احياناً، أو على مستوى النفس والكمال، أو السيرة والسلوك، وما الى ذلك.
سنأخذ من التاريخ البعيد والمعاصر شخصيتين، الأولى:
زيد بن علي بن الحسين”عليهم السلام”، الملقب بالنفس الزكية.
زيد الشهيد؛ نشأ وترعرع في حجر أبيه الإمام السجاد، وعاش في ظل أخيه الإمام الباقر، وأبن اخيه الإمام الصادق- عليهم السلام- ومنهم أخذ العلم، والحكمة، والفقه، وبقية سائر العلوم.

يقول الحافظ في”كفاية الأثر”:كان زيد بن علي، معروفاً بالستر والصلاح، مشهوراً عند الخاص والعام، وهو بالمحل الشريف ، وكان خروجه على سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال الشيخ عبد النبي الكاظمي في” تكملة الرجال”: أتفق علماء الأسلام على جلالة زيد وورعه وفضله.

زيد”رض”، جمع الى العلم والفقاهة، الشجاعة والاقدام، والبلاغة والبيان والفصاحة، فكل من يناظره يفعمه بالجواب، دارت بينه وبين الحاكم الأموي هشام بن الحكم، محاججه أمام الملأ في مجلس هشام، فأسكته زيد بالجواب، وفضحه وكشف جهله وكذبه، فغضب عليه هشام وأمر بضربه بالسوط، فخرج زيد من المجلس، وهو يقول:(لن يكره قوم حرّ السيّوف إلاّ ذلّوا)، فحملت كلمته الى هشام، فعرف أنّه خارج عليه بالسيف.

زيد الشهيد”رض”؛ عزم على الخروج لمواجهة الحاكم الأموي الظالم، هشام بن الحكم، فأعترض عليه بعض خوفاً ان يقتل، لكن لم يعبأ بالمعترضين، لعلمه بأنه يقتل ويصلب في كناسة الكوفة، بما سمعه من آبائه الصادقين عليهم السلام، ولشدة أصراره على الخروج، قال لجابر بن عبدالله:(لو لم أكن إلاّ أنا وآخر لخرجت عليه).

استطاع زيد”رض”، بحكمته وعلمه، ودرايته وخبرته، وبحنكته السياسية، ان يجمع حوله المؤالف والمخالف في خروجه وحركته الجهادية، وحظى بدعم وتأييد من الفقهاء والمحدثين في عصره، من الخاصة والعامة، فلزمته بيعة الناس، وبايع الناس على كتاب الله وسنة نبيّه، والدفع عن المستضعفين، ونصرة أهل البيت عليهم السلام، على من نصب لهم العداوة، لكن في النهاية خذلته الناس، فقتل وصلب وأحرق وذرى في الهوى، وتحقق ما قاله الإمام السجاد عليه السلام بولده.

الشخصية الثانية: محمد باقر الحكيم، الملقب بشهيد المحراب”قده”.
نشأ في بيت العلم والفقه، والورع والتقوى والزهد، تحت رعاية والده، الإمام الراحل والمرجع الأعلى للشيعة، السيد محسن الحكيم”قده”.
عُرف شهيد المحراب”قده”، بنبوغه العلمي والفكري، والقدرة الذهنية العالية، في الوسط الحوزوي، فحصل على شهادة الأجتهاد في أوائل شبابه، من المرجع الديني الكبير، الشيخ مرتضى آل ياسين، في الفقه والاصول وعلوم القرآن، فذاع صيته في الأوساط العلمية والثقافية.

ساهم شهيد المحراب”قده”؛ في تأسيس الحركة السياسية لجماعة العلماء، في نهاية الخمسينات، وبعد ان قام الطاغية المجرم صدام، بقتل استاذه السيد الشيهد محمد باقر الصدر”قده”، الذي قال عن السيد الحكيم:”عضدي المفدى”، غادر شهيد المحراب الى سوريا ، عام 1980 وأقام فيها ثلاثة أشهر، ومن ثم غادر الى ايران، ونزل ضيفاً على السيد الخميني”قده”، فأهتم به أهتماماً بالغاً، وخصص له منزلاً مجاوراً لمقره.

أعلن في الصحف والأذاعة رسمياً، عن أسم السيد محمد باقر الحكيم أسماً معارضاً لنظام صدام السفاح، فكانت أول شخصية معارضة تعلن عن أسمها، فساومه النظام البعثي على التراجع عن معارضته، أو يسجن أو يقتل أسرته وأقاربه، فكان جواب السيد الحكيم، جواب جده الحسين عليه السلام(هيهات منا الذلة)، فأقدم النظام البعثي في ليلة واحدة، على اعتقال أكثر من 70 شخص من الأسرة والأقارب، منهم من قتل ومنهم من لم يعرف مصيره لحد الآن.

سعى شهيد المحراب”قده”؛ لتأسيس مؤسسة سياسية، وبعد تطورات في العمل السياسي، تأسس المجلس الأعلى، فكان الناطق الرسمي له، بعدها أصبح رئيساً له، ومن ثمة أسس أفواج الجهاد، بعدها أصبحت فيلق بدر، كذلك عمل على تأسيس المركز الوثائقي لحقوق الأنسان في العراق، لجمع الوثائق عن أنتهاكات نظام صدام لحقوق الانسان في العراق، وفضحه أمام المجتمع الدولي.

بعد غياب وغربة ومعاناة دامت 23 سنة، عاد شهيد المحراب”قده”لأرض الوطن، فكان الذراع والظهير المساعد، والمشاور الخاص للمرجعيات الدينية في النجف الأشرف، لكنه لم يبقى سوى بضعة أشهر ، حتى أمتدت إليه الأيادي الغادرة من: التكفيرين والحاسدين والحاقدين، فأغتالته ظهيرة يوم الجمعة، في غرة شهر رجب، بجوار جده أمير المؤمنين عليه السلام.

خيّمت مشاعر الأسى والحزن بفقده، على الحوزات العلمية كافة، وعلى كل مراجع الدين، وعلى العراق والعراقيين، فصدرت التنديدات الواسعة من كل بقاع العالم بقتله، واعترف بمكانته السامية القاصي والداني، وشهد بفضله وعلمه المؤالف والمخالف، وكلّ أتفق على أنه شخصية نادرة الوجود، ولم يخالف بذلك إلا من شذّ. ّ

ما أشبه اليوم بالبارحة، وما أشبه شهيد المحراب بزيد الشهيد، فكلاهما نفس زكية أتفق عليهما العلماء بالفضل والشرف، وكلاهما خرجا لطلب الإصلاح،والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجاهدا الحاكم الظالم، فتم قتلهما وأحراقهما بأيادي المنهج التكفيري الأموي، ولم تبق لهما جثة! سوى قبر رمزي فالسلام عليهما يوم ولدا، ويوم استشهدا.