18 ديسمبر، 2024 8:46 م

زيارة تيلرسون الى المنطقة أختبار النجاح والفشل

زيارة تيلرسون الى المنطقة أختبار النجاح والفشل

يقوم وزير الخارجية الامريكي السيد ريكس تيلرسون بزيارة الى المنطقة  تشمل كلا من الاردن ، تركيا ، لبنان ، مصر والكويت . في الكويت ، سيشارك في الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لمحاربة داعش . ومن اهم ما سيتمخض عنه هذا الاجتماع هو أهمّية الاستمرار في هذا التحالف لأن خطر داعش لايزال مستمرا على الرغم من هزيمته في العراق . وهذا بحد ذاته ليس لصيق الصلة بما سيدور في مباحثاته في العواصم الاخرى .                                                       

ليس هناك أدنى ريبة في ان هذه الزيارة تأتي في مرحلة صعبة وخطيرة بعد سبع سنوات من الحرب المدمّره في سوريا ، حيث  بدأ الوضع يأخذ منحى يمكن ان يفضي الى نزاع دولي حقيقي . فقد تقاطعت الخطوط الى درجة يصعب فيها ملاحقة المتغيرات السريعة في المواقف . أبرز ما سيثيره السيد تيلرسون في هذه الزيارة ثلاثة مسائل تشكل العمود الفقري لسياسة الادارة الامريكية في الشرق الاوسط .  وفي المقام الأول من هذه المسائل ، التسويق لخطة السلام الفلسطينية – الاسرائيلية وفق رؤية ترامب ، أو ما يطلق عليها ” صفقة القرن ” ، وتليها الحد من النفوذ الايراني في المنطقة وبخاصة في سوريا ولبنان ، وهنا يبرز اسم حزب الله اللبناني كمفتاح اساسي لفتح أو غلق باب هذا النفوذ . أما الثالثة فهي النظر في استعادة الحليف ، والحليف هنا تركيا .                 

ونلاحظ هنا ان بلدين رئيسيين قد استثنيا من هذه الزيارة رغم أهميتهما ويقعان في قلب الاحداث ، وهما العراق وأسرائيل . وربما هذا الاستثناء كان مقصودا لأعطاء الانطباع بان هذين البلدين هما حاليّا خارج نطاق ما يجري في سوريا . فالعراق مشغول باعادة الاعمار بعد هزيمة داعش فضلا عن انه سحب مقاتلي الحشد الشعبي من سوريا ولم يعد طرفا في هذا الصراع . اما اسرائيل فلا حاجة لها في ان تكون  طرفا في هذا النزاع طالما انّ كلّ ماجرى ويجري يصبّ ، الآن وفي محصلته النهائية ، في مصلحتها . وسيقتصر تدخلها متى ما شعرت فيه ان الوجود الايراني بات قريبا من حدودها اللبنانية والسورية أو أصبح يشكل خطرا عليها ، وهذا يعني ان المجال الجوي السوري سيكون مجالا آمنا للطيران الاسرائيلي في ردع أي تهديد لأمن اسرائيل ، وقد حصلت اسرائيل على موافقة روسيا والولايات المتحدة على قواعد الاشتباك هذه لحين سقوط الطائرة الاسرائيلية أف 16 بصواريخ سورية روسية الصنع في 10/2/2018 .                                

في المسألة الاولى ، ستكون الاردن ومصر مركز المشاورات . فكلا الطرفين على علم بخطة السلام الامريكية . والمتابع يستشف بان مصر ليس لها اعتراض عليها من حيث المبدأ ، بل انها ستكون طرفا فيها اذا ماتمّت مقايضة ما يؤخذ من اراضيها في سيناء بما يماثلها من صحراء النقب الاسرائيلية ، لاسيما وان مصر منشغلة بحربها ضد الجماعات الاسلامية المتطرفة في شمال سيناء وفي الصحراء المتاخمة لليبيا ، وهي بحاجة ماسّة الى دعم كل من الولايات المتحدة واسرائيل ، علما ان هناك تنسيق استخباري وبخاصة في مجال مكافحة الارهاب ونقل المعلومات بين البلدان الثلاثة ولا سيّما مع اسرائيل .وعليه فان المحادثات في مصر لن تكون مهمة صعبة،اما قضايا حقوق الانسان في مصر التي سيثيرها السيد تيليرسون فقد تعوّدت عليها مصرعلى انها بند ثابت كفرض واجب في جدول اعمال زيارة كل وفد امريكي ، وليس أكثر من ذلك .                        

أمّا في الاردن ، التي ارتبطت تاريخيا بقضية فلسطين والفلسطينيين ، وبعد تصريح الملك عبد الله الثاني لقناة سي أن أن الامريكية في دافوس ” بانه من غير الممكن وجود عملية سلام أو تحقيق اي حل سلمي بين اسرائيل والفلسطينيين بدون دور الولايات المتحدة الامريكية ” ، واذا أخذنا بالاعتبار صعوبة تخلي الاردن عن المساعدة المالية الامريكية ، وهي في وضع اقتصادي احوج ما تكون اليها ، فليس من المتوقع أن تكون هناك محادثات صعبة في عمّان ايضا . أمّا ما يتصل بالموضوع المعنوي بشأن الوصاية الهاشمية على الاماكن المقدسة في القدس ،  فقد ضمنته الاردن بموجب اتفاقية وادي عربة بين المملكة الاردنية وأسرائيل ، والتي تعترف فيها اسرائيل بالدور الخاص للملكة الاردنية الهاشمية في الاماكن الاسلامية المقدسة في القدس والذي سيستمر حتى بعد مفاوضات الحل النهائي بين الفلسطينيين واسرائيل . الموضوع التي تتخوّف منه عمّان هو الاضطرابات الداخلية التي من الممكن ان يثيرها الاخوان المسلمون في حالة مضيّ الاردن مع خطة السلام الامريكية . وهذا أمر تستطيع الاردن التعامل معه على غرار ما سبقته من احداث .                                             

وفي المسألة الثانية ، فعنوانها حزب الله . وستشكل محور حديثه مع اللبنانيين . سيشير السيد تيلرسون الى ان المجتمع الدولي يصعب عليه تقديم الدعم الى لبنان في وقت تكون فيه الحكومة واقعة تحت هيمنة حزب الله ، وستتم مساعدتها بكل السبل اذا ما رغبت في التخلص من هذه الهيمنة .  كما ان وجود السلاح الثقيل لدى حزب الله ليس للدفاع عن لبنان بل هو تهديد لأسرائيل التي ليس لها اطماع في لبنان ، وان اي مشاكل لبنانية مع اسرائيل في البر او في البحر يمكن حلّها بالمفاوضات ، وستحظى لبنان بدعم المجتمع الدولي  في اية مفاوضات قادمة لأنه متعاطف معها ومتفهم لأوضاعها. وعليه فان حزب الله يشكل خطرا على لبنان كما هو خطر على اسرائيل ، وهو اداة لتنفيذ مشروع ايران في الهيمنة على المنطقة ، ولا نريد ان تكون لبنان طرفا في هذا المشروع، وهذا ما لا تسمح به الولايات المتحدة ولا المجتمع الدولي . ستشكل هذه الزياره عامل ضغط كبير على حزب الله وعلى الحكومة اللبنانية أيضا في اجواء تتسم بالتصعيد الخطير بين اسرائيل وأيران  في سوريا والتي لايمكن للبنان ولا لحزب الله ان يكونا بمنأى عنه.                .                                     

وفي مسألة استعادة الحليف ، فهي مهمّة محفوفة بالمخاطر ، والفشل فيها من الصعب التنبؤ بنتائجه. كلا الطرفين غير راغب في الصدام ، وكلاهما يريد انجاح زيارة تيلرسون الى انقره . بيد ان وجود قوات سوريه الديمقراطية التي تتهمها تركيا بانها تتعاون مع حزب العمال الكردستاني على حدودها الجنوبية يشكّل تهديدا وجوديا لا يمكن ان تتجاهله تركيا . هذا الوضع أجبر تركيا على التحالف مع روسيا من اجل توفير مستلزمات انجاح هجومها على تلك القوات في منطقة عفرين السورية . وهي تهدد بتوسيع المعارك لتشمل منبج وبالتالي جميع منطقة غرب الفرات . واذا ما حدث ذلك فان المواجهة مع القوات الامريكية التي تقدّم دعما كاملا لتلك القوات وتتواجد معها ، وبخاصة في منبج ، ستكون امرا كبير الاحتمال . كلا الطرفين لايريد هذا الخيار. الولايات المتحدة تريد استعادة حليفتها تركيا من روسيا ، وتركيا اصلا غير متحمسة لأستمرار تحالفها مع روسيا ، ولكنها كانت مضطرة اليه بسبب الدعم اللآمحدود التي تقدمه الولايات المتحدة الامريكية لقوات سوريا الديمقراطية . وفي الوقت نفسه فان تركيا لاتقف حائلا دون من يساعدها في تقديم حل معقول يدفعها الى وقف هجومها وسحب قواتها وبما يحفظ ماء الوجه ، لأنها لا تريد ان تستزف قواتها في حرب بدأتها ولا تعرف متى وكيف ستنتهي. وحدها الولايات المتحدة تستطيع تقديم هذا الحل ، وهنا تكمن المعضلة . يجب على تيلرسون تقديم شيء يقنع الاتراك بوقف هجومهم. فهل يستطيع منحهم منطقة آمنة على طول الحدود مع سوريا                                   

عقدة تيلرسون ستكون في تركيا ، وليس في مكان آخر ، وحلّها سيؤشر أول نجاح له             .