يرى مراقبون ومتابعون للشأن العراقي أن الزيارة الحالية التي قام بها وزير الخارجية السعودية عادل الجبير الى العراق يوم السبت الخامس والعشرين من شباط الجاري والتقى فيها كبار المسؤولين العراقيين، على رأسهم رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري ورئيس الجمهورية فؤاد معصوم ووزير الخارجية إبراهيم الجعفري ومسؤلين اخرين، تشكل خطوة في الاتجاه الصحيح، نحو إعادة رسم معالم مرحلة جديدة، تعيد فيها الرياض حالة الاختلال في علاقات دول المنطقة الى مسارها الصحيح تتمثل خطوتها الاولى في (تسمية) سفير جديد لها في بغداد ، وهي وإن كانت الزيارة (متأخرة) بعض الشيء، لكنها أمر مهم يمكن ان يكون انطلاقة واعدة ، لعلاقات طبيعية مع العراق، تفتح المجال لعلاقات عربية أوسع، بعد (الفراغ) الذي تركه (الغياب العربي) غير المبرر عن العراق.
وفي وقت يشهد العراق صعودا في درجات حرارة أجوائه ، بعد البرودة العالية التي شهدتها أجواء العراق، جاءت هذه الزيارة لتشهد انطلاقة شمس دافئة تعيد حرارة العلاقات الى حالتها الطبيعية مع الكثير من دول العالم وبخاصة مع السعودية التي شهدت حالات (برود) شديدة وتعثرت تلك العلاقات لفترات ليست بالقصيرة حتى عانت (انتكاسات) مريرة ، وهي الان في طريق إذابة جليد العلاقات، أسمهمت فيها حرارة الأجواء في التخفيف من أجواء التوتر والاحتقان، للحديث عن مسارات جديدة يمكن ان تفتح آفاقا اكثر تطورا في علاقات البلدين، باتجاه (التطبيع) ، وفتح سفارة للسعودية في العراق على مستوى عال ، تشكل الخطوة الأولى ، تعقبها خطوات تجارية واقتصادية، وان تسهم السعودية في التخفيف من ازمات محافظات ما يطلق عليها بالمكون السني، وما عانته مئات الالاف من العائلات من محن نزوح ، وتعرضت مئات الالاف من بيوتها الى تهديم شبه كامل، وإستبيحت احياء بكاملها في محافظة الانبار وصلاح الدين وديالى واثار دمار كبير في نينوى.
ويشير المراقبون لهذه الزيارة انها وان كانت (مفاجإة) في التوقيت ، وترتبط مع الانتصارات الكبيرة المتحققة في معركة الموصل ، الا انها تأخذ مسارا أبعد من ذلك بكثير، ربما اسهمت بها جهات دولية على رأسهم الولايات المتحدة وربما روسيا، في انها تريد تعيد (توازنات المنطقة) الى مسارها الصحيح ، بعد إن إختلت كثيرا لأكثر من عقد من الزمان، وتأخرت أغلب الدول العربية في تطوير علاقاتها بالعراق وبخاصة الخليجية منها، التي لابد وان تعطي الضوء الأخضر لدول الخليج العربية لتدعيم علاقاتها مع العراق، في ظل احاديث عن جهد دولي تدعمه الدول الكبرى ، للقيام بـ (تسويات دولية) لاوضاع العراق وسوريا واليمن، واعادة رسم معالم خارطة طريق نحو تخفيف حالة الاحتقان ، بين محور طهران والرياض والعمل على (تسوية) خلافاتهما أزاء الكثير من المواقف (السلبية) في علاقات البلدين وايجاد حلول لأزمات التدخلات الاقليمية في دول المنطقة والتي تشكل بؤر توتر ان استمرت لغة التصعيد على وتيرتها ربما تحرق الأخضر واليابس، وتعرض مصالح الدول الكبرى ودول المنطقة لمخاطر لاتحمد عقباها.
إن قادة المكون العربي امامهم فرصة كبيرة لكي يسهموا من جانبهم في رسم معالم علاقات ايجابية فاعلة بين العراق والسعودية تخلصهم من حالة (اختلال التوازن) الإقليمي التي عانوا منها لسنوات طوال، وها هي الرياض يمكن ان تعينهم على تجاوز محن مناطقهم والاسهام بإعمارها ، ومدهم بالعون المعنوي، كون (القطيعة) معها خلقت لهم مشاكل مختلفة كادت تقضي على مستقبلهم ومستقبل مكونهم ، وها هي الفرصة متاحة الان، لأن يلعب قادة المكون العربي الدور الايجابي المؤثر ، بما يعيد لهم امكانية ان يتنفسوا الصعداء ، وهم كانوا محل (إتهام) مستمر بأنهم لم يسهموا في ترسيخ علاقات العراق مع محيطه العربي، وقد جاءت الفرصة الملائمة لردم تلك (الفجوة) التي حفرت أخاديد من الالام في العلاقات العراقية العربية ، ويمكن ان تكون بغداد والرياض مركو انطلاقة لتصحيح حالة (الاختلال) واعادة (التوازن) الى علاقات البلدين ودول المنطقة، وهو ما يأمله الكثيرون، من تقدم متسارع الخطى في تلك العلاقات نحو الأفضل.
والمطلوب لانضاج مسار تلك العلاقات ان يكون هناك (خطاب اعلامي) يحاول قدر امكانه ان يوقف حالة (التصعيد الكلامي) و(تجميد) حملات (تسميم العلاقات) لتشهد حالة (انفراج) إيجابي، من شأنها ان تترك تأثيرات إيجابية ، لتصحيح مسارات علاقات العراق العربية، الذي هو بحاجة ماسة الى محيطه العربي وفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات مع كل دول العالم ، تكون مدخلا لاعادة الاستقرار الى العراق والمنطقة، وتبعد شبح التوترات الاقليمية (الخطيرة) وتبعد كذلك احتمالات (التصادم) بينها على أرض العراق، والتي لن يكون لشعب العراق فيها ناقة ولا جمل.