الزيارة التي قام بها وزير خارجية ايران الى العراق ليس كسابقتها من الزيارات ، كونها حملت العديد من الرسائل المهمة سواء على المستوى الداخلي الايراني او على المستوى الإقليمي لإيران ، كما انها جاءت في توقيت جيد خصوصاً بعد الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة الست ، والتي تكللت بتوقيع الاتفاق النهائي لتدخل ايران بوابة التسلّح النووي ، الامر الذي يجعل هذا الإتفاق هو حجر الزاوية لتغيير خارطة المنطقة من جديد ، كما سيساعد هذا الاتفاق على تغير في السياسية الانتقامية لبعض دول المنطقة تجاه العراق وإيران ،بل عموم منطقة الشرق الأوسط ، ومن اهم هذه الرسائل هي :-
١) هبوط طائرة الوزير في مطار النجف الأشرف ، وهو امر غير معتاد من قبل قيادات ايران ، لان الزيارة رسمية وكان الاولى ان تكون الى بغداد ، ولكن اختيار النجف ان تكون المحطة الاولى هى لإدراك الجمهورية ووزير خارجيتها ان عمق الوجود الاسلامي والشيعي هي النجف والمرجعية الدينية ، وان ثقل العراق وشعبه هو في هذه البيوتات القديمة والتي تتعانق فيها الروحانية والعرفان مع العلم والتقوى .
٢) القناعة التي اكتسبتها الحكومة الإيرانية ان النجف ومرجعيتها لا يمكن باي حال من الاحوال تجاوزها ، بل يجب ان تكون المحطة الاولى في كل شي في العراق الجديد ، بل لايمكن اغفال اي دور للمرجعية في العمل السياسي وبناء الدولة العراقية ، بل لايمكن اتخاذ اي قرار يخص البلاد دون الرجوع اليها .
٣) كانت رسالة مهمة لجميع الأطراف خصوصاً السنية منها ان المرحلة القادمة ستكون مرحلة التهدئة ، خصوصاً بعدما خف صوت العمليات العسكرية سواء ً في الرمادي او تكريت ، بل اكثر من ذلك الهدوء النسبي على الجبهة السورية ، والانسحاب التكتيكي للحوثيين على جبهة عدن ، الامر الذي يطلق رسالة مهمة من الجانب الايراني ان الوضع الحالي هو للتهدئة وخفض صوت النار .
٤) بالتأكيد هي رسالة مهمة لجميع الأطراف في العراق والمنطقة عموماً ان لغة السلاح لم تجني شيئاً ، بل خلفت الخراب والدمار والتشريد والتهجير ، وسيطرة التطرّف على المدن ، واستباحة اَهلها بالقتل والذبح والتهجير .
٥) اهتمام الجانب الايراني بالعراق ، كونه يمثل حلقة مهمة من حلقات أمن ايران الداخلي ، ويعتبر تهديد العراق ومدنه هو تهديد للجمهورية ومدنها ، وهذا بحد ذاته رسالة واضحة لجميع الأطراف الإقليمية من ان اللابةعب الجديد “الايراني” لاعب متميز لا يمكن الوقوف أمامه ، خصوصاً بعد النجاح المتحقق في الملف النووي ونجاح المفاوض الايراني امام عشرات المفاوضين ومن جميع الاختصاصات ، الامر الذي اثبت ان العقل الاسلامي نجاح بجدارة في هضم واستيعاب الزحف الأمريكي نحو منطقة الشرق الأوسط .
ربما تسير المنطقة نحو التهدئة ، ولكن ليس بهذه السهولة ، فاللاعب الأيراني ليس من النوع الذي يمكن استدراجه الى المواجهة بسهولة ، لهذا ستكون المرحلة القادمة فيها الكثير من التحذير والوعد والوعيد لجميع الأطراف الإقليمية ، والتي تسعى الى تخريب الإتفاق النووي الذي يحاول الرئيس الامريكي الحفاظ على هذا المنجز لحكومته ، رغم ان احتمالات رفض الكونغرس للاتفاق مازالت قائمة ، واذا ما تم رفضه فانه سيصار الى نقضه من قبل الرئيس الامريكي الذي سيحرص اشد الحرص على تمريره وأقراره .
اعتقد على الجميع في العملية السياسية في البلاد ان يدرك أهمية هذا الإتفاق ، وان تجرى اللقاءات والحوارات في طريقة نجاح التفاوض والحوار في اصعب ملف دولي مر بصعوبات وتعقيدات وتصريحات وتهديدات لأكثر من مرة بين الجانبين ، الامر الذي يجعلنا نقف عن القدرة والقوة للدبلوماسية الإيرانية في جر وكسر الجمود الامريكي ، والقبول بلغة الحوار والتفاهم ، وهي رسالة اخرى ان على سياسينا ان يدركوا تماماً ان البلاد لا يمكن ان تقف مرة ثانية بهذه اللغة وهي لغة السلاح والنار ، وضرورة الجلوس على طاولة الحوار والتهدئة ، وإخراج البلاد من آتون الحرب الطائفية وبناء الدولة على اسس وطنية يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات .