18 ديسمبر، 2024 9:45 م

زيارة امريكا .. كيفية استثمارها

زيارة امريكا .. كيفية استثمارها

قبل أربعة أشهر دعت الولايات المتحدة الامريكية جمهورية العراق لحوار استراتيجي وتنظيم العلاقة بين البلدين على أسس المصالح المشتركة السياسية والأمنية والاقتصادية شؤون الطاقة وغيرها من استراتيجات المصلحة الأمريكية، زيارة السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تشكل مفصلا مهما ً في إرساء الحوار الاستراتيجي على قواعد عمل لحساب البلدين .
القراءة السياسية للمصالح الأمريكية عبر تاريخ علاقتها مع العرب تشير الى أنها علاقات ذات طابع ظرفي ومرحلي، بمعنى أنها علاقات ترتبط بالمصلحة الامريكية أولا ولاتقوم على تبادل مصالح بعمق وترابط استراتيجي كما هو الحال مع دول من خارج المنظومة العربية أو الاعتراف بحقوق الآخر من سيادة وأمن واقتصاد وأمور أخرى يدرك الأمريكي لعبتها، وقد عشنا التجربة السياسية العراقية المريرة بعد 2003 بكونها صناعة امريكية تخللتها أخطاء بنيوية عميقة أعطت فرصا إضافية لاحتلالات بأنماط وأنواع استلابية ووحشية متعددة، كانت سببا بخراب عراقي تاريخي بكوارثه !؟
الآن وقد طلبت امريكا حوارا استراتيجيا ينظم علاقتها مع العراق فهذا تحول سياسي يعكس حاجة امريكا النسبية له كما اعتقد، لذا ينبغي استغلاله نوعيا بما يخدم مصالح العراق .
أدع ُ السيد الكاظمي الى تكريس زيارته باستثمار سياسي نوعي مستعينا بالأسلوب والشعار الأمريكي ذاته أي ” ماذا تعطيني لأعطيك مايقابله “، عندها سيدرك الامريكي وهو أبن المؤسسة الرأسمالية في تكوينها التجاري الربحي، بأن المفاوض السياسي العراقي صار يدرك معنى التفاوض بجدية تترجم ظاهرة الثقة بالنفس، والاعتراف بالحاجة للدعم والتمويل لتحمل تكاليف المطلوب .
لايخفى على أحد بأن موضوع الحشد الشعبي وتحديدا الفصائل الولائية المرتبطة بايران هي المؤرق والمتحدي الأول للوجود الامريكي من خلال التعرض المستمر لتواجده الدبلوماسي والعسكري، وأن وجودها، أي الفصائل المسلحة، يمثل قوى اللادولة الشيعية، ولأن الكاظمي والقوى السياسية الداعمة له ( الفتح وسائرون وعراقيون ) يمثلون قوى الدولة الشيعية، فأن البند الأول يأتي من هنا، أي بقدرة الكاظمي وحكومته على خفض تهديدات تلك الفصائل والوصول بتأثيرها لنقطة الصفر ، والأمر هنا يستدعي جهدا استثنائيا من الكاظمي في التفاوض والحوار والتسوية مع الفصائل ومرجعياتها السياسية، بتقديم مصلحة الدولة العراقية وتخليصها من أزماتها الوجودية الخانقة، والخروج من معادلة الصراع الامريكي _الايراني، ولهذا الآخر ثمن أيضا، يعطي للعراق امكانية التوجه لمعالجة الانهيارات الكبيرة والخراب الذي حدث بالعراق منذ 2003 لحد الآن، الأمر الذي يستدعي من السيد الكاظمي التثبت من تحقيق ذلك لأنه سيكون المحور الأول في الطلبات الامريكية .
مطلوب من رئيس الحكومة أن يحدد واركان حكومته ماذا يريد العراق من امريكا، وبتعيين النوع والسقف الزمني لتنفيذ ذلك، ومعادلته بما تطلبه امريكا في تحقيق مصالحها الاستراتيجية، وإذا استطاع الوفد العراقي الحصول على دعم امريكي سياسي واقتصادي وتقني وعسكري بعيدا عن لغة المحاور والصراع الاقليمي ، أي التمركز بما يؤمن الحياة المدنية والسلام الاجتماعي، يكون هذا الدعم عاملا فاعلا بتوجه الحكومة العراقية نحو إصلاحات جذرية تعيد العراق لمسار الدولة الوطنية .